بداية يجب توضيح مسألة مهمة حول مراحل التساؤلات التي أثيرت حول السند الدستوري لإعلان حالة الطوارئ. ويمكن إجمالا أن نقول أن هناك مرحلتان تراكمت فيهما التساؤلات المشروعة، والتي تدخل في خانة المساهمة مع الدولة، ومع مسؤول الطوارئ في تقعيد وتأصيل مؤسسة حالة الطوارئ، تفاديا لأي تعقيدات آنية أو مستقبلية. ولا يشكك أحد في التفويض الجماعي العام للمسؤول الرسمي لتدبير هذه الوضعية الاستثنائية، تفويض تجاوز إجماع الأحزاب السياسية ومكونات البرلمان أغلبية ومعارضة، وتجاوز تفويض الفاعل الاقتصادي إلى تعبئة وطنية شاملة، مساندة وواثقة في الدولة.
التساؤلات المواطنة المعقولة سواء من باحثين أو ناشطين اجتماعيين وسياسيين، غايتها المثلى هي تفادي مساوئ التاريخ، وتجنب المطالبة المستقبلية بلجان حقوقية أو هيئات إنصاف ومصالحة لجبر أضرار محتملة، قد تنجم عن سلوكات خاطئة في تطبيق مقتضيات وأحكام الطوارئ، بعد نسيان الأزمة، وإن كنا بدأنا نلمس تقويما آنيا لعدد من الارتباكات المتعلقة بضبط حركة المواطنين لتفادي تراكمها مستقبلا وحتى لا تصبح ظاهرة عادية. المغاربة يبنون دولة مؤسسات متجددة من خلال هذه الأزمة الوبائية، وبالتالي ينبغي أن تفر فئة من المغاربة إلى طرح التساؤلات، ووضع التنبيهات وتحديد المخاطر لدعم حركة الدولة، وإسناد فاعل الطوارئ الرسمي الذي هدفه الأسمى طبعا هو حماية الأمة وصحتها. أيضا يجب التنبيه إلى أن فعل تدبير الطوارئ توزع مابين جميع مؤسسات وإدارات الدولة بل وأيضا تم تقاسم جزء من أعبائه مع المجتمع بجميع فئاته.
المرحلة الأولى من التساؤلات جاءت مباشرة بعد بلاغ إعلان حالة الطوارئ، يمكن تلخيصها في سؤال واحد. هل يمكن إقرار هذه الوضعية و تقييد الحريات بناء على بلاغ صادر عن وزارة الداخلية يحمل قرارا لم يتحدد مصدره آنذاك بشكل دقيق، يمس الحريات والحقوق الأساسية المكفولة بالدستور والقانون الدولي ويضمن ممارستها الملك؟ هل يمكن إعلان حالة الطوارئ كيفما كان نوعها أمنيا أو صحيا، فكلها تتشابه في المحرك، وهو حدوث وضع غير عادي وغير متوقع، مخل بالسير العادي للدولة والمجتمع ككل، بقرار لوزير الداخلية؟ هل يمكن ممارسة رقابة على حريات وحقوق المواطن ومتابعته إن اقتضى الحال بناء على هذا البلاغ الذي لا يتمتع بقوة قانونية وليس من مصادر التشريع ولا يمكن اعتباره سندا لإصدار عقوبات سالبة للحرية، خصوصا أنه لم يشر إلى عزم الحكومة تقديم مرسوم بقانون ينظم هذه الحالة وشروطها؟
هذه التساؤلات كانت مؤسسة على هاجس وطني، ومعقولة علميا،قد تكون وراء تدارك الخلل وإعداد مرسوم بقانون بعد إعلان الطوارئ، في اليومين المواليين للبلاغ.
المرحلة الثانية أثيرت فيها تساؤلات عامة حول السند المعياري والقانوني الدستوري للمرسوم بقانون، حول تدابير وأحكام حالة الطوارئ، التي أقرت بتاريخ سابق عن إقرار النص التشريعي، وهنا يمكن تجاوز مسألة رجعية القوانين باعتبار أن العقوبات المقررة في النص لن تطبق إلا ابتداء من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وليس ابتداء من تاريخ إقرارها المسبق.
في الإطار العام لفعل إقرار الطوارئ الصحية، فعلا يمكن اللجوء إلى المبادئ الدستورية العامة التي تستوجب تدخل السلطات العمومية حماية لصحة الأمة، كما ورد في المادة 21 من الدستور. غير أن مقتضى هذه المادة تظل مقتضيات غائية عامة بمعنى تحدد غاية عمل المؤسسات وتقيده بضرورة احترام الحريات والحقوق، ولا تبني إجراء دقيقا ومهما في نفس الوقت وهو إجراءات الطوارئ الصحية، التي تخرج من هذا السياق الغائي إلى سياق إجرائي مشروع يمكن قياسه على حالات أخرى مشابهة إجرائيا، وهي حالة الاستثناء وحالة الحصار في المواد 59 و 74 من الدستور. وبالتالي نحن إزاء رزمة إجرائية لم يحددها الدستور صراحة وإنما أقرها الفقه والاجتهاد القضائي المقارن تحديدا، وتكرست حدودها في الكتل الدستورية للدول.
في هذه المرحلة نطرح عدة تساؤلات متعلقة بشكل رئيسي بالمركز القانوني للمؤسس الدستوري لحالة الطوارئ. هل هو الملك أم الحكومة، أم البرلمان؟ حالة الطوارئ الشبيهة بحالة الحصار في هدفها العام، وهو توخى حماية البلاد والمواطنين ككل، والتي تقيد جزءا من الحريات و الحقوق، و تعطل جزءا من التشريع العادي لمدة محددة، بل تعطل أيضا بعض الإجراءات القضائية الشكلية والحوهرية، ناهيك عن تدخلها في تدبير الوضع الاقتصادي والاجتماعي خارج المألوف، وبالتالي هي تحتاج إلى تأسيس منسجم مع المؤسسات السياسية والدستورية.
هنا يمكن القول أنه بالنظر إلى اختصاصات الملك الدستورية باعتباره ممثلا اسمى للأمة، ولاسيما الفصل 42 من الدستور، والمتعلقة بحماية البلاد وبسلامة المواطنين واستمرار الدولة، وبالنظر إلى كون حالة الطوارئ هي حالة استثنائية تمس تراب المملكة ككل وتستدعي تدخلا وتنسيقا أمنيا كبيرا بما في ذلك تدخل القوات المسلحة التي يرأسها الملك، وباعتبار أن اختصاص السياسة العامة والاستراتيجية للدولة، يتم تداولها في المجلس الوزاري، حسب الفصل 49 من الدستور، وليس في المجلس الحكومي حسب المادة 92 من الدستور، وبالتالي فإن إعلانها أو إقرارها قياسا على حالة الحصار يبدو أنه من اختصاص المجلس الوزاري. أيضا منطق الملكية التدبيرية الذي تأسس في العهد الجديد والذي يساهم في صناعة ومجازاة ورسم حدود السياسة العامة بشكل عقلاني يبرز إيجابية تدخل مؤسسة الملك في تشريع الوضعية الجديدة، وباعتبار الملك أيضا مناطا للثقة العامة وضمانة للتهدئة وإزالة التخوفات إزاء هذا السياق.
وعلى غرار التجارب المقارنة خصوصا التجربة الفرنسية، فإن إقرار حالة الطوارئ من اختصاص رئيس الدولة في المجلس الوزاري، على أن يصادق البرلمان على قانون إقرارها مخافة أي انزلاقات تنفيذية، ودعما لمشروعيتها وطمأنة للمواطنين وللمحيط العام بسلامة الإجراءات المتخذة.
وخلاصة القول أن هذه التساؤلات أو الملاحظات، تتوخى تبني رؤية بعدية والتحلي ببعد النظر لما بعد الأزمة الحالية، تتوخى المساهمة في التنبيه إلى ضرورة التريث في اتخاذ أي إجراءات كبرى تهم البلاد ككل ذات نتائج تتجاوز الإطار الزمي الحالي، من قبل الحكومة، والتنبيه أيضا إلى احتمال مخاطر في صناعة جماعية متسرعة لسابقة دستورية وقانونية وسياسية، تشرعن لاختصاصات حكومية جديدة في إدارة الأزمات والطوارئ التي يعتبرها البعض مجالا محفوظا للملك لعدة اعتبارات، قد تؤسس مستقبلا لأي توجهات مشابهة في حال الاصطدام بطوارئ من نوع آخر غير الصحية.
تعليقات الزوار ( 0 )