نشر مركز “سترافور” الأمريكي للدراسات الأمنية والاستخباراتية (الذي يوصف بالمقرب من المخابرات الأمريكية)، تقريرا لتوقعاته للعام الحالي 2023، مؤكدا أنه سيكون عامًا مضطربًا آخر في الشرق الأوسط. وفي مقدمة هذه التوقعات من المرجح أن ينهار الاتفاق النووي الإيراني، ما يؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة، في الوقت الذي ستتواصل التقلبات المالية التي تجتاح الشرق الأوسط.
الاتفاق النووي الإيراني
يقول المركز إنه من المرجح أن تنهار المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران وسط تسارع برنامج إيران النووي ونقل الأسلحة إلى روسيا، ما يؤدي إلى أزمة جديدة قد تدفع الولايات المتحدة إلى توسيع وجودها في الشرق الأوسط، بينما تدفع إسرائيل نحو تصعيد حربها السرية ضد إيران.
وستستمر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران بشكل متقطع. لكن من غير المرجح أن تجبر التظاهرات الحكومة الإيرانية على تبني إصلاحات اجتماعية مهمة، لأن ذلك يهدد بظهورها خاضعة، ما يشجع المحتجين على المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية أكثر راديكالية.
ومن المحتمل أن تستمر طهران في حملتها القمعية الشديدة ضد الاحتجاجات، ما يؤجج عدم الاستقرار الداخلي، ويعمق انعدام الثقة بين إيران والدول الغربية، ويجعل ذلك حل الأزمة النووية أكثر صعوبة.
وقد يؤدي انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية في أكتوبر 2023 إلى نقل إيران المزيد من الصواريخ إلى روسيا خلال العام المقبل، علاوة على تلك التي قدمتها طهران بالفعل للقوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا.
وسيؤدي ذلك، إلى جانب التقدم النووي المستمر لإيران، إلى إذكاء مخاوف الغرب بشأن انتشار الأسلحة ويؤدي إلى مزيد من العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تستهدف قطاع الأسلحة النووية والدفاعية في البلاد. كما ستؤدي الهوة المتزايدة بين الغرب وإيران إلى عرقلة الجهود الأمريكية لتقليص الوجود العسكري في الشرق الأوسط، مع تزايد احتمالات الاستفزازات العسكرية الإيرانية ضد المصالح العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج إيران النووي المتقدم سيكثف دعوات المتشددين في إسرائيل والولايات المتحدة لشن ضربة عسكرية لتقويض التقدم النووي الإيراني. ومع ذلك، من غير المرجح أن تشن إسرائيل مثل هذا الهجوم المباشر على إيران دون دعم الولايات المتحدة، وهو ما ستكون واشنطن حذرة من منحه بسبب خطر إثارة صراع عسكري آخر في الشرق الأوسط.
وبالتالي من المرجح أن تركز إسرائيل على اتباع وسائل أقل عدوانية لإضعاف برنامج إيران النووي، مثل العمل السري والهجمات الإلكترونية.
تركيا: رهان اقتصادي ومخاطر أزمة
بحسب التقرير ستواصل الحكومة التركية التزامها بالاستراتيجية الاقتصادية غير التقليدية، في وقت قد تثير فيه الانتخابات المقبلة حالة من عدم اليقين السياسي. وبالرغم من ارتفاع معدلات التضخم، فمن المرجح أن تبقي تركيا أسعار الفائدة كما هي، وربما تزيد التضخم سوءًا عن طريق زيادة الأجور والإعانات.
وقد يدخل الاقتصاد التركي أيضًا في حالة ركود بسبب صدمات اقتصادية خارجية أخرى مثل الركود في الاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على الصادرات التركية؛ أو ارتفاع آخر في أسعار الطاقة أو الغذاء؛ أو انخفاض في الاستثمار الخارجي في تركيا بسبب القلق بشأن مستقبلها الاقتصادي أو ظروف الاقتصاد العالمي أو كليهما.
وخلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يونيو 2023، سيحاول حزب العدالة والتنمية الحاكم تقسيم المعارضة، وتحقيق مكاسب على صعيد السياسة الخارجية مما يمنحه زخما داخليا قبل الانتخابات.
وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات، قد يؤدي التصويت إلى اتهامات واسعة النطاق بالتزوير وإثارة الاضطرابات حيث سيحاول الخاسرون تقويض فوز خصمهم.
دول مجلس التعاون الخليجي
وبحسب التقرير ستستخدم دولة الإمارات وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي مؤتمر المناخ “كوب28” الذي سيعقد في دبي لجذب الاستثمار في اقتصاداتهم النامية، لكن فورة النشاط التجاري لن تعوض التوترات الدبلوماسية مع الغرب.
وستلفت الإمارات انتباه وسائل الإعلام العالمية إلى المبادرات الخضراء الناشئة في البلاد، عن طريق استعراض الفرص المتزايدة للاستثمار الأخضر في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع ذلك، ستظل الاستثمارات في قطاع الهيدروكربونات تشكل الغالبية العظمى للنشاط الاقتصادي وستساعد في جعل دول مجلس التعاون الخليجي وجهة استثمارية جذابة في عام 2023 مقارنة بالوجهات التي تعاني من التباطؤ الاقتصادي.
ويقول التقرير إنه لن تتراجع التوترات بين دول مجلس التعاون الخليجي والغرب في عام 2023 بسبب حرب أوكرانيا والعلاقات مع كل من الصين وروسيا وكذلك الخلاف بشأن إنتاج الطاقة، وإن بدا هنا تعميميا، لأن هذا الاضطراب لا يخص كل دول المنطقة، بل دولتين فقط هما السعودية والإمارات. لكن العلاقات التجارية الوثيقة والجديدة وفرص الاستثمار بين الشركات الغربية والخليجية ستحافظ على العلاقات الثنائية، كما يستدرك التقرير.
تونس والجزائر والمغرب والصحراء
بحسب التقرير سيعزز الرئيس التونسي سلطته، الأمر الذي سيزيد من احتمالية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. لكن من المحتمل اندلاع احتجاجات بسبب مخاوف من شروط القرض التي سيتحملها المواطنون.
ويعني توسع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب البرلمان التونسي أن المحادثات مع صندوق النقد الدولي ستتقدم، بالرغم من الاحتجاجات المُحتمَلة التي ينظمها عادة الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من منظمات المجتمع المدني والتي تهدف إلى منع الحكومة التونسية من الالتزام بشروط القرض.
ومن غير المرجح أن يمنع ذلك الحكومة من تنفيذ الإصلاحات وتدابير التقشف مثل الزيادات الضريبية وخفض الدعم في العام المقبل. ومع قبضة الرئيس القوية على قوات الأمن، فمن المرجح أن يستخدم القوة والعنف في مواجهة المحتجين.
في غضون ذلك، فإن التقارب الجديد للرئيس “قيس سعيد” مع الجزائر مدفوعا بالمشاكل المالية والرغبة في الحصول على مزيد من الغاز من الجزائر سيؤدي إلى تدهور العلاقات التونسية مع المغرب، ما يحول دون المصالحة الإقليمية والتعاون في مكافحة الإرهاب وإجراءات مراقبة الحدود.
وسيؤدي الانقسام المستمر في شمال أفريقيا إلى إطالة عدم الاستقرار في الصحراء وإعاقة الفرص الاقتصادية والاستثمارية في المنطقة.
الحكومة اليمينية الجديدة في إسرائيل تنفر الحلفاء الأجانب
ويؤكد التقرير أن سياسات الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل بقيادة نتنياهو ستؤدي إلى توتر العلاقات الخارجية لإسرائيل وإذكاء الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية وإعادة تشكيل ميزان القوى الداخلي للبلاد، ما قد يجعل السياسة الإسرائيلية أكثر اضطرابًا.
وسيستخدم اليمين المتطرف في إسرائيل نفوذه السياسي المتزايد لدفع السياسات المثيرة للجدل، مثل تقويض المحكمة العليا في البلاد، وتمرير السياسات المؤيدة للدين، وإضعاف الحماية للأفراد المثليين.
وفي حين أن هذه التحركات ستثير القلق في الخارج، فإن قلة من الدول ستخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل بالنظر إلى أن الدوافع الإستراتيجية الأعمق – بما في ذلك الكراهية المشتركة لإيران والروابط الاقتصادية والتكنولوجية – سوف تفوق مخاوفهم.
لكن إذا انحرفت إسرائيل إلى أقصى اليمين فيما يتعلق بتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فقد يتسبب ذلك في أعمال عنف في الأراضي الفلسطينية، وهو أمر من شأنه أن يثير انتقادات دولية كبيرة ويزعزع استقرار الحكومة الإسرائيلية.
وسيؤدي هذا الانتقاد إلى تعقيد الدعم السياسي لإسرائيل وتقوية الحركات الدولية التي تسعى لعزل إسرائيل لإجبارها على تقديم تنازلات سياسية للفلسطينيين.
تعليقات الزوار ( 0 )