شكلت منطقة فكيك أول أرض مغربية بسط الاحتلال الفرنسي سلطته عليها وذلك قبل وجدة والدار البيضاء . الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن الأسباب التي كانت وراء إسراع فرنسا لاستعمار هذه المنطقة والدوافع التي كانت من وراء مساهمة سكان هذه المنطقة في الحركة الوطنية والمقاومة المسلحة التي انتشرت في مختلف مناطق المغرب والتي انتهت باستقلاله من ربقة الاستعمار الأجنبي، فبعد احتلال فرنسا للجزائر في سنة 1832 ومنطقة فجيج وذلك لعدة عوامل استراتيجية وتجارية وسياسية:
الموقع الاستراتيجي لمنطقة فجيج
شكلت واحة فجيج بموقعها الجغرافي(1) موضع نزاع سياسي عبر تاريخ الدولة بالمغرب. فقد كانت فجيج محور المواجهات التي قامت بين الأتراك العثمانيين في الجزائر والحكم السعدي بالمغرب والذي دام لسنين طويلة. فنظرا لأهمية هذه الواحة من الناحية الإستراتيجية ستظهر بوادر نزاع جديد من خلال الصراع العلوي التركي، حيث عمل المولى إسماعيل على تركيز نفوذ الدولة بهذه المنطقة الحدودية ، وأنشأ بها أجهزة تنفيذية وبنى بها “دار الإمارة” واتخذها عاصمة لولاته للإشراف على تلك النواحي. (2) وبالتالي ، فعندما استولت فرنسا على الجزائر سنة 1830، شهدت المنطقة تحولات عميقة، بسبب الحملات العسكرية الفرنسية التوسعية، والضغوطات السياسية، التي أعقبت هزيمة إسلي في سنة 1844 . فقد نصت معاهدة مغنية المبرمة في مارس 1845 على شروط سياسية وترابية مجحفة 1845أثرت بشكل كبير على الوضع الترابي لمنطقة فجيج الحدودية، حيث تم تقسيم هذه المنطقة الحدودية إلى عدة مناطق سيتضح من خلالها النوايا الحقيقية لفرنسا يمكن استخلاصها من التقسيم الآتي :الحدود الثابتة بالشمال، وهي حدود جغرافية طبيعية وحدود متموجة في الوسط، اعتمد فيها على تعيين القبائل دون تحديد دقيق لموقعها الجغرافي بدون تحديد، وتعمدت فرنسا هذا الغموض حتى يمكنها تأويل الفصول حسب رغبتها ، لأن كانت لها نوايا توسعية، وهو ما أكدته أحداث 1903 حيث تعرضت الواحة للقصف ثم الاستيلاء، ودخلت فجيج مرحلة جديدة، ستؤرخ لبداية مرحلة الأفول، حيث سيتراجع اقتصادها، ويتقلص نفوذها.
الأهمية الاقتصادية لمنطقة فجيج
كان للواحات الفجيجية منذ الحكم السعدي دور متميز بفضل منتوجاتها الزراعية والحيوانية والحرفية ، وبما كانت توفره من بضائع وسلع متنوعة كانت ترد عليها من مختلف الجهات بفضل الحركة التجارية النشيطة مع واحات تافيلالت، وتوات وبلاد السودان، ووجدة وتلمسان والمشرق العربي، مما جعل الرحالة والجغرافيين يخلعون عليها أوصافا كلها إعجاب تدل على الحيوية والنشاط، حيث كانت : ” بلادا عامرة ، وسوقا نافقة” . وهكذا اشتهرت فكيك كمركز تجاري كبير يربط الشمال بالجنوب حيث كانت القوافل تصل الى السودان وخاصة تمبكتو، تلك المدينة التي وصل اليها علماء فجيج ونشروا فيها الإسلام، كما كانت تربط الشرق بالغرب وكانت من بين الطرق التي يمر بها الحجاج .كما كانت مركزا علميا وفيها مكتبة كبيرة جدا المعروفة بمكتبة سيدي عبد الجبار. ولعل مقولة “فوق فكيك” أتت من كونها كانت معروفة بجودة منتجاتها ونزاهة سكانها وكان التجار في أماكن أخرى خاصة في شمال المغرب (الذي انطلقت منه هذه القولة) عندما يريدون مدح بضاعتهم بأنها ممتازة وذات جودة عالية يقولون للزبون هذه البضاعة لن تجدها حتى في فكيك فهي فوق فكيك (3) وبالتالي فبعدما بسطت فرنسا سيطرتها على الجزائر ، بدأت تفكر في طريق تصل به الى بلاد السودان التي كانت فيه بعض مستعمراتها فلم تجد بعد اكتشافهم للمنطقة الا الطريق عبر فكيك المعروف آنذاك .فبدأت تفكر في احتلال فجيج، ولكن المشكل أن فجيج كانت مذكورة في اتفاقية للامغنية أنها تابعة للمغرب، وكان الصراع بين الدول الأوروبية حول من سيحتل المغرب دافعا للحكومة بفرنسا لتحذير جنودها ألا يقتربوا أو يحتلوا فجيج لأن ذلك سيخلق مشكل ديبلوماسي وصراع مع بريطانيا واسبانيا والمانيا والتي كانت تتصارع حول احتلال المغرب وفرنسا . لهذا اتجه المستعمرون الفرنسيون الى طريقة أخرى وهي احتلال محيط فكيك الشاسع الغير المنصوص عليه في المعاهدة واحتلال الطرق التي كانت تؤدي اليها مما أثر على الحركة التجارية وأفقد فكيك مكانتها الاقتصادية.
الأهمية السياسية لمنطقة فجيج
على الرغم من من أن القبائل بجنوب شرق المغرب كانوا لا يتحملون تواجد الفرنسيين بالجزائر وبعض الحملات العسكرية التي كان يقوم بها الفرنسيون بهاته المناطق للرد على بعض الهجمات التي كانت تقوم بها بعض القبائل الساكنة لهذه المناطق فقد عرفت المنطقة هدوءا نسبيا إلى حدود سنة 1876. حيث ساهمت متغيرات سياسة في تغيير هذا الوضع كان أهمها:
–إقامة السلطات الفرنسية لسكة حديدية تربط بين الجزائر والسودان الغربي حيث قام شارل دوفريسيسنيه سنة 1879 بإرسال ثلاث بعثات إلى الصحراء لمعرفة الطرق الممكنة لبناء السكك الحديدية إلا أنهم لم يكملوا الحملة بعد وصولهم إلى جبال القصور تخوفا من معارضة القبائل المغربية بالمنطقة. لذا أمر العقيد فلاتير بقيادة حملة إلى الطريق نحو السودان إلا أنه قتل هو وبعثته من طرف الطوارق، قرب عين صالح في الصحراء الوسطى في فبراير 1881. مما أقنع الحكومة الفرنسية بضرورة احتلال الصحراء بما فيها واحة فكيك قبل بناء السكةالحديدية الصحراوية “فمع ظهور المقاومة الشرسة للاحتلال الفرنسي سنة 1881 بقيادة الشيخ بوعمامة، ابن مدينة فكيك، أيقنت فرنسا أن استتباب أمنها في “الجزائر الفرنسية” مرتبط بالسيطرة على فكيك، وهو ما عبر عنه الجنرال الليوطي الذي كان حاكما عسكريا في منطقة عين الصفراء بالجارة الشرقية، قبل أن يصبح مقيما عاما بالمغرب، حيث قال كلمته الشهيرة “إذا أردنا السلام في الصحراء، فعلينا تدمير فكيك”.
– اندلاع حركة بوعمامة في الوسط الوهراني بداية من سنة1881 والذي كان قاطنا بفكيك، والتي لم تتمكن فرنسا في بادئ الأمر من صده هو ورجاله. إلا أنه بعد توغله في الأراضي الجزائرية تمكنت فرنسا من هزيمتهم وطردهم إلى جبال الأطلس والأراضي المغربية، إلا أن بوعمامة بقي في منطقة فجيج مع مجموعة من مرافقيه وهذا ما أدى بفرنسا لبناء حصن سنة 1881 في عين الصفراء قريبا من السفوح الشمالية لجبال القصور. وبعد ذلك طاردت القوات الفرنسية بو عمامة إلى الجنوب بعيدا حتى وادي زوزفانة، وأقامت فرنسا حصنا اخر في جفين بورزك في الجهة الجنوبية من الجبال، في موقع لا يبعد إلا مسيرة يوم واحد عن فجيج .وهذا ما أدى إلى المواجهة بينهم وبين أهالي المنطقة فيما بعد (4). وكانت ثورة بوعمامة ومكوثه مدة طويلة بفجيج من المسائل التي ستأخذ منها فرنسا مشروعيتها للتوغل بالأراضي المغربية بمبرر القضاء والقبض على القبائل الثائرة المختبئة بالأراضي المغربية. ومن هنا بدأ الجيش الفرنسي في المنطقة بالضغط على الحكومة الفرنسية لكي يخضع منطقة فجيج متحججا بإغارة بعض قبائل المنطقة على مواردهم.إلا أن الحكومة الفرنسية بقيت متشبثة بضرورة احترام بنود معاهدة 1845 خاصة وأن بريطانيا والدول الأوربية الأخرى كانت تراقب كل تحركاتها بهذه لمنطقة مما أبقى الأمور على حالها إلى حدود إصدار بروتوكول1901.
معارضة بروتوكول 1901
حمت معاهدة 1845 منطقة فجيج من السقوط المباشر تحت الاحتلال الفرنسي رغم التواجد العسكري الفرنسي بحصنين بمحيط هذه الواحة . وقد مكن ذلك الأهالي من القيام بمقاومة وجهاد محدودين ضد الفرنسيين دون تدخل كبير للجيش الفرنسي بالمنطقة وأهاليها. حيث كان المخزن يلعب دورا مزدوجا في هذا الصدد من خلال تستره من جهة على القبائل المقاومة والتعاون من جهة ثانية مع فرنسا لضمان أمان نسبي لبعض القبائل دون أن يغضب الحكومة الفرنسية حتى لا تهاجمه. لكن إبرام بروتوكول 1901 غير هذه الوضعية من خلال إلزام المخزن التعاون مع الحكومة الفرنسية والمساعدة المتبادلة في الحفاظ على الأمن وتطور التجارة على طول الحدود غير المعينة وبهذا الصدد كتب فوجاس ما يلي:
“يتضح من هذا أن فجيج كانت لها مكانة خاصة في توجيه التصرفات الاستعمارية الفرنسية بحكم تثبيتها مع ييش ضمن التراب المغربي في معاهدة للا مغنية. وقد لعب هذا الوضع دورا رئيسا في تخطيط مسار السكة الحديدية عبر الصحراء عندما تشكلت لجنة لذلك عام 1880 إذ تم التفكير في طلب ترخيص من سلطان المغرب قبل أن يتم تجاوز الفكرة باحترام دوائر النفوذ المغربي والالتفاف عليها تجنبا لمتاعب محتملة، وهكذا يصف فوجاس مسار السكة بأنه “أعرج” بسبب هذا الاحترام لمناطق النفوذ المغربي. لكن في الحقيقة ينتهي هذا الاحترام جنوبا في فجيج المنصوص عليها في المعاهدة . إن نظرةً بمقياس كبير إلى الواقع لتُظهر أن الالتفاف لم يكن في الحقيقة إلا بالنسبة لقصور واحة فجيج التي فصلتها السكة المشؤومة عن العديد من الأراضي التي هي في ملكية أهلها الذين كانوا يستغلونها بانتظام. فالممتلكات من الأراضي التي توارثها أهل فجيج أبا عن جد تمتد إلى ما يحاذي تلك الرمال الصحراوية، التي تحدث عنها لاموريسيير أعلاه، عبر السهل الفيضي لوادي زوزفانة الذي اعتاد أهل فجيج استغلال معادره بورا ومصاطبه سقيا وستكون هذه السكة بمثابة “مسمار جحا” الذي لم يتخلّ عنه لا الاستعمار ولا وارثوه. وهكذا يأتي بروتوكول 1901 الموقع بين المغرب وفرنسا والذي هو تتميم تطبيقي وتنفيذي لمعاهدة 1845 لينص في مادته الثالثة على أن أهالي قصور فجيج وقبيلة لعمور الصحراء يستمرون في استغلال مغروساتهم وحقولهم ومراعيهم وغيرها كما في السابق وإذا كانوا يملكون منها وراء السكة الحديدية من جهة الشرق يمكنهم استعمالها كليا كما في السابق من غير أن تُخلق لهم عرقلة أو منع، بينما ينص الفصل السادس على حرية التصرف في الممتلكات والمغروسات والمياه والحقول وغيرها التي قد يملكها مواطنو أحد البلدين في تراب البلد الآخر. أما الفصلان الثاني والرابع من هذا الاتفاق فينصان على إمكانية إقامة مراكز للمراقبة والجمارك . في أطراف أراضي القبائل المنتمية للمغرب من ثنية الساسي إلى أراضي فجيج مرورا بيّيش.
ويعين الفصل التاسع فجيج مقرا لاستقبال المفوض الجزائري مقابل مقر مماثل في جنان الدار لاستقبال المفوض المغربي لشكاوى قبائل الجنوب بالنسبة للطرفين على على غرار مركزي وجدة ومغنية في الشمال . لقد كان من بين أهداف بروتوكول 1901 كما جاء على لسان موقّعه الفرنسي دلكاسي “تسوية مبادىء معاهدة مغنية بالنسبة لمنطقة فجيج ومعها المنطقة الواقعة بين وادي زوزفانة ووادي گير”. وهكذا كانت محاصرة فجيج التي يصفها فوجاس من جديد مأوى للصوص وقطاع الطرق بدل وصفها معقلا لمقاومي الاحتلال. فبعد استعمال التهديد والردع ميدانيا لاقتطاع منطقة توات بعد احتلالها استعملت كل أساليب المكر والخديعة في النصوص من قبيل اعتبارها “لا مالك لها” ليس ميدانيا وإنما مرجعيا بالعودة إلى معاهدة مغنية، وانتمائها بالتالي لأول محتل الذي هو فرنسا وليس المغرب الذي استمر نفوذه فيها حتى في ظل التغلغل الفرنسي. وللإجهاز على ما تبقى من هذا النفوذ نص الفصل الخامس من بروتوكول 1901 على وضع سكان كل المناطق غير المحددة في معاهدة مغنية أمام اختيارين : إما الانتماء للسلطة الفرنسية فيبقون في ديارهم وإما الانتماء للسلطة المغربية فينقلون إلى حيث ستثبتهم هذه السلطة المغربية مع إمكانية احتفاظهم بممتلكاتهم وتدبيرها بواسطة وكلاء أو بيعها لمن يريدون و يمكن لسكان قصور هذه المناطق أن يختاروا إدارتهم وفي كل الحالات يستطيعون الإقامة في أراضيهم. فكلا الاختيارين لا يغير من الأمر الواقع شيئا بالنسبة لضم كل هذه الأراضي المغربية الإفريقية للامبراطورية الفرنسية الأوربية. وهكذا يعتبر فوجاس هذا الإجراء بمثابة اعتراف مغربي رسمي بحقوق فرنسا في توات.
ونظرا لذلك، فقد دفع بالعديد من سكان القصور إلى معارضة بنود هذا البروتوكول خاصة قبائل زناكة التي كانت من أشد المعارضين لهذا البروتوكول، خاصة بعد بناء فرنسا لمركز عسكري في بني ونيف جنوب الواحة مباشرة وكذا مد السكك الحديدية مما أضر ببساتين النخيل التي يملكها أهل زناكة بالمنطقة . فكان رد الفعل يتمثل في تصاعد هجوم قبيلة زناكة على القوافل الفرنسية و كذا الموظفين الرسميين خلال 1902 وأوائل 1903. وهذا ما أدى بجونار ،الذي سيصبح حاكما عاما ربيع 1903 ، بالطلب من وزارة الخارجية الفرنسية بالسماح له للقيام بهجوم مضاد على ثلاث نقاط طول الحدود: قصف زناكة، وإرسال فرق استكشافية إلى بشار وإلى جبل بني سمير، وكانت الخارجية الفرنسية قد قبلت هذا الأمر دون قبولها احتلال الجيش لفجيج و لو بصورة مؤقتة. وفي 8 يونيو من نفس السنة قام الفرنسيون بنصب ربع مدافع على سفحين جبليين جنوب الواحة وقاموا بقصف قصر زناكة لخمس ساعات و لم تمس القصور الست الأخرى. وبهذا الصدد كتب فوجاس ما يلي ” حدثت أهم عملية نهب يوم 6 ماي 1903 حينما دخل 1500 مغربي، ومن بينهم 600 فارس، إلى “التراب الفرنسي” واستولوا على 600 ناقة محملة ببضائع الدولة بعد قتل أو جرح أربعين من أهالينا. وهكذا هيأت الحكومة الفرنسية خطة عمل قمعية تحت ضغط مجموعة الاستعماريين وأعطت أوامرها لقائد فرقة وهران الجنرال أُوكونور Général O’CONNOR بقصف فجيج بتوفر أبسط فرصة لن يتوانى هذا العسكري نفسُه في توفيرها عندما قام برفقة الحاكم العام جونار M. JONNART بزيارة استفزازية وصفها فوجاس بنزهة سلمية، إذ قاما يوم 31 ماي 1903 باختراق فج اليهودية في اتجاه فجيج، برفقة فرقة صغيرة فهاجمهم أهل زناگة فأصابوا بعضهم بجروح(6). ولم يورد فوجاس أي تفاصيل عن هذه “النزهة” العسكرية التي كانت مهمتها الحقيقية هي احتلال الفجاج التي تعتبر منافذ للواحة، كما أن مخطط قصف فجيج الذي كان جاهزا مسبقا لم يكن يتضمن قصر زناگة فقط، وإنما كان يشمل أيضا قصري الحمام والمعيز عند الاقتضاء. ويبدو من تحليل الوقائع أن أهل فجيج كانوا على علم بهذه “الزيارة” التي لم تفاجئهم أو كانوا يتوقعونها على الأقل، إذ استعدوا لها ميدانيا مختبئين مسلحين في الأماكن المناسبة. وهكذا أتاح القائد الفرنسي لنفسه فرصة للقصف الذي حدث يوم 8 يونيو 1903 حيث سقط وابل من الحديد على زناگة بإطلاق 587 قذيفة مدفعية اختزلت جزءً من القصر إلى غبار. وبعد يومين من هذا العدوان على فجيج والذي كان من بين أهدافه إرهاب سكان الواحة والمنطقة كلها بالقوة التي يمكن لفرنسا أن تستعملها ضد كل من يعترض سبيل طموحاتها الاستعمارية، يدخل جونار إلى فجيج ليخبر أهلها بقرار فرنسا “إحلال الهدوء بعنف (!) في هذه النواحي وأنها تعرف كيف تفعل ذلك” وأبرزَ مجموعة من المطالب تمت تلبيتها في حينها ومن بينها “إيداع عدد من الرهائن ضمانا لتنفيذ هذه المطالب، ودفع غرامة قدرها 60105 فرنك وحرية ولوج القصور والواحة للفرنسيين مع ضمان سلامتهم”.
وهذا ما أدى إلى استسلام أهالي فجيج واندثار سلطة المخزن المغربي بالمنطقة بعد أن أصبح الفرنسيون يتفاوضون مباشرة مع الأهالي، لتصبح المنطقة تابعة بشكل تام لفرنسا. وتكون فجيج أول أرض مغربية احتلتها فرنسا قبل وجدة والدار البيضاء للاستيلاء على المغرب.
هوامش
1-تنتمي فجيج إلى الواحات العريقة بشمال إفريقيا وتشكل نموذجا للمناطق التي تعتبر نقطة تماس بين عدة مجالات، امتزجت بها عناصر بشرية مختلفة وفدت عليها من مختلف الأصقاع مثل : زناتة وصنهاجة والأشراف الأدارسة والأفارقة والقبائل العربية واليهود… ، كانت تشمل عدة قصور وواحات، تمتد على مسافات كبيرة في مختلف الجهات تصل إلى إقليم توات جنوبا، ووادي كير غربا، وقصور تيوت، والصويصيفة شرقا، والنجود العليا شمالا.يمثل الموقع الجغرافي للواحات الفجيجية النهاية الشمالية الغربية لواحات الأغواط، وامتدادا طبيعيا لوادي السورة وواحات توات، وتيكورارين وتدكلت، وتافيلالت، مما جعلها مهيأة بشكل طبيعي لتقوم بدور رئيسي في تجارة القوافل العابرة للصحراء، خاصة وان المسلك المار بوادي زوزفانة ، والساورة وواحات توات، يعتبر من أكثر المسالك سهولة لاجتياز الحاجز الرملي الضخم الجيولوجي المسمى، بالعرق الكبير الغربي، كما أن الواحة حباها الله بالعديد من العيون المائية التي تمتد على طول الانكسار من تكرومت غربا إلى زريزريكة سيدي عبد القادر شرقا، فهو المحور الأساسي الذي قام عليه تاريخ الواحة ، بعد وادي زوزفانة، والعيون التي كانت متدفقة بالضواحي، ويعتبر المجتمع الفجيجي من بين المجتمعات الواحية التي تحكمت في توجيه تاريخه عناصر مادية أساسية، وهي الماء أولا، والأرض ثانيا، والموقع الجغرافي ثالثا، فاستوعب هذا المعطى الطبيعي وتأقلم معه المجال الواحي لفجيج: من الامتداد والانفتاح إلى العزلة والانكماش.
2-“عين السلطان إسماعيل ابنه مولاي علي للإشراف على شؤون المنطقة ، فاتخذ هذا الأمير فجيج مقرا لإقامته عام 1706”
أحمد مزيان المجتمع والسلطة المخزنية في الجنوب الشرقي خلال القرن التاسع عشر (1845-1912) منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الجزأ الأول -دار أبي رقراق2007- ص 230
3- عمر: في أصل مقولة “فوق فكيك”
منبر أنفاس الخميس 23 سبتمبر 2021
4-هو محمد بن العربي بن الشيخ بن الحرمة بن إبراهيم ؛الملقب بالشيخ بوعمامة.ولد سنة 1833م، بفكيك، وتوفي سنة 1908بالقرب من العيون الشرقية.وهو شخصية تاريخية،عسكرية وصوفية جزائرية.ينتمي إلى أولاد سيدي الشيخ ،وهو قائد إحدى الثورات الشعبية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي ،بالجنوب الغربي للبلاد؛ وقد استمرت مدة23سنة:من1881-تقوى أحيانا وتفتر أخرى- الى غاية 1904.”إلى حين حدوث أول مواجهة بين الشيخ والقوات الاستعمارية بمعركة صفيصفة في أبريل/نيسان 1881، حيث نجحت المقاومة في دحر العدو الفرنسي، والانتصار عليه. ولم يفقد بوعمامة خلال تلك المعركة سوى عدد قليل من المجاهدين، وزاد ذلك الانتصار في انضمام متطوعين جدد في حملته.وأمام خطورة الوضع سارعت السلطات الاستعمارية إلى إرسال قوات إضافية إلى المنطقة، من أجل قمع الثورة والقضاء عليها، وتمثل هذا المدد الذي في فرقتين من المتعاونين الجزائريين، وقافلة عسكرية من 2500 جندي فرنسي و600 جزائري. غير أن هذه القوات كلها فشلت في الانتصار على الشيخ في معركة ثانية قرب منطقة قصر الشلال، في مايو/أيار 1881.بعد هذين الانتصارين انسحب الشيخ بوعمامة تكتيكياً نحو مدينة البيض، حيث اعتمد على حرب العصابات ضد الاستعمار الفرنسي، ومهاجمة مصالحه الاقتصادية في المنطقة، والعمل على خلق جو من التهديد الدائم لإرباك صفوف العدو.وبين سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول عام 1881 تعرضت القوات الفرنسية بقيادة كل من الجنرال كولونيو والجنرال لويس إلى هجمات المجاهدين قرب منطقة العين الصفراء، قام على إثرها الجنرال لويس بتحطيم القصرين اللذين كان يمتلكهما الشيخ بوعمامة وهما قصر مغرار الفوقاني وقصر مغرار التحتاني، كما دمرت زاوية الشيخ بوعمامة أيضاً.وفي سنة 1882، لاحقت قوات الاحتلال الشيخ بوعمامة في الأراضي المغربية لكنه رد عليها بهجوم عنيف في منطقة شط تيغري كبد العدو خسائر فادحة في الأرواح وأجبره على الانسحاب. وعاد المجاهد المغربي إلى الاستقرار مرة أخرى في فكيك، من أجل تنظيم خطوطه، ومنها قاد حملاته لإرباك خطوط الاستعمار.ولم تنجح السلطات الفرنسية في كسر شوكة الشيخ بوعمامة، هكذا عملت على استمالته، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل. لتنتهي بمنحه الأمان دون قيد أو شرط، سنة 1899، بنية أن تسلم من مقاومته.ومن فكيك في الجنوب، عاد الشيخ بوعمامة ليستقر في مدينة وجدة أقصى الشرق المغربي، حيث أعاد تأسيس الزاوية الشيخية بها، وعاش آخر أيامه قائماً على تلك الزاوية. وتوفي سنة 1908بمدينة العيون الشرقية المغربية، وما زال إلى اليوم قبره مزاراً لأهالي المنطقة من أجل التبرك به روس ادان, المجتمع والمقاومة في الجنوب الشرقي المغربي : المواجهة المغربية للأمبريالية الفرنسية.
6- المتهمون هم محمد بن العربي بن البشير بن بوراس، وبناصر بن عبد المالك بن بزة، ملال بن سهول بن مرزوق، احمد بن عبد الرحمن بن عبد الحق، الحاج هكو بن العرابي، أحمد بن عبد السلام بن لالي
صور من مساهمات منطقة فجيج في مقاومة الاستعمار
موقع الوجدية يوم 14 – 09 – 2012
7ـ وكذا مؤلف لحرّادجـي: قراءة لموقع فجيج في أطروحة موريس فوجاس عن الحدود المغربية “الجزائرية”
تعليقات الزوار ( 0 )