ما هي السرقة العلمية؟ إنها تعني تَعَمُّدَ شخصٍ استعمال أفكار شخص آخر والادعاء بأنها ملك له، أو تقديم إنتاجات شخص آخر أو أفكاره كما لو أنها خاصة به؛ وذلك عن طريق تضمينها عمله، دون اعتراف كامل منه، ويدخل تحت هذا التعريف جميع المواد المنشورة وغير المنشورة، سواء كانت مخطوطة أو مطبوعة أو إلكترونية ( للمزيد يراجع مقال الباحث فؤاد بن أحمد في موقع بناصا عن ظاهرة السرقة العلمية).
1ـ مجلة عالم الفكر متورطة
في سنة 2014 أرسلت مقالا مشتركا مع الزميل خالد اليعقوبي لمجلة عالم الفكر، وهي مجلة دورية محكمة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، وتلقينا آنذاك جوابا من المجلة بالإيجاب لنشر المقال الموسوم بالتاريخ من أسفل: إرهاصات تاريخ المهمشين، مع إقرار وقعناه، لكن المجلة لم تنشر المقال واعتذرت لاحقا. وبعد مرور أزيد من 5 سنوات، فوجئنا بمقال في العدد الأخير (178 يونيو 2019) من مجلة عالم الفكر، بعنوان تحقيب الأزمنة وحوليات التاريخ ومفاهيم التاريخ الجديد، موقع باسم كاتبه المدعو سيار الجميل، ومقاله يتضمن سرقات وانتحالات طويلة جزئية من المقال الذي بعثناه للمجلة (السرقات العلمية تبدأ من ص286 إلى ص290+ ص303 وص304، حيث تناول تحت عناوين فرعية مواضيع التاريخ من أسفل والميكروتاريخ وتاريخ الحياة اليومية). فكيف حدثت السرقة العلمية وما دور مجلة الفكر فيها.
تثبت الوقائع أن مجلة الحكم أرسلت مقالنا للتحكيم، والذي قام بالتحكيم احتفظ بالمقال ليستثمره لاحقا في مقاله الذي نشره في نفس المجلة (عالم الفكر)، والدليل هو أن صاحب المقال لم يحل على كتاب التاريخ من أسفل إلا مرة واحدة وأحال للصفحة الخطأ. كان هدفه أن يظهر اطلاعه على الكتاب بينما هو لا يتوفر عليه أصلا، والانتحالات تمت من المقال الذي تعتبر مجلة الفكر أمينة عليه، وقد كان بحوزته.
تتحمل المجلة جزءا كبيرا من المسؤولية بالإضافة إلى كاتب المقال سيار الجميل. ولا يليق بمجلة فكرية محكمة تهتم بنشر الدراسات والبحوث المتسمة بالأمانة النظرية والإسهام النقدي في مجالات الفكر المختلفة أن لا تعتذر عن الخطأ الذي وقع، ولنفترض جدلا أن السرقة تمت من كتاب التاريخ من أسفل، والذي صدر سنة 2016، حيث يحتوي مضامين المقال الذي بعثناه، فكان على لجنة القراءة والمجلة باعتبارها محكمة التنبه للأمر ما دام أن المقال في حوزتهم، وسبق وأن أرسلناه إليهم. ونود التنبيه أننا راسلنا مجلة عالم الفكر مرتين، في شخص مديرة التحرير ذ: أقدار علي الخضر، وذلك بتاريخ 23 أبريل 2019م بشأن هذه السرقة العلمية، لكننا للأسف لم نتلق من المجلة أي رد توضيحي بشأن الاستفسار المرفوق بالأدلة لا من المجلة ولا من مديرة تحريرها، إذ اختارت عالم الفكر لغة الصمت، وهو أمر غير مفهوم، ويسيء للمجلة وتاريخها، بل ويطرح تساؤلات كبرى وعلامات استفهام بشأن مصداقية هذه المجلة فيما يخص الأصول المتعارف عليها في مجال البحث العلمي وقواعده، حيث من المفترض أن ترد المجلة على الاتهامات الموجهة إليها، وأن تلتزم بتقديم اعتذار مكتوب في العدد القادم، وهو أمر لم يحصل. ومن المعلوم أن الدوريات العلمية المحكمة التي تحترم قواعد النشر وأخلاقيات العلم تتعامل مع هذه الوقائع المخجلة بمسؤولية وتقدم اعتذارا مكتوبا، كما عليها التوقف كليا من التعامل مستقبلا مع الكاتب الذي اقترف الانتحال عن سبق وترصد، خاصة إن تعلق الأمر بخيانة مسؤولية التحكيم، لأن ما قام به أمر غير مقبول في الوسط الأكاديمي، ولا يمكن التسامح معه.
2ـ أدلة انتحال سيار الجميل من مقالنا والكتاب المطبوع
يعود المقال المتضمن للانتحالات والسرقات للأستاذ الجامعي الدكتور سيار الجميل، ففي مجلة عالم الفكر (عدد يونيو، 178 سنة 2019) صدر له مقال بعنوان تحقيب الأزمنة وحوليات التاريخ ومفاهيم التاريخ الجديد. والانتحال لم يشمل المتن فقط وإنما الهوامش أيضا وحرفيا (بالفاصلة والنقطة)، وسنكتفي هنا بالانتحالات التي تضمنها متن مقاله، حيث يمكن المقارنة أسفله بين ما ورد في كتاب التاريخ (نشر 2016) ومقال سيار الجمل (نشر 2019).
في ص 67_68 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “استعملت عبارة الميكروسطوريا microstoria أول مرة في ايطاليا، واستعملت نفس المفردة في اللغة الفرنسية، وحين تُرجمت من الفرنسية إلى اللغة العربية استعملت المفردتان التاريخ المصغر والتاريخ المجهري في الغالب، وهي ترجمات أقرب إلى الدقة، غير أنه استعملت أحيانا عبارات من قبيل: التاريخ الجزئي الإفرادي، وهي ترجمة غامضة وغير دقيقة للكلمة”……..بفضل مجلة كراسات تاريخية Quaderni Storici، التي صدرت أواسط السبعينيات، وأيضا بفضل إنشاء سلسلة ميكروسطوريا، والتي نشرت ابتداء منذ سنة 1981 العديد من الأعمال التي مثلت دعما قويا لهذا المشروع الجماعي الطموح” وفي مقال سيار الجميل (ً 286-287) نقرأ:”لقد استعمل مصطلح الميكروسطوريا microstoria لأول مرة في ايطاليا، واستخدم أيضا باللغة الفرنسية، وحين تُرجم إلى اللغة العربية لم نجد مصطلحا يقابله. وعليه، فقد استخدمت كلمتا االتاريخ المصغر والتاريخ المجهري، ويعتبر كل من الاثنين هما الأقرب إلى الدقة، وقد استخدمت في بعض الأحيان عبارات من قبيل: التاريخ الجزئي الإفرادي، ولكنها ترجمة فضفاضة لا دقة فيها……….. بفضل مجلة كراسات تاريخية Quaderni Storici، التي بدأ صدورها أواسط السبعينيات، وأيضا إثر تأسيس سلسلة ميكروسطوريا، والتي بدأت تنشر أعمالها اللامعة ابتداء منذ سنة 1981 …المشروع الجمعي المستقبلي الذي تميز بطموحاته العلمية”.
- في ص 69 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: ” فإن الميكروسطوريا تلتزم بدراسة حالة وصورة مصغرة من المجتمع”، وفي مقال سيار الجميل (287ص) نقرأ: “إن من أولويات الميكروسطوريا (أو المايكروتاريخية) تلتزم بدراسة حالة وصورة مصغرة من المجتمع.
- في ص 69 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح: “إن من أهم ما يميز التاريخ المجهري تخفيض مقياس المراقبة، وهو مفهوم استخدم منذ البداية بايطاليا لصالح الحوار الذي فُتِحَ بين مقاربات الماكروتاريخ، ومقاربات الميكروتاريخ، انطلاقا من سنوات 1980، ومن أهم أنصار رواده: البان بنسا، وسيمونا شيروتي، وجيوفاني ليفي، وسابينا لوريغا، وادواردو غراندي، وماوريشتيو غريباودي، وكارلو جينزبورغ. بالإضافة إلى المؤرخين الفرنسيين: برنار لوبوتي، وجاك روفيل، واللذان ساندا بقوة تخفيض المقياس في التاريخ،للمزيد راجع:” ، وفي مقال سيار الجميل ص304 نقرأ: “إن من أهم ما يميز التاريخ المجهري تخفيض مقياس المراقبة، وهو مفهوم استخدم منذ البداية بايطاليا لصالح الحوار الذي فُتِحَ بين مقاربات الماكروتاريخ، ومقاربات الميكروتاريخ، انطلاقا من سنوات 1980، ومن أهم أنصار رواده: البان بنسا، وسيمونا شيروتي، وجيوفاني ليفي، وسابينا لوريغا، وادواردو غراندي، وماوريشتيو غريباودي، وكارلو جينزبورغ. بالإضافة إلى المؤرخين الفرنسيين: برنار لوبوتي، وجاك روفيل، واللذان ساندا بقوة تخفيض المقياس في التاريخ،للمزيد راجع””.
- في ص 69 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “إنها ممارسة تقوم أساسا على تخفيض مقياس الملاحظة”، وفي مقال سيار الجميل ص304 نقرأ: “إنها ممارسة تقوم أساسا على تخفيض مقياس الملاحظة”.
- في ص 69 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي ص70 نقرأ: “وهو من المفاهيم الأساسية لديه، وقد استخدمه في دراسته لفهم بعض الأحداث والطقوس ، كما استعان به لفك بعض شيفرات العادات، وإعادة تركيب المعاني، وقد وظف هذا الوصف المكثف”، وفي مقال سيار الجميل ص288 نقرأ : “ويعتبر مفهومه من المفاهيم الأساسية إذ وظفه في دراسته لفهم بعض التقاليد والطقوس ، كما راح يستعين به من أجل فك بعض شيفرات العادات والرموز والإشارات المعاني، وقد وظف هذا الوصف المكثف”.
- في ص 70 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: ” فانطلاقا من استثمار مواضيع صغيرة الحجم، يمكننا حسب الميكروتاريخ، استخلاص نتائج عامة ذات طبيعة ماكرو انتربولوجية”. وفي مقال سيار الجميل ص288 نقرأ: ” فإن توظيف موضوعات جزئية الحجم ستستثمر، وفق المنهجيةالميكروتاريخية، استخلاص نتائج عامة واستنتاجات للمؤرخ لها طبيعة ماكرو انتربولوجية”.
- في ص 71 و72من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “المركز الأولي الذي تحتله في مجال الاثنو-تاريخ، الأمريكية ناتالي زيمون دافيس، والايطالي كارلو غينزبورغ، والمدرسة التاريخية البولونية اللامعة، التي أنجبت واحدا من ألمع المؤرخين المجددين لتاريخ الهامشيين، وهو برونيسلاف غيريميك في حين اعتبر آخرون ومنهم جاك روفيل، وبول ريكور، أن خيار الميكروتاريخ هو اختيار معاكس ضمنيا لكتابة التاريخ السائدة عند مدرسة الحوليات….. لقد استطاع الميكروتاريخ فرض نفسه كتيار رئيسي في الكتابات التاريخية الفرنسية منذ 1980؛ … لم يستطع التاريخ الجديد الاعتراض على هذا النوع من الكتابات، التي أعطت الطعم من جديد للفرد الذي ظل منسيا ومهملا في كتابات المؤرخين الذين اهتموا”، وفي مقال سيار الجميل ص288 نقرأ: “وكانت المؤرخة الأمريكية الكندية ناتالي زيمون دافيس قد احتلت المركز الأول في مجال الاثنو تاريخية وأيضا الايطالي كارلو غينزبورغ، وبرونيسلاو غيريميك من بولونيا وقد درس المهمشين. في حين اعتبر آخرون ومنهم جاك روفيل، وبول ريكور، أن خيار الميكروتاريخ هو اختيار معاكس ضمنيا لكتابة التاريخ السائدة عند مدرسة الحوليات…لقد استطاعت المنهجية الميكروتاريخية أن تفرض وجودها تيارا أساسيا في فرنسا منذ 1980؛ ..لم يعترض عليه أحد …تذوقا من جديد للإنسان الذي بقي منسيا ومهمشا ومهملا في أعمال المؤرخين الذين كانوا يهتمون”.
- في ص 73 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “الذي يرى كليفورد جيرتز أنه المنظور الصحيح للبحث الأنثروبولوجي من حيث إنه يسجل سلسلة من الأحداث متناهية الصغر. إن الانتربولوجيا والتاريخ المجهري يمتلكان من العناصر المشتركة الكثير، فكلاهما يركز على النطاق الجزئي المكثف، لذلك شبه البان بينسا الميكروتاريخ بالسوسيولوجيا التفاعلية، وبأنتربولوجيا التغيير الاجتماعي”، وفي مقال سيار الجميل ص289 نقرأ: “إذ يرى كليفورد جيرتز أنه منظور التاريخ المجهري الصحيح للبحث الأنثروبولوجي بتسجيل سلسلة من الأحداث متناهية الصغر. وعليه فإن مناهج الانتربولوجيا والتاريخ المجهري إنما يوظفان معا عناصر مشتركة كثيرة، وعلى هذا الأساس قام البان بينسا بتشبيه الميكروتاريخ بالسوسيولوجيا التفاعلية، وبأنتربولوجيا التغيير الاجتماعي”.
- في ص 73 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: ” تندرج ضمن تيار “الانتربولوجيا التاريخية التأويلية”، وهذا التيار الجديد يطلق عليه (Alltagsgeschichte)، والكلمة تعني في اللغة الألمانية “الحياة اليومية”. ويمكن بالتالي أن تترجم اللفظة بالمعنى التقريبي بــــ “تاريخ الحياة اليومية” أو “التاريخ اليومي”، وفي مقال سيار الجميل ص289 نقرأ : “يندرج تيار “الانتربولوجيا التاريخية التأويلية”، وهذا التيار الجديد يطلق عليه (Alltagsgeschichte)، وتعني في الألمانية “الحياة اليومية”. أو بمعنى أوضح “تاريخ الحياة اليومية” أو “التاريخية اليومية”.
- في ص 74 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “ساد منذ الثمانينيات في أوساط المؤرخين الألمان” “، وفي مقال سيار الجميل ص289-نقرأ : ” وكان سائدا بشكل خاص بين المؤرخين الألمان خلال الثمانينيات”.
- وفي ص 74 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: وهانس ميديك Hans Medick، المؤرخ وأستاذ الانتربولوجيا التاريخية، وعضو معهد ماكس بلانك للتاريخ بجامعة غوتنغن Göttingen. وأولف لوطك Alf Luedtke أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة هانوفر، والباحث في معهد ماكس بلانك أيضا”، وفي مقال سيار الجميل ص289-نقرأ : “وقد أسس على يد المؤرخ الأنتربولوجي هانس ميديك Hans Medick، وكان عضوا بمعهد ماكس بلانك للتاريخ بجامعة غوتنغن Göttingen. وأيضا أولف لوطك Alf Luedtke أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة هانوفر، والباحث في معهد ماكس بلانك نفسه أيضا”.
- في ص 75 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ : “أول ورشة لتاريخ الحياة اليومية ظهرت إلى الوجود سنة 1981”. وفي مقال سيار الجميل ص289: “في برلين لقد أسست أول ورشة عمل لدرس تاريخية الحياة اليومية سنة 1981 في برلين”.
- في ص 72 من كتاب التاريخ من أسفل لخالد طحطح وخالد اليعقوبي نقرأ: “من أهم الأعمال التي تعتبر منبعا للتجديد في أعمال الميكروتاريخ الايطالي كتاب: الجبن والدود: عالم طحان في القرن السادس عشر لكارلو كينزبورغ. وقد سبقت الإشارة إليه، بالإضافة إلى أهمية كتاب السلطة في القرية: مهنة معزم في البييمونت في القرن السادس عشر لجيوفاني ليفي”. وفي مقال سيار الجميل ص304: من أهم الأعمال التي تعتبر منبعا للتجديد في أعمال الميكروتاريخ الايطالي كتاب: الجبن والدود: عالم طحان في القرن السادس عشر لكارلو كينزبورغ. وقد سبقت الإشارة إليه، بالإضافة إلى كتاب السلطة في القرية: مهنة معزم في البييمونت في القرن السادس عشر لجيوفاني ليفي”..
ونشير إلى أنه أحال لكتابنا المشترك مرتين: الأولى دون ذكر الصفحة، والثانية بذكر الصفحة الخطأ للتمويه. ونغتنم الفرصة للتنديد بسلوك المجلة الدورية المحكمة التي تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، وهي مؤسسة رسمية وذات صدى على المستوى العربي، وقد اضطررنا لنشر التفاصيل هنا واسم الفاعل بسبب تعنت المجلة في الإجابة والتوضيح، فهذه جريمة نكراء لا يجب أن تتكرر ثانية، وتقديم الاعتذار أقل الواجب لمن تمت سرقتهم، حماية للملكية الفكرية وللقواعد المتعارف عليها، ولا زلنا ننتظر الاعتذار والإقرار بالمسؤولية.
*أستاذ باحث في التاريخ
تعليقات الزوار ( 0 )