احتمال عدم حصول حكومة الفخفاخ في تونس على موافقة البرلمان يؤكد ثابتا أساسيا في حكومات بعد الربيع العربي: غياب التوافقات السياسية. لعل كل الأزمات السياسية والحروب الأهلية في العالم العربي مردها إلى سيطرة نزعة الإقصاء في الكثير من المكونات السياسية التي تسعى إلى بسط هيمنتها على المشهد السياسي، سواء أكانت أكثرية أو أقلية.
وهكذا تعاني الدول التي شهدت موجات الربيع العربي من استقطابات طائفية وقبلية وسياسية وإيديولوجية حادة. هذا المأزق السياسي لا يعيق فقط عملية الانتقال الديموقراطي، بل ويفتح أيضا المجال أوسع للتدخلات الخارجية لإجهاض هذه التجارب الفتية.
إن عملية بناء الدول ما بعد الثورات لا يمكن أن تنجح دون ترسيخ ثقافة الاعتراف بالآخر، والسعي للاستيعاب بدل الإقصاء. حالات سوريا والعراق واليمن ومصر وتونس وغيرها شاهدة على غياب ثقافة الاعتراف بالآخر والتعايش معه، وهذا ما يكلف الشعوب خسائر باهظة في النفوس والأموال والمستقبل، وتعيد هذه الدول القهقرى إلى عقود مضت.
إن التحدي الأكبر أمام شعوب هذه الدول هو بناء عقد اجتماعي يستظل بظلاله الجميع دون إقصاء أو تهميش. إن تحصين الجبهة الداخلية هي الضمانة الأساسية لنجاح أي مرحلة انتقالية أو مشروع تقدم. كما أن الديموقراطية الحقة بالإضافة إلى كونها وسيلة ليحكم الشعب نفسه بنفسه ويقرر مصيره، فإنها هي أيضا أداة للاحتواء والإدماج.
إن حل البرلمان وإعادة تنظيم الانتخابات التشريعية قد لا يحلان الأزمة السياسية. فتونس كغيرها من دول ما بعد الربيع العربي تعيش انقساما سياسيا كبيرا، وفسيفساء حزبيا يصعب التحكم فيه. فبالإضافة إلي الكلفة المالية والاقتصادية لهذه الأزمة، فإنها ستوسع أيضا الشرخ السياسي القائم.
ما يحدث في تونس لا يختلف كثيرا عن أساليب الأنظمة ما قبل الربيع العربي. الاختلاف يكمن فقط في القوالب والشكل، أما الجوهر فتكاد تتشابه في السعي للانفراد بالسلطة وإقصاء الآخر. ولعل أحسن ما يحسب للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي حفاظه على وحدة الدولة وتجنبيها الأزمات السياسية الخانقة. تونس ما بعد الثورة تحتاج إلى شعارات بناء الدولة وإشراك الجميع في رسم المستقبل، وليس اجترار شعارات انتفاضات الربيع العربي ذاتها التي مضى عليها عقد من الزمان تقريبا.
*أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس
كل الحق معك..
الرغبة في الاحتكار اخترقت مرحلة ما قبل “الربيع العربي” لتستمر مع مرحلة ما بعد..
لا ٩ل إلا اعتماد مبدأ التوافق والتراضي..