إن مفهوم الاستبداد الذي أنتجته بعض الإيديولوجيات العابرة للزمن والجغرافيا في سياقات معروفة ومرتبطة بتراكمات وصراعات داخل المجتمعات بين طبقات بورجوازية وطبقة الكادحين في الحقول والمعامل نتجت عنها نظريات إقتصادية ثورية حسب المقاربة الشيوعية أو ما أنتجه ماركس حول الثروة والرأس مال ودور المجتمع في بناء الثروة. هذا المفهوم، أي الثروة، كان ذات يوم موضوع تساؤل عميق في خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2014 وهو ما يؤشر على أنها إحدى الإشكاليات الحقيقية داخل البنيات الإجتماعية الإقتصاديةو السياسية حيث تبرز سيطرة نخب معينة حيث تتركز هذه الثروة وتتوارث بيد فئات محسوبة أو مرتبطة بالجسم السياسي والحزبي أو مرتبطة بتجمعات مصالح تتقاطع معه وتتحكم في عصب الإقتصاد الوطني وتتموقع في أعلى سلم الطبقات الإجتماعية.
إن هذه النخب أصحاب الثروة هي من ترسم وتحدد مستقبل الخريطة السياسية والتشريعات عبر ما يتم إنتخابه منها ومن ممثليها في مؤسسات البرلمان مستفيدة من تموقع الأحزاب المحتضنة لها من خلال الإنتخابات وما تتحصل عليه من درجات في ترتيب الإستحقاق الإنتخابي الذي يعتبر مؤشر قوة وضبط حيث يسارع كل حزب لإستقطاب “صحاب الشكارة” و”الحرايفية ديال الإنتخابات” كما سماهم البرلماني هشام المهاجري ذات لقاء إعلامي، لا يكاد مسلسل الإنتذابات والإغراءات يختلف عن ما يجري في مجال كرة القدم حتى من طرف بعض الأحزاب التي تتبع الإيديولجيا اليسارية والإسلامية. الكل يبحث عن “ميسي” سياسي. فلا تستغرب إن وجدت بعض منتسبي التيارات المحافظة أو الحداثية يتنقلون بين عشية وضحاها نحو النقيض الإيديولجي والتموقع في الصف الليبرالي على سبيل المثال.
إن ما يقع في سوق السياسة لا يمكن إلا وصفه بالعبث حيث تتحول هذه النخب إلى أسهم في بورصة الإنتخابات وهو ما أنتج لنا هذا الجمود في النقاش العمومي وأصبحت معه المعارضة المؤسساتية مجرد غرفة تسجيل وغاب دور الصحافة الجادة والإعلام المسؤول في قول الحقيقة حيث أصبحت مجرد مقاولات تشتغل بمنطق الإمتيازات الريعية في غياب أي نموذج أو مقاربة إنتاجية تحرك المياه الراكضة، فأصبحت كوطا أموال الدعم ومصادره هي المحدد لسياسة النشر والتحرير بالإضافة إلى ما توفره وزارة الإتصال من دعم عمومي وهو ما يستوجب المساءلة في ظل مقاربة تنتهك حقوق من يشتغلون بهذا المجال الذي يعاني من بعض مظاهر البؤس وما يصاحبه من الممارسات هنا وهناك بعيدة كل البعد عن ديونتولوجيا الإعلام والصحافة بمفهومها الكوني.
إن الحاجة أصبحت ملحة في هذا السياق والنهج الذي تتبعه النخب المؤطرة للمجتمع إلى إستبدال عميق وهيكلي داخل هذه المنظومة المهترئة والمستبدة برؤية واحدة منغلقة وفتح المجال لمبادرات جديدة وواعدة مع منح الأفق لطاقات شابة تحمل أمل وطن أفضل وتؤسس للمستقبل على ما تحقق من تراكمات في شتى المجالات والقطع مع من أصبحت فضائحهم تزكم النفس حتى أصبحنا نطبع مع الفضائح السياسية و الجرائم الأخلاقية التي لاتكاد تخلو أيامنا من أخبارها عبر فتح ملفات قضائية وربما إعتقالات في صفوف من زكتهم هذه الأحزاب للمسؤولية التمثيلية سواءا في مؤسسات التشريع أو التدبير المحلي.
لقد أصبحت مجموعة من الأحزاب التي تتجاوز الثلاثين هيئة قابعة في غرفة الإنعاش غائبة عن النقاش والمبادرة حتى أصبحنا لا نتذكر منها إلا ثلاثة أو أربعة تنظيمات سياسية، فأين إختفت البقية بتنظيماتها وفروعها وهيئاتها الموازية؟ الجواب واضح لا تظهر هذه الأحزاب وقيادتها إلا حين يتوفر دعم الوزارة في موسم الإنتخابات وهو ما يشبه إلى حد كبير ما يقع خلال مواسم الفنتازيا إلا أنها فنتازيا من نوع آخر …كاين “الحبة والبارود” في غياب فرسان حقيقيون يقودون “السربة” ويمتعون الجمهور ويشبعون رغبته في الاستمتاع بما ينجز داخل “المحرك” السياسي… فعلى على كل سياسي إنتهت صلاحيته أن يترجل من صهوة جواد المسؤولية وترك المجال لمن هم أكثر إستعداد لخوص غمار السباق بمرجعية أخلاقية وكفاءة وقدرات تستجيب لإكراهات المرحلة في ظل تحديات الرقمنة والذكاء الإصطناعي واقتصاد المعرفة.
تعليقات الزوار ( 0 )