Share
  • Link copied

مخيمات تندوف بين انتهاكات “البوليساريو” وازدواجية الخطاب الجزائري

تصاعدت استفزازات جبهة “البوليساريو” للمغرب وانتقلت من التهديد بالعودة لحمل السلاح، إلى تنظيم تجمهرات أمام الجنود المغاربة بالقرب من الجدار الرملي العازل امهيريز، إلى تخريب الطريق الرابطة بين معبر “بير كندوز” ومعبر “انواذيبو“، وعرقلة حركة السير المدنية والتجارية فيها؛ هاته الخطوات الاستفزازية تعتبر في مجملها بمثابة تحد لقرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة، وتجاوز لصلاحيات المنظمة الأممية بصفتها الهيئة الدولية المكلفة بإيجاد حل للنزاع.

   التحركات الأخيرة “للبوليساريو” هي في الأصل رد فعل على الانتصارات المتواصلة التي حققها المغرب المرتبطة بملف صحرائه، من قبيل تراجع عدد الدول المعترفة بالجبهة، وفتح تمثيليات دبلوماسية افريقية في مدينتي العيون والداخلة، وكذا ترسيم المغرب لحدوده البحرية، بالإضافة إلى بناء ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيعتبر حلقة وصل مابين أوروبا إفريقيا والدول الأمريكية.

   نتيجة لذلك سارعت “البوليساريو” بإعادة رفعها لشعارات زائفة كوسيلة لجلب تعاطف الدول الأجنبية مع أطروحتهم الانفصالية، من قبيل زعم الجبهة أنها الممثل الوحيد للساكنة الصحراوية دون القيام بأي إجراء ديمقراطي يثبت ذلك، بل وانتقلت إلى حد وصف المغرب “بالبلد المحتل”، وهو ما يخالف مفهوم القوة المحتلة المنصوص عليه في القوانين الدولية الوضعية أو العرفية، لاسيما وأن هذا المفهوم يعنى بالدولة التي تحتل جزئيا أو كليا أراضي بلد أخر، وتتمتع بالاختصاصات المرتبطة ببقاء وامن قواتها، لذا فإن وصف بلد ما بالمحتل يخضع لشروط وضوابط لا تنطبق بمجملها على وضعية المغرب بالصحراء.

   تعيش “البوليساريو” منذ سنوات انقسامات داخل صفوف قيادتها وتراجع لشعبية خطاباتها داخل المخيمات، نتيجة للانتهاكات الدورية التي يتعرض لها ساكنة تندوف من عدم تمتيعهم لحقوقهم الأساسية، وكذا عدم تنزيل الإطار القانوني المنصوص عليه في اتفاقية 1951 وبروتوكولها الإضافي لسنة 1967 المنظم لوضعيتهم كلاجئين.

   تعاني ساكنة تندوف من الاضطهاد والقمع بسبب عدد من العوامل من قبيل الوضعية القانونية غير الواضحة لمخيمات تندوف وعزلتها الجغرافية، وكذا غياب الإشراف عليها من قبل الجزائر بصفتها الدولة المضيفة، فالسلطة الجزائرية من وجهة القانون الدولي يتوجب عليها ضمان احترام حقوق ساكنة تندوف الأساسية، وتمتيعهم بالإطار القانوني المنظم لهم، لذا فهي تتحمل مسؤولية كل ما يقع داخل المخيمات من انتهاكات، خصوصا وأنها تنصلت من تفعيل التزاماتها القانونية ورفضت إجراء إحصاء لساكنة المخيمات لاسيما وما يرتبط بها من حقوق من قبيل:

  •  اختيار ساكنة تندوف مابين العودة لأرض الوطن، أو البقاء في المخيمات، أو الانتقال لبلد ثالث يرحب باللاجئين.
  • حق إشراف المفوضية العليا للاجئين على المخيمات.
  • إعطاء وضعية لاجئ لساكني مخيمات تندوف التي ستنزل على إثرها عدد من الحقوق مثل: حرية التنقل، الحصول على منحة التعليم، إتاحة الفرصة للعمل…
  • قطع الطريق أمام الاختلاسات التي تتعرض لها المساعدات الإنسانية المقدمة لساكنة مخيمات تندوف.

كل ذلك يعني بالنسبة للجزائر وصنيعتها “البوليساريو” فقدان ورقة الضغط التي تستعملها على المجتمع الدولي، ويدحض كل الادعاءات والشعارات المروجة بشان ملف الصحراء المغربية.

   من خلال ما سبق يتضح جليا ازدواجية الموقف الجزائري بشان احترام حقوق الإنسان، فهي من جهة تدعو إلى إحداث آلية أممية تقوم بمراقبة حقوق الإنسان في منطقة الصحراء المغربية، ومن جهة أخرى تقمع وتهمش كل رأي معارض لتوجهات “البوليساريو” داخل المخيمات، بل وتسوق لمعاناة ساكنة هي المسئولة قانونا عليها. بل وانتقل بها الأمر إلى حد حرق الصحراويين “عليين الإدريسي” و”ماحا حمدي سويلم” داخل حفرة كانا ينقبان فيها عن الذهب، من اجل الهروب من واقع الفقر والتهميش وتردي الوضعية الإنسانية التي يعيشون فيها.

   فالسلطة الجزائرية تتخذ من معانات ساكنة تندوف ذريعة لكسب التعاطف الدولي بشان أطروحتها الانفصالية، وتمرير أجنداتها في منطقة الصحراء المغربية، من حصول على منفذ أطلسي يسمح لها بتسويق حديد مناجم الجبيلات، وتطويق المغرب جغرافيا لضمان هيمنتها الاقتصادية والسياسية عليه..

  لذا يتضح جليا بان الجزائر هي الطرف الرئيسي والأساسي في النزاع المفتعل حول منطقة الصحراء المغربية، وذلك بسبب تدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية للمغرب، ودفعها لجماعة “البوليساريو” لارتكاب أعمال استفزازية للسيادة المغربية في الصحراء، ورغبت السلطة الجزائرية في اقتطاع جزء لا يتجزأ من تراب المغرب الإقليمي بغية تحقيق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وما يؤكد ذلك هو تسليم الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة للمبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة الأسبق جيمس بيكر مقترح بشان تقسيم إقليم الصحراء ما بين المغرب و”البوليساريو” سنة2002 .

باحث في سلك الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية

Share
  • Link copied
المقال التالي