شارك المقال
  • تم النسخ

مبرّرات سحب مشروع تعديل القانون الجنائي.. واقعية أم محاولة لتهدئة الضجة؟

خلف قرار الحكومة القاضي بسحب ‘’مشروع القانون الجنائي من البرلمان’’ ضجة كبيرة، أوساط الأكاديميين والحقوقيين المغاربة، الذين وصفوه، بمفاجأة من ‘’العيار الثقيل’’ بعدما كان ملف ‘’مشروع القانون’’ من بين وسائل الضغط التي مورست على حكومة ‘’العدالة والتنمية’’.

وأعلنت الحكومة التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، في ندوة صحفية رسمية، على لسان الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن ‘’سحب المشروع بمبررات تكمن بالأساس في ضرورة مناقشة المشروع بشموليته، عكس ما يتم تقديمه به، خلال الولاية السابقة التي قادها حزب ‘المصباح’’.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال تقديم مشروع الميزانية الفرعية للوزارة المنتدبة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، إنه ‘’من الصعب مقتضى من مقتضيات هذا القانون، وإن ما كان يعاب على الحكومة السابقة، هو عدم وضعها لمشروع القانون بشكل كامل من أجل المناقشة’’.

وفي سياق متصل، أكد طارق القادري، أمين مجلس النواب، خلال افتتاح جلسة الأسئلة الشفوية يوم الثلاثاء، على أن مكتب الغرفة الأولى توصل بطلب سحب مشروع القانون رقم 10.16 المتعلق بتتميم وتغيير مجموعة القانون الجنائي المحال على المجلس من طرف حكومة العثماني يوم الجمعة 24 يونيو2016’’.

ومن جانبه، أوضح، عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، خلال استضافته في برنامج ‘’حديث مع الصحافة’’ الذي تبثه القناة الثانية، أنه ‘’من اقترح سحب مشروع القانون على رئيس الحكومة، من أجل إعداد قانون منسجم ومتكامل’’ وأضاف أن ‘’تجريم الإثراء لا يخيفهم ولا يشكل بالنسبة لهم أي مشكل لإدراجه ضمن القانون’’ بل يجب أن ‘’ أن نحيط بهذا الموضوع من كل الجوانب شأنه شأن مجموعة من النصوص القانونية الأخرى” على حد تعبيره’’.

‘’الإثراءغير المشروع’’جزء صغير من‘’القانون’’

وفي سياق الضجة، قال عمر احرشان، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية جامعة القاضي عياض إن ‘’ما تم سحبه هو مشروع لتغيير وتتميم القانون الجنائي يحمل رقم 10.16 تم وضعه في مجلس النواب منذ 24 يونيو 2016 أي منذ حكومة بنكيران، وتقدم النقاش بشأنه في اللجنة المعنية حتى وصل مرحلة مطالبة الفرق بتقديم تعديلاتها النهائية، ومنذ ذلك الوقت بدأ التلكؤ في التجاوب’’.

وأبرز أستاذ القانون العام والعلوم السياسية جامعة القاضي عياض، ضمن تصريح لـ’’بناصا’’ بالقول ‘’الإثراء غير المشروع لا يمثل إلا جزءا صغيرا ضمن فصوله، وهذه التسمية محاولة للتغطية على مضامين تكتسي أهمية واستعجالية أكبر لأن هذا المشروع  يتضمن مثلا لأول مرة في نظام العقوبات التنصيص على العقوبات البديلة وهذه مقتضيات مهمة وتكتسي صبغة الاستعجال في ظل امتلاء السجون المغربية بالمعتقلين لأسباب كان يمكن تجاوزها وتمتيعهم بالسراح’’.

وأوضح احرشان أن ‘’المندوب السامي للسجون  قد عبر عن ذلك أمس أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب أثناء مناقشة الميزانية الفرعية للمندوبية حين قال بأن عدد نزلاء السجون بلغ رقما قياسيا غير مسبوق حيث وصل إلى 89 ألفا و711 معتقلا، وأن 45 في المائة منهم معتقلين احتياطيا’’ .

مضيفا أن  ‘’المشروع تضمن مقتضيات تتعلق بالاختفاء القسري، وتهريب المهاجرين، وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، كما راجع المشروع تعريف جريمة التعذيب للملاءمة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وأعاد تنظيم جرائم الاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ، وتطرق كذلك للإجهاض والحكم بالإعدام ومجموعة من القضايا الأخرى المرتبطة بالحريات الفردية’’.

مبررات غير مقنعة

ويرى أستاذ القانون العام والعلوم السياسية أن  ‘’التفسير الوحيد المقنع هو أن الحكومة تبحث عن الانسجام بين مكوناتها بإزالة كل النصوص التي تهدد هذا التناغم والأكيد أن هذا المشروع سيزعزع هذا الائتلاف الحكومي بحكم اختلاف المرجعيات بين مكوناتها، كما أن سحبه جاء بعد أدائه لمهمته ضد العدالة والتنمية التي كان يزايد عليها به في موضوع الحريات الفردية خصوصا’’.

وفي حديثه عن حيثيات السحب في الظرفية الحالية قال احرشان ‘’الآن لم يعد للأمر أولوية’’ مضيفا ‘’هذا يؤكد أن صاحب قرار السحب لا تهمه حريات المغاربة ولا يهمه اكتظاظ السجون ولا يهمه محاربة الفساد ولكنه يوظف قضايا الحريات الفردية فقط لإضعاف وإحراج خصومه’’.

وفي إجابته عن مدى واقعية مبررات الحكومة لاتخاذ قرار السحب قال المتحدث ذاته إن ‘’مبررات سحب المشروع غير مقنعة نهائيا لأن هذا المشروع هو أكبر مراجعة من حيث الشمولية مقارنة مع سابقاتها، وللإشارة فظهير 1.59.413 الصادر في نونبر 1962 الذي يضم مجموعة القانون الجنائي تعرض للكثير من التعديلات الجزئية أقلها 32 تعديلا خلال ما يقارب 60 سنة. كما أن هذا المشروع هو من مخرجات ورش إصلاح العدالة وقد بدأ الاشتغال عليه منذ سنة 2014، وأدخلت على القانون الحالي بمقتضى هذا المشروع 500 تعديل وتم حذف 40 مادة وإضافة 187 مادة جديدة’’.

وشدد الأستاذ الجامعي على أن ‘’الكثير من المقتضيات في المشروع الجديد تكتسي صبغة الاستعجال وتهم حقوق وحريات المغاربة أساسا بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع مقتضيات هذه التعديلات والتتميمات. ويزداد الأمر غموضا حين يتم السحب في بداية ولاية الحكومة ودون تحديد أجل زمني لعرضه من جديد على البرلمان’’.

مردفا:’’التخوف أن يكون هذا السحب بنفس طريقة سحب مشروع قانون 20.20 الذي لم يعد له ذكر مما يبين أن واضعي المشروع كانوا يهدفون إلى شيء آخر غير تقنين استعمال شبكات التواصل الاجتماعي’’.

مؤسسات لا تمثل المغاربة

وأشار احرشان إلى ‘’أن هذا الاستهزاء من طرف الحكومة والبرلمان بقضايا تهم حريات المواطنين يؤكد أنها مؤسسات لا تمثل المغاربة. يكفي القول أن المشروع قدم مرة ثانية في عهد حكومة العثماني يوم 06 يوليوز 2017، وعقدت لجنة العدل والتشريع حوله 12 اجتماعا لمتابعة دراسته، وأنهت مناقشته التفصيلية بعد عامين من المدارسة بتاريخ 02 يوليوز 2019’’.

 واعتبر الأستاذ الجامعي أنه ‘’منذ ذلك الحين برزت خلافات بين الفرق النيابية تتعلق بتقديم التعديلات، مما حال دون برمجة البت فيه حتى عشية اختتام دورة أكتوبر حيث بادر المالكي رئيس مجلس النواب بموجب رسالته المؤرخة بتاريخ 09 فبراير 2021 إلى إحاطة الحكومة علما برغبة أعضاء مكتب اللجنة في التفاعل الإيجابي مع اقتراحهم بشأن تحديد تاريخ للتصويت على مشروع القانون. أليس كل هذا هدر للزمن التشريعي؟’’

واختتم عمر احرشان، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية جامعة القاضي عياض، حديثه لمنبر بناصا بالقول إن  ‘’أكبر اختبار أمام الحكومة أن تفتح نقاشا عموميا حقيقيا حول هذا القانون وكذا المسطرة الجنائية لأن الأمر يتعلق بحريات وحقوق المواطنين وأن تبعد كل جرائم النشر والتعبير عن هذا القانون لأن موجودة فيه تعسفا فقط’’.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي