عرف المشهد الإعلامي بالمغرب خلال العقود الثلاثة الأخيرة تطورا لافتا ليس فقط على الصعيد التقني بل أيضا على مستوى تقديم الأحداث السياسية من خلال استضافة أكاديميين ومحللين للتعليق على مجريات الأحداث الدولية والوطنية ومحاولة تقريب المشاهد من سياقات هذه الأحداث ومحاولة فهم تطوراتها .فخلال سنوات الستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، درجت القناة الوطنية الوحيدة آنذاك بالمغرب على عرض نشرات أخبارها بالاقتصار على مقدم أو مقدمة الأخبار الرئيسية الذي كان يسرد الاحداث السياسية بشكل متواتر بدون أي تحليل أو تعليق . حيث كانت بديعة ريان أو لطيفة القاضي أو الطيب الادريسي أومحمد بناني أوالطاهر بلعربي ، وفيما بعد المذيع مصطفى العلوي يتناوبون على نقل الاخباروعرضها مصورة دون أن تترك للمشاهد فرصة فهم سياقاتها أو العوامل المواكبة لها . وعلى الرغم من محاولة بعض مقدمي نشرات الاخبار إعداد برامج تحليلية كبرنامج (ربع ساعة للإقناع) ، فقد بقيت القناة الأولى ( رغم شعارالتلفزة تتحرك) مقتصرة على تقديم الاخبار إلى أن تم إطلاق القناة الثانية التي تميزت باستضافة أكاديميين من أساتذة وباحثين ومختصين لتحليل جل الأحداث الدولية بالإضافة إلى برامج حوارية كانت في نفس السياق ، لتحدو قناة ميدي 1 تيفي وكذا القناة الأولى نفس الخطى ، حيث تعود المشاهد على الاستماع لتحليلات بعض هؤلاء المحللين في جوابهم على أسئلة مقدمي ومقدمات نشرات الاخبار. وبالتالي ، فقد أصبحت بعض الوجوه الاكاديمية والفكرية والصحفية مألوفة لدى المشاهد المغربي الذي أصبح يتابع تحليلاتها وتعاليقها على مجريات الاحداث الدولية والوطنية مما خلق زخما إعلاميا لافتا انضاف إليه الزخم الذي خلقته بعض المواقع الالكترونية التي أصبحت تتنافس في استضافة العديد من أساتذة الجامعات المغربية أو بعض الصحفيين والمختصين بتسميات مختلفة (خبير ، مختص ، محلل ، …). لكن بخلاف القنوات الأجنبية خاصة الخليجية ، فعادة ما يتم استضافة هؤلاء المحللين بدون أي تعويض مادي.
فعلى الرغم من تجشم هؤلاء المحللين أو ما يسمى بالخبراء عناء التنقل ، وجهد البحث في الالمام و تحليل مجريات الاحداث ، والخضوع لأصباغ وضغط الظهور أمام الكاميرا ، إلا أنه في غالب الأحيان لا يتقاضى أي تعويض ولو رمزي عن عمله التحليلي ، حيث يعتبر ذلك في إطار التطوع بشكل يذكر بما تقوم به بعض صحف الأحزاب أو بعض جمعيات المجتمع المدني من استضافة مثقفين ومفكرين وأكاديميين لتنشيط تظاهراتها وأنشطتها دون أن تقدم أي مقابل مادي أو رمزي لهذه الفئة التي يغلب عليها خجل الطلب والترفع للمطالبة أو السؤال عن حقها في التعويض على الرغم من أن العمل الذي تقوم به يعتبر جهدا فكريا وبدنيا ينبغي التعويض عليه ، حيث لا معنى من أن يتقاضى التقني و الصحفي وكل طاقم التصوير سواء كان نشرة أخبار أو برنامجا تحليليا أو حوارا مطولا مقابلا ماديا في الوقت الذي يتم فيه هضم حق أصحاب المادة الرمادية واللب الفكري لهذه البرامج والنشرات ، ويتم تشييعهم بكلمات مجاملة وتقدير عادة ما لا تتم ترجمتها ماليا أو ماديا . الشيء الذي يعكس درجة التبخيس التي يعاني منها محللوا القنوات والمواقع والحرج الذي قد يشعر به حتى صحفيو هذه البرامج الذين يستضيفون هؤلاء المحللين . من هنا ضرورة أن يشعر مسيروا هذه القنوات والمواقع بضرورة تخصيص رصيد مالي لتغطية أنشطة هؤلاء المحللين ، وتحديد تعويضات لهم بحسب طبيعة ومدة كل نوع من هذه الأنشطة كما يتم ذلك بالنسبة لبعض من يتم التعاقد معهم من محللين بالقنوات الوطنية . كما أنه قد آن الأوان لبعض القنوات الخاصة ، أو المواقع التي لها ميزانيتها الممولة عادة من الإعلانات الاشهارية ودعم الدولة من تعويض من تستضيفهم من محللين الذين يضفون زخما خاصا على مواد البرامج التي يقدمونها خاصة تلك المتعلقة بالمستجدات والاحداث الدولية والوطنية لان في ذلك أولا احتراما لهؤلاء المحللين ورفعا لرمزيتهم الأدبية والفكرية.
فالتعويض المالي حتى ولو كان بسيطا قد يحسس هؤلاء بقيمتهم ببلادهم ويجعلهم لا يشعرون بالفرق في تعامل القنوات والمواقع الأجنبية معهم وقنوات المملكة ومواقعها التي عادة ما لا تولي هذا الجانب أي اعتبار . مما قد يقلص من درجة التبخيس التي ما زال يلاحق إبداع المثقف وإنتاجه سواء في نشر أعماله عن طريق دور النشر التي لا تتفضل عليه إلا بنسبة ضئيلة من مبيعات كتبه التي لا تتجاوز 10 % في الوقت الذي أصبح يتقاضى فيه لاعب كرة مبتدئ مبالغ مالية محترمة في تكسير عبثي لمقولة المغاربة المأثورة (الى ما جات بالقلم تجي بالقدم) حيث أصبح القدم يساوي الملايين بينما القلم قد لا يساوي حتى الملاليم في لغة أشقائنا المصريين.
تعليقات الزوار ( 0 )