Share
  • Link copied

معالم في أهم العناصر البحثية إزاء الحالة الدستورية المغربية زمن الطوارئ الصحية

تختلف الأنظمة السياسية من حيث تأسيس وتدبير حالات الطوارئ الكبري، التي من شأنها أن تؤثر على السير العادي للمؤسسات الدستورية والرسمية، وأيضا علئ المجتمع ككل. هناك منظومات قانونية دستورية مكتوبة، أوكلت اختصاص تأسيس وتدبير حالة الطوارئ لرؤساء الدول، وأخرى لرؤساء الحكومات، وغيرها للبرلمانات. بعضها وصف إجراءات تدبير هذه الوضعية بدقة، وبعضها ترك التفاصيل للحكومات والبرلمانات، مع تأطيرها بعدة ضمانات حقوقية لفائدة المواطنين ومن بينها ضمانة الرقابة القضائية. وأنظمة أخرى سنت تشريعات جنائيه تفرض استثتناءات حقوقية خلال فترة الطوارئ، بغض النظر عن التشريعات العادية.

في اعتقادنا أن الحالة المغربية، تحتاج إلى التفكير في تأسيس فرع مغربي جديد للقانون الدستوري، وهو القانون الدستوري للطوارئ والأزمات، الذي يزاوج بين القاعدة القانونية العصرية وبين القاعدة العرفية التاريخية والشرعية. وهي حالة تختلف نظريا عن باقي الحالات الدستورية الغربية المقارنة.

في المغرب يمكن تفسير إجراءات الطوارئ من خلال الفصل 42 من الدستور الذي ينص على ما يلي ” الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”، وهو ما تحدث عنه كثير من أساتذة القانون الستوري وعلم السياسة بأنه الدستور الضمني للمغرب.

هذا الفصل لا محالة يحيل على كتلة معيارية كثيفة، تشكل القانون الدستوري المغربي العرفي، ذو المرجعية الإسلامية والتاريخية، تجسده إمارة المؤمنين التي تشتغل الآن في توجيه الدولة ومؤسساتها وهياكلها لصالح الأمة من خلال أعرافها التاريخية وواجباتها الشرعية، بل وتعتبر المؤسسة الجامعة الحقيقية الماسكة بجميع مدخلات ومخرجات الأزمة على المستوى الإجرائي والعملي.

الصفات التي تعطى لرئيس الدولة في المغرب متعددة. لكل واحدة منها قاموسها وطقوسها وترتيباتها القانونية والعرفية. هناك صفة الملك كجهاز رئاسي تسليلي، يباشر بعض المهام القانونية والإدارية، كترأس بعض المؤسسات الدستورية كالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ويؤشر على قرارات المجلس، وأيضا يترأس لجان تنفيذية متعددة.

هناك صفة أمير المؤمنين التي يمارسها بمقتضى عقد البيعة التأسيسية، عند انتقال الحكم إليه، أو عقد البيعة التدبيرية السنوية، التي ترمز إلى تعاقد الأمة مع الأمير من أجل الطاعة مقابل حفظ النفس والعرض والمال.

هذه الصفة هي التي تعطيه باقي الصفات: الممثل الأسمى للأمة، الحكم بين المؤسسات، ضامن استمرارية الدولة، ضامن الحقوق والحريات وغيرها.

وفي نظرنا مؤسسة إمارة المؤمنين بكثافة أعرافها وقيمها وواجباتها الشرعية، هي التي تشتغل حاليا في فترة الطوارئ. إذ لا يمكن للدولة أن تستمر أو للمواطن أن ينعم بحقوقه وعلى رأسها حق الحياة والصحة، أمام وباء عالمي شديد الانتشار يهدد البلاد كلها بالشلل التام و بالركود الاقتصادي الحاد.

لاحظنا كيف طلب الملك فتوى المجلس العلمي الأعلى بشأن تعطيل صلاة الجماعة في المساجد بصفة أمير المؤمنين، ولاحظنا كيف أصدر الملك عفوا استثنائيا عن مساجين خارج المناسبات المعتادة، بل بسبب وباء كورونا. لاحظنا كيف أعطى الملك تعليماته بإلغاء واجبات كراء محلات الوقف بهذه الصفة، لمدة معينة بسبب الوباء، ولاحظنا كيف يوجه الملك القطاعات المعنية بمحاربة تفشي الفيروس وآثاره.

ولاحظنا أيضا أن القضاء الذي لا يخضع للسلطتين التنفيذية والتشريعية، اضطر لمخالفة عدة نصوص تشريعية جوهرية في المحاكمات والجلسات وغيرها، بسبب الجائحة الفتاكة. لم يكن ذلك بسبب توجيهات أو تعليمات حكومية، بل كان مصدره أمير المؤمنين، الذي يمارس القاضي وظيفة إقامة العدل كإحدى وظائف إمارة المؤمنين.

كلها مؤشرات واقعية عن اشتغال الدولة انطلاقا من الأعراف الدستورية التاريخية التي تمنح اختصاصات أو تفرض واجبات شرعية على الأمير خلال فترات الأزمات الكبرى، غير منصوص علبها صراحة في متن الوثيقة الدستورية. كما نلاخظ جميعا أن مؤسس الطوارئ الفعلي وهو أمير المؤمنين، يشتغل بمنطق تشاركي يوحد الجهود وينشئ الإمكانات المادية لمواجهة الأزمة، بدون فرض أو إجبار على المجتمع بأكمله.

أحيانا تفرض بعض الأوضاع الطارئة، القراءة التقليدية للسياق الدستوري، وذلك للتذكير بالمصادر المتنوعة للقانون الدستوري المغربي، خصوصا عندما نفتقد القاعدة التأسيسية في محاولة البحث عن مطابقة الوقائع الطارئة مع وثيقة الدستور، عندها يتعين البحث ما فوق الدستور أي في كتلة الأعراف الدستورية الأكثر إلزاما ووضوحا من منطوق الدستور نفسه.

لذلك يمكن القول أن السلطة المؤسِسة الحقيقية، لمؤسسة حالة الطوارئ حاليا في المغرب، هي إمارة المؤمنين التدبيرية، وليس باقي السلطات المؤسَسة، التي تستمد مشروعيتها من الشعب أو من الملك أو منهما معا، والتي تعطل جزء من استقلاليتها المعيارية والتنظيمية لفائدة مؤسسة عليا أكثر قدرة على مواجهة الوضع المأزوم الحالي.

*باحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال/الرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي