Share
  • Link copied

ما بعد زلزال الأطلس.. مُقترَحات لإعادة التأهيل والإعمار

بعد الخروج من محنة الزلزال نخرج من الجهاد الأصغر جهاد إنقاذ الأرواح و معالجة الجرحى، إلى الجهاد الأكبر جهاد إعادة الإعمار الذي يتطلب ميزانية ضخمة لتهيئة المجال عبر تشييد المباني و شق الطرق و توفير شروط الحياة الكريمة من ماء و كهرباء و تطبيب و تعليم، كما يتطلب كذلك تصورا استراتيجيا متكاملا يستحضر جميع التحديات المفروضة، ابتداء من التحدي الجيولو-جغرافي و ليس انتهاء بالتحديات السوسيو-ثقافية.

و إذا كانت الدولة قد أبانت عن قدرة فائقة في توفير الشروط المادية اللازمة للإنقاد و لإعادة الإعمار، و هذا ما يشهد به الداني و القاصي، فإن الحاجة تظل ماسة لتشكيل تصور استراتيجي لإعادة تأهيل المجال المدمر على إثر الزلزال، و هذا يتطلب توظيف ذكائنا الجماعي من خلال خلق نقاش عمومي حول طبيعة التصور الاستراتيجي الممكن لإعادة التأهيل و الإعمار.

و من خلال محاولة استقرائية للنقاش الدائر حول المسألة، فإن استراتيجيا الإعمار و إعادة تأهيل المجال المدمر على إثر الزلزال لا تخرج عن تصورين:

** تصور ينحو نحو الثبات، من خلال المحافظة على الوضع القائم، عبر إعادة إنتاج Reproduction نفس المجال بشروط تقنية و سوسيوثقافية أفضل، وذلك من خلال الدعم المباشر لإعادة تشييد المباني، و التخطيط لإعادة إحياء المجال المدمر على مستوى البنيات التحتية اللازمة. هذا التصور يتطلب رؤية واضحة تتجاوز إعادة الإعمار، من منظور تقني، إلى إعادة تهيئة المجال من منظور سوسيو-أقتصادي يستحضر خلق شروط حياة كريمة تبدأ بتشييد مباني آمنة و شق الطرق، و لا تنتهي بتوفير بنية تحتية صحية و تعليمية و ثقافية، مع ضرورة خلق نموذج تنموي ينسجم مع البيئة الجبلية.
على المستوى النظري، نتوفر على رصيد سوسيولوجي هام جدا أنتجته مدرسة السوسيولوجيا القروية في معهد السوسوسولوجيا، مع بول باسكون و جاك بيرك و عبد الكبير الخطيبي و نجيب بودريالة… هذا الرصيد الذي تم إهماله، لعقود، لأسباب إيديولوجية يجب إحياؤه اليوم باعتباره العتاد النظري الذي يمكنه مساعدتنا على إعادة تهيئة المجال القروي-الجبلي من منظور استراتيجي رصين.

** تصور ينحو نحو التغيير، و ذلك من خلال إحداث قطيعة مع المجال الجبلي، و تشكيل مجال جديد على شكل مراكز حضرية جامعة لسكان الجبال. و هذا التصور إجرائي و آمن و يوفر الشروط التنموية، خصوصا إذا استحضرنا التحديات التي فرضها مجال الجبل على الدولة، طوال تاريخ المغرب، ابتداء بتحدي الطرق الذي يتطلب ميزانية ضخمة للشق و الصيانة المستمرة، و ليس انتهاء بقساوة الطقس و صعوبة التضاريس. و هذه التحديات تزداد تعقيدا، اليوم، مع تحول المنطقة إلى بؤرة زلزالية نشطة.

البديل الآمن الذي يجب أن توليه الدولة اهتماما لائقا، هو التفكير في خلق مجال جديد يقطع مع فلسفة مجال الجبل و يؤسس لفلسفة مجال السهل، عبر خلق مراكز حضرية جديدة في السهول تكون بمثابة الامتداد المباشر للحواضر الكبرى، من مراكش إلى تارودانت و ورزازات.

المغرب يمتلك خبرة و كفاءة في هذا المجال، و هو منافس قوي على الصعيد العالمي، حيث تمكن، في غضون عقود قليلة، من خلق مدن جديدة من تامنصورت في مراكش إلى تامسنا في الرباط إلى بوسكورة في الدار الببضاء… بل تمكن المغرب من تسويق تجربته الرائدة في الامتداد الإفريقي الذي تشهد مدنه الجديدة على الكفاءة المغربية.

المشكل، إذن، ليس تقنيا البتة، و المغرب يمتلك الإمكانيات اللازمة لتنزيل هذا المشروع في وقت قياسي، المشكل الحقيقي سوسيولوجي صرف يتعلق بساكنة الجبال أولا و برؤية الدولة ثانيا.. و هذا ورش مفتوح يجب أن نوظف فيه ذكاءنا الجماعي بشكل ديمقراطي، طبعا، يسحضر المرجعية التواصلية (هابرماس).

باحث

Share
  • Link copied
المقال التالي