Share
  • Link copied

مبدأ التدبير الحر والمراقبة الإدارية على الجماعات الترابية: تكامل أم تعارض؟

إن الحديث عن نظام المراقبة الإدارية مرتبط أساسا بتطور اللامركزية الترابية بالمغرب، حيث كان للسلطة المركزية دائما اليد الطولى في صناعة القرار المحلي منذ صدور الميثاق الجماعي سنة 1960، وذلك راجع لعدة أسباب وذرائع على رأسها الحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال حفظ النظام العام وحسن تطبيق القانون.

ولقد ظلت ممارسة الوصاية الإدارية على حالها مع بعض التعديلات الطفيفة، إلى أن  شهد التدبير العمومي الترابي مفاهيم جديدة من خلال صدور دستور 2011، الذي كرس مبادئ مهمة خاصة المتعلقة منها بمبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع وكذا مبادئ الحكامة الجيدة. وجاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية[1] لتؤكد على أهمية هذه المبادئ من خلال ترسانة قانونية تدعم اللامركزية الترابية من خلال إعطاء اختصاصات وصلاحيات مهمة لمجالس الجماعات الترابية، حيث تم الإقرار بالسلطة التنظيمية للمجالس الترابية[2]، وحرية اتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع التنموية مع إبقاء مراقبة بعدية لسلطات المراقبة الإدارية تسمى ”مراقبة المشروعية”، وتعزيز دور المراقبة القضائية للشرعية شريطة ألا يترتب عن اللجوء إلى القضاء، توقيف التنفيذ إلا بقرار من المحكمة المختصة[3].

وقبل الحديث عن طبيعة العلاقة بين مبدأ التدبير الحر وممارسة الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية، لابد من إعطاء تعاريف لهذين المفهومين:

يشكل مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية مرحلة متقدمة في مجال اللامركزية، وهي ما يمكن تسميته باللامركزية الحرة Décentralisation liberté والتي تفيد إعطاء المجموعة المحلية حق تنظيم حياتها المحلية بحرية،[4] وهذا ما أشار إليه دستور 2011 حينما نص في الفصل 140 على أن: ”تتوفر الجهات والجماعات الترابية، في مجال اختصاصاتها، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحيتها”، وتعرف السلطة التنظيمية بأنها: ”مجموع القرارات العامة والمجردة والملزمة الصادرة عن السلطات الإدارية المختصة باتخاذ قرارات تنظيمية”[5]، أما القوانين التنظيمية للجماعات الترابية فقد نصت على أن تدبير الجماعات الترابية لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ترابية، في حدود اختصاصاتها، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه.[6]

بالمقابل نجد أن مفهوم الرقابة الإدارية مرتبط الى حد كبير بما يسمى الوصاية، إلا أن مجموعة من فقهاء القانون الإداري اعتبروا أن اختيار مفهوم الوصاية لم يكن اختيارا صائبا. في هذا الإطار، يقول جورج فيدل ”إن مصطلح الوصاية، في مادتنا (أي مادة القانون الإداري) قد أخطأوا فيها الاختيار لأنها تستعمل لتعني نوعا من التدبير لأملاك الأشخاص فاقدي الأهلية، ولا تعني المراقبة التي يمارسها أعوان الدولة على أعمال الأجهزة اللامركزية، بهدف فرض احترام المشروعية وتجنب التجاوزات الممكنة وحماية المصلحة الوطنية في مواجهة المصالح المحلية أو التقنية.[7] وبالرجوع إلى المتن الدستوري وخاصة الفصل 145 الذي نص على أن ”يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية”، وما سنستشف أن الدور الأساسي الذي تلعبه أجهزة الرقابة الإدارية هو تأمين تطبيق القانون في تدبير مجالس الجماعات الترابية لشؤونها، وبالتالي تحقيق المصلحة العامة.

ويتم التمييز بين عدة أشكال من الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية؛ فهناك رقابة إدارية على مستوى الشق الإداري المتمثل في تلك التي تمارسها أجهزة المراقبة الإدارية على الأشخاص فيما يخص المنتخبين بصفتهم الفردية أو على المنتخبين بصفتهم الجماعية، والمتمثل أيضا في الرقابة الإدارية على أعمال الجماعات الترابية فيما يخص أعمال مجالس الجماعات الترابية أو أعمال رؤسائها. وهناك رقابة إدارية على مستوى الشق المالي المتمثل في الرقابة الإدارية على مشاريع ميزانيات الجماعات الترابية من جهة، والرقابة الإدارية على تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية من جهة أخرى.

وفي هذا الصدد، نجد أن الرقابة الإدارية على الجماعات الترابية تقوم بها أجهزة متعددة ومتنوعة، إذ نجد أنها أسندت –وبدرجة أولى- إلى وزارة الداخلية بصفتها الجهة الوصية، وكذا إلى الوزارة المكلفة بالمالية في درجة ثانية، وذلك على مستوى ممارسة جزء من الرقابة المالية. وقد تم إحداث عدة أجهزة وهيآت إدارية ومالية متخصصة في الرقابة تابعة لهاتين الوزارتين، كالمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية المحلية، التابعتين لوزارة الداخلية، والمفتشية العامة للمالية والخزينة العامة للمملكة التابعتين للوزارة المكلفة بالمالية، وكل تلك الأجهزة الرقابية تشتغل إلى جانب الرقابة الإدارية الأساسية المسندة إلى وزارة الداخلية، ممثلة في وزير الداخلية أو العمال والولاة حسب نوع الجماعة الترابية المعنية، وحسب أهمية الشأن الإداري أو المالي موضوع الرقابة، هذا ناهيك عن الرقابة التي تمارسها الوزارة المكلفة بالمالية، من خلال المحاسبين العموميين المضطلعين بمسألة المراقبة المحاسبية للعمليات المالية أثناء التنفيذ المالي والميزانياتي.[8]

وهنا تجدر الإشارة إلى الدور التنموي لسلطات المراقبة الإدارية في كونها حلقة وصل بين الإدارية المركزية ومجالس الجماعات الترابية، وتقديم المساعدة لرؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية، وكذلك قيامها بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، وسهرها على حسن سيرها، وهذا ما أكد عليه ميثاق اللاتمركز الإداري،[9] من خلال مرتكزين أساسيين هما:

-الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي؛

-الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.[10] بالإضافة إلى أن والي الجهة هو الذي يترأس المراكز الجهوية للاستثمار[11] حيث له دور تنموي مهم في الحركة الاقتصادية داخل المجال الجهوي أو الإقليمي، من خلال تشجيع الاستثمارات وخلق تنمية اقتصادية محلية ناجعة.

 لكن من بين الإشكالات التي تحول دون تفعيل مبدأ التدبير الحر وتوتر العلاقة بينه وبين أجهزة المراقبة الإدارية، تلك المتعلقة بمحدودية الموارد البشرية العاملة داخلها، حيث نجد أن على مستوى المنتخبين الترابيين ما زالوا يعانون على مستوى التكوين والمهارات وغياب الأطر الكفؤة والخبرة العلمية التي تؤهلهم للنهوض بمسؤولياتهم وجعلهم في مستوى تطلعات السكان،[12] أما بالنسبة لوضعية الموظفين الترابيين يعاب عليها ضعف التأطير القانوني للوظيفة العمومية الترابية والذي يوازيه ضعف في التأطير الكمي للإدارات المحلية، كما نجد من بين أهم المشاكل التي تطرح أمام الجماعات الترابية، تضخم عدد الموظفين الجماعيين خاصة على مستوى الجماعات وقلة مردوديتهم، نظرا لقلة عنصري الكفاءة والتخصص في العديد من الحالات،[13] وهذا ما يتناقض مع مبدأ التدبير الحر الذي يحتاج إلى موارد بشرية قادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي.

ولا ننسى أيضا، التطرق إلى إشكال آخر وهو المتعلق بتعدد أجهزة الرقابة الإدارية التي غالبا ما يطبعها عدم وجود تنسيق مسبق ومخطط أو تعاون أو برنامج يقسم العمل الرقابي بين هذه الأجهزة،[14] وكذا البطء في العمل الرقابي، بالإضافة إلى الآجال القانونية القصيرة المدى المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي لم تراع بُعد بعض الجماعات الترابية التي توجد في الوسط القروي.

في الختام، لابد من إعطاء بعض الحلول لتجاوز الوضعية الراهنة التي تشهدها منظومة الرقابة الإدارية في علاقتها بمبدأ التدبير الحر، من أجل فرز علاقة يطبعها التناسق والتناغم في عمل الجماعات الترابية، لأن البرامج التنموية الترابية الناجعة في حاجة ماسة إلى نظام رقابي متطور يراعي التطورات والتحديثات التي يشهدها التدبير العمومي بصفة عامة، وبالخصوص ما يتعلق بالرقمنة الإدارية التي من خلالها يمكن إيجاد تنسيق مسبق وسرعة وفعالية وعقلنة في العمل تتجاوز الطرق التقليدية التي تتسم بالتعقيد والبطء، وكذلك تحقيق القرب بين الجماعات الترابية فيما بينها، وبينها وبين سلطات الرقابة الإدارية.

*باحث في القانون العام


[1]–  القوانين التنظيمية للجماعات الترابية هي:

– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.83، الصادر في رمضان 1436 (7 يوليو 2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 6 شوال 1436 (23 يوليو)، ص 6585.

– القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.84 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليو 2015، ص 6625.

– القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.85 صادر في 20 من رمضان 1436 (7 يوليو 2015)، الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليو 2015، ص 6660.

[2]– الفصل 142 من دستور 2011.

[3]– تقرير اللجنة الاستشارية حول الجهوية المتقدمة، الكتاب الأول، التصور العام، ص 53.

[4]– Bayou Allal, le cencept de libre administrations et son application en Allemagne et au Maroc, Thése pour l’obtention du Doctorat national en droit public, FSJES Agdal, 2007/2008, p2.

[5]– عبد القادر باينة، الوسائل القانونية للنشاط الإداري، زاوية للفن والثقافة، 2006، ص 73.

[6]– المادة 3 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، والمادة 4 من القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات، والمادة 3 من القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم.

 [7] – حميد أبولاس:” الجماعات الترابية من الوصاية إلى المراقبة على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الجديدة: دراسة مقارنة”، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد مزدوج 134-135، ماي-غشت 2017، ص 75.

[8]– عماد أبركان:” نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات الملاءمة”، منشورات العلوم القانونية، الطبعة الأولى، مطبعة الأمنية الرباط، ص 250.

[9]– انظر المرسوم رقم 2.17.618 المتعلق بميثاق اللاتمركز الإداري، الصادر في 18 من ربيع الآخر 1440 الموافق ل 26 ديسمبر 2018، والصادر في الجريدة الرسمية العدد 6738 في 19 ربيع الآخر الموافق ل 27 ديسمبر 2018، ص 9787.

[10]– المادة 5 من المرسوم رقم 2.17.618 المتعلق بميثاق اللاتمركز الإداري، المشار إليه سابقا.

[11]– المادة 10 من القانون رقم 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجن الجهوية الموحدة للاستثمار، الصادر في 7 جمادى الآخرة 1440 (13فبراير 2019)، والصادر في الجريدة الرسمية في 15 جمادى الآخرة 1440 (21 فبراير 2019)، عدد 6754، ص 834.

[12]– المناظرة الوطنية السادسة للجماعات المحلية تحت شعار تكوين وإعلام المنتخبين، تطوان من 28 إلى 30 يونيو 1994، ص 15.

[13]– سعيد جفري:”” التنظيم الإداري بالمغرب – الإدارة المركزية والإدارة المحلية-“‘، مطبعة التيسير سطات، الطبعة الأولى 2006، ص 221.

[14]– عماد أبركان:” نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات الملاءمة”، مرجع سابق، ص 250.

Share
  • Link copied
المقال التالي