فضحت جائحة كورنا المستور في وضعية الاقتصاد المغربي و عرت ما كان مئات المسؤولين بقطاعات وزارة التربية الوطنية و وزارة الشغل وباقي الوزارات يغضون الطرف عنه أولا و محاولاتهم التستر عن مناطق الخلل ثانيا .
كورونا لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير و كما يقول المغاربة خلي داك الجمل راكد لكن الجمل استيقظ و نهض فاضحا هشاشة قطاعات حيوية .و بقدر ما أبان المغرب عن قدرات استباقية أثارت إعجاب العالم بقدر ما أظهرت الجائحة أن قطاعا كقطاع التعليم الخصوصي فوضوي و هش ، و رب ضارة نافعة ، حيث أن هذا القطاع محكوم بقانون 06.00 والذي حان الوقت كي تتخلص منه الدولة و تقوم بتغييرات جذرية انطلاقا من بعض البنود التي تهم العلاقة بين الآباء كطرف أولا و المقاولة التربوية كطرف ثاني ثم من جهة أخرى العلاقة بين المدرس كإطار يقدم خدمة تربوية و يطبق حرفيا المناهج المبرمجة في التعليم المدرسي العمومي والمؤسس كطرف ثاني.
رزمة القوانين التي وضعها المغرب منذ الميثاق الوطني للتربية و التكوين إلى القانون الإطار المثير للجدل في شق لغة التدريس أبانت على أن التنظير متباعد عن التطبيق ، حيث أن الدولة عندما اعتبرت التعليم الخصوصي شريكا أساسيا لها فإن من واجبات الشراكة هو التدخل لإنقاذ مواطن الخلل في هذا القطاع و ليس إصدار توصيات و بلاغات لا أثر لها على أرض الواقع.
كورونا ضربت القدرة الشرائية لمئات الأسر التي سجلت أبناءها منذ سنوات و بدورها عجزت عن أداء الأقساط الشهرية و هنا لا مجال للتعميم لأن مئات الأسر كذلك سوف تستغل الهشاشة و فوضى التصريحات و استنباط أحكام شخصية كي تتنصل من الأداء تحت ذريعة الجائحة ، و هنا تظهر ضعف آليات رصد القطاع الشغلي بالمغرب بحكم أن العديد من المؤسسات لا تصرح بأجرائها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، إذن فالمسؤول عن المقاولة التربوية سوف يتذرع بقلة موارد التحصيل كي لا يؤدي الأجور للأطر العاملة بالقطاع ، و هنا مكمن الصراع و الخلل ، كيف يمكن تصحيح هذا المشهد الذي يصادم المغاربة فيما بينهم ، أب يشكك في الأستاذ و أستاذ يعتبر الأب متنصلا من واجباته و مشغل يعتبرهما معا عبء في حالة عدم توصله بالواجب المدرسي.
إن تعامل وزارة التربية الوطنية مع القطاع الخصوصي يعتبر متناقضا و غير واضح فهو شريك بيداغوجي من جهة ومحكوم بمدونة الشغل من جهة أخرى. إن التربية و التعليم أسمى من البيع و الشراء و تشديد الرقابة على القطاع أصبح إلزاميا ، كما أن تأهيل الموارد البشرية داخله و فرض شروط و معايير مضبوطة في العلاقة الشغلية و توحيد العقود و لو على المستوى الجهوي يجب أن يكون ملزما لكافة الأطراف بما فيها الطرف المستفيد و هو آباء و أسر التلاميذ كما أن الدولة ملزمة بالاهتمام بالوضعية الاجتماعية للأطر التربوية و الإدارية من خلال استفادتها من نفس الامتيازات المتواجدة في القطاع العمومي و إلا ستكون الدولة قد خرقت أحد بنود الدستور المغربي المتمثل في حق المساواة.
لنعد لقرار وزير التربية الوطنية بقبة البرلمان و الذي اتخذت وزارته رزمة من المحددات الأساسية لتجاوز محنة كوفيد 19 أولها التخلص من الموحد الإقليمي للسادس و الثالثة إعدادي ثانوي مع العلم أن هذين الموحدين أثارا نقاشا واسعا قبل سنوات حول معايير الجودة و القيمة و دعا بعض المتتبعين إلى التخلي عنهما سيما الذي يخص المستوى السادس ابتدائي و قد كانت وزارة محمد الوفا سابقا ستعمل على تصحيح الخلل في هاته التقويمات حسب ما كان رائجا حيث كان سيعمد إلى نزع امتياز نقطة المراقبة المستمرة من القطاع الخاص و الذي كان يعتبرها مبالغا فيها.
إن هذا القرار و إن كان فعلا سيجنب المغرب العديد من ضحايا الوباء و هو في محله لكن خروجه في بداية شهر ماي كان طعنة في ظهر الشريك الأساسي للقطاع الخصوصي حيث أن مئات الأسر ظنت أن السنة الدراسية انتهت و أنه لا جدوى من الحضور للدروس عن بعد مادام أن أولادهم قد حصلوا معدلات عالية في الدورة الأولى و بهذا فلا جدوى من أداء الواجبات المدرسية سواء التامة أو المخفضة و منطقيا أن ضعف موارد التحصيل سوف يهدد أجور العديد من الأساتذة في القطاع و يحكم عليهم ببطالة مفروضة إلى بداية السنة الدراسية في شتنبر2020 ، فكان لزاما على الوزارة أن تبرمج الموحدات الإقليمية للسادس و الثالث إعدادي ثانوي في منطلق شهر شتنبر مثلها مثل الباكالوريا و تضع كل الترتيبات اللازمة لنجاح هاته المحطة حتى لا تجني على قطاع استراتيجي ألا و هو القطاع الخصوصي.
هذه الأزمة سوف ترخي بظلالها على مستقبل القطاع الذي يعتبر ثالث القطاعات المتضررة بعد السياحة و قطاع المقاهي ، ولعل دعوة ممثل جمعوي للباطرونا بالمغرب إلى عقد مؤتمر استثنائي طارئ يعتبر ناقوس خطر سوف يحدث صدمات كبيرة في قطاع ضعيف ساهم في الإثراء الفاحش لفئة و تفقير خطير لفئة أخرى بسبب غياب ترسانة قانونية واضحة المعالم و رغبة أكيدة في التغيير، و قد حان الوقت لكي نتخلص من نظرتنا لهذا القطاع كي يخرج من ثنائية الرؤوس : التعليم و الشغل إلى أحادي الرأس.
* ناقد وروائي
و الله لقد نظمت بشكل جيد الأفكار المبعثرة و المتضاربة في رأسي و جمعتها في تحليل وقراءة معقلنة لواقعنا المليء بالتفاصيل والقرارات المتناقضة.