تُخرج المغربية خديجة عبد الله شبكة صيد تالفة من كيس كبير، تنظفها مما علق بها حتى يصبح بياضها ناصعا، تأخد آنية كبيرة بها ماء مغلي، تنثر داخلها القليل من بودرة الصباغة، تضع الشبكة وتحرك بعصا خشبية لدقائق إلى أن تتشرب الخيوط اللون وفق الدرجة المطلوبة، ثم تضعها جانبا لتجف.
تحت شمس الخريف المتقلبة، تجلس خديجة أمام المنسج وحولها شباك صيد بألوان مختلفة، تقطع الخيوط بسكين وتنسج العقدة تلو العقدة بنشاط وهمة، لتتحول تلك الخيوط إلى سجاد بألوان مبهرة.
تعلمت خديجة ذات الأصول الأمازيغية نسج السجاد عن أمها، ففي بلدتها لا يكتمل تكوين الفتاة إلا بإتقان هذه الحرفة، غير أن أناملها اليوم صارت تحول خيوط شباك الصيد التالفة إلى زرابي (بُسُط أو فُرُش) متنوعة الأحجام والأشكال والألوان.
وانضمت خديجة العام الماضي إلى نساء جمعية “صفر قمامة” بالصخيرات ضواحي الرباط، حيث يسخرن حرفتهن من أجل إعادة تدوير النفايات التي يلفظها الشاطئ أو يرمي بها الزوار أو يتركها الصيادون خلفهم في مرسى الصيد الصغير بالمدينة.
نفايات الشاطئ
تأسست جمعية “صفر قمامة” بالصخيرات سنة 2016، وبحسب رئيسها نادر سيناصر فإن هدف الجمعية هو المساهمة بتنظيف الشاطئ عبر إعادة تدوير النفايات البحرية.
في جولة بشاطئ الصخيرات مع فريق الجمعية، تظهر عشرات شباك الصيد منغرزة في الرمال بعضها لفظها البحر وأخرى تركها الصيادون على الشاطئ بعد تلفها.
ويوجد في مرسى الصيد التقليدي بالصخيرات حوالي 80 مركب صيد، وغير بعيد عنه شاطئ الصخيرات، وهو وجهة مفضلة للمصطافين القادمين من المدن المجاورة صيفا ولمحبي المشي والرياضة في باقي الفصول.
ويشير نادر لكومة من الشباك المتراكمة بجانب مراكب الصيد، ويقول “هذه الشباك لا يمكن استخراجها من الرمال باليد، لأنها منغرزة عميقا تحت الرمال، لا ندري ربما تحت هذه الرمال أطنان أخرى من الشباك”.
تزور نساء الجمعية بين الفينة والأخرى الشاطئ، يجمعن ما استطعن من شباك الصيد المنتشرة بين رماله، يستعملن السكين لتقطيعها، كما يجمعن الأكياس البلاستيكية وأكياس الثياب والقوارير وكل أنواع النفايات.
في الورشة تبدأ النساء بالعمل، كل واحدة تنشغل بتنظيف المواد التي ستحتاج إليها في عملية التدوير، تنظف خديجة الشباك وتصبغها وتصنع منها زرابي، بينما تقطع نادية البلاستيك والثوب إلى أجزاء طولية متناسقة الحجم لتشتغل بها في أعمال الحياكة.
التحقت نادية لزرق بالجمعية قبل 5 سنوات بتوجيه من صديقتها، فوظفت مهاراتها في الكروشيه والتريكو في صناعة منتجات من الأكياس البلاستيكية وأكياس الثوب وخيوط شباك الصيد.
وتحول هذه المواد إلى حقائب يد وقبعات وقفازات ومكملات منزلية تعرضها إلى جانب منتجات باقي نساء الجمعية للبيع، بالتواصل المباشر مع الزبائن عبر الجمعية أو بعرضها في المعارض التي تنظمها طيلة الصيف على الشاطئ.
وينقل أعضاء الجمعية عملهم صيفا إلى الشاطئ حيث يتواصلون يوميا مع المصطافين الذين يتعرفون على مبادرتهم وأهدافها، ويقفون على عملهم في تدوير النفايات البحرية ويشترون منتجاتهم.
لا يفصل نادية لزرق عن شاطئ الصخيرات إلا كيلومتر واحد، وتعاين يوميا المخلفات التي يتركها الناس خلفهم أو تلفظها مياه البحر، وتأسف لما يتعرض له البحر من تلوث وضرر ينعكس في نظرها على الكائنات البحرية وأيضا على الإنسان.
مبادرات محلية
تعتبر شباك الصيد التالفة أو الضائعة من أكثر النفايات المتسببة في الإضرار بالبيئة البحرية حسب الخبراء، حيث تؤثر سلبيا على المحيطات وتشكل خطرا على الكائنات البحرية التي تقع في شركها، وتشكل معدات الصيد 10% من النفايات البحرية وتستغرق حوالي 600 سنة لتتحلل، حسب تقرير للأمم المتحدة.
وأشار تقرير لمنظمة السلام الأخضر “غرين بيس” إلى أن 640 ألف طن من الشباك والمصائد وغيرها من أدوات الصيد التجاري تلقى في البحر سنويا، وتنجرف في بعض الأحيان نحو السواحل.
وكان تقرير لوزارة البيئة المغربية حول “رصد جودة مياه الاستحمام ورمال الشواطئ عام 2021، أظهر أن النفايات البحرية الشاطئية من صنف البلاستيك/البوليستيرين (Polystyrene)، تمثل حوالي 86% من مجموع النفايات التي تم تجميعها على المستوى الوطني.
وترى عائشة لفقير عضو جمعية صفر قمامة أن ما تتعرض له البيئة البحرية من تلوث يستدعي تدخلا عاجلا من الجميع، معتبرة أن دور المجتمع المدني أساسي في هذا المجال إلى جانب السلطات من خلال التوعية وإطلاق مبادرات.
“نحن نعمل جهدنا للتقليل من حجم هذه النفايات في شاطئ مدينتنا، لكننا نحتاج إلى إمكانيات مادية وبشرية أكبر”، تقول عائشة وأملها معقود على التنسيق مع المسؤولين والصيادين لحماية البيئة البحرية وتوسيع نطاق مبادرتهم وتأثيرها.
أما نادر فيأمل أن تصل فكرة جمعيته لسكان المناطق الساحلية في المغرب وخارجه، ويعتقد أن إطلاق مبادرات محلية لتنظيف الشواطئ وإعادة تدوير النفايات البحرية سيحدث التغيير المنشود.
وبنبرة متفائلة يقول “نتائج عملنا قد تكون محدودة اليوم أمام أطنان النفايات المتراكمة في أعماق البحار والشواطئ، لكننا نتوقع أن يكون أثرها مهما في السنوات المقبلة”.
المصدر: الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )