شارك المقال
  • تم النسخ

ماهية السياسي والقطاعي في صراع التعليم

إن الصراع الواقع اليوم في قطاع التعليم، بين الحكومة و المدرسين بخصوص النظام الأساسي الجديد، هو صراع قطاعي حول تحسين وتجويد النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وتجويده من أجل منظومة تربوية معاصرة تواكب متطلبات الثورة الصناعية الرابعة وتلبي احتياجات المواطنين من التعليم، وتساهم في الرفاه والازدهار الاقتصادي.

فالمشكل الأساسي ان قطاع التعليم هو قطاع متشعب، ويعرف اختلالات جمة وكثيرة ولا مناص من معالجتها، بهدوء وروية وفق رؤية واضحة وصريحة وتشاركية بين مختلف المتدخلين والمساهمين في القطاع.

فتثمين المجهودات المبذولة من طرف المدرسين ومختلف الفئات القطاعية مسألة أساسية وحيوية ضمن المنظومة التربوية، فالاصلاح يتطلب رؤية واضحة وصريحة وتشاركية كما سبق الذكر، وطريقة تنزيله تتطلب القدرة على قيادة التغيير ومعالجة المقاومة، من أجل تنزيل سلس ومرن ومقبول من طرف الجميع.

فاعتماد المقاربة التقنية في الاصلاح هي مقاربة محدودة جدا ولا تحقق الأهداف المرجوة من الاصلاح المنشود، فالاصلاح المطلوب هو اصلاح استراتيجي بامتياز، وتنزيل هذا الأخير يتطلب شيئين أساسين :

أولا : الرؤية الناقدة والمتبصرة التي ستوضح مالغاية من الإصلاح؟ ولماذا هذا الإصلاح؟ وما التوقيت والزمن المناسب للاصلاح؟ …، وثانيا : المقاربة التقنية التي ستبين كيفية تنزيل هذا الاصلاح وقيادة تغييره من أجل تحقيق تغيير فعال وناجع في المنظومة التربوية.

فقيادة التغيير في القطاع التعليمي تتطلب ان تشمل ست أبعاد أساسية وهي : البعد الشخصي(المدرس) ، البعد العلائقي (علاقة المدرس بالمحيط وبالمدرسة)، البعد الجماعي (علاقة المدرسين بباقي فئات القطاع)، البعد التنظيمي ( المساطر والاجراءات والدلائل،….) البعد المؤسسي (القوانين والمراسيم، والاستراتيجيات،…) واخيرا البعد الثقافي (ويشمل نظرة المجتمع لقطاع التعليم والمعلمين والمتعلمين،…)، فبدون تنزيل هذه الأبعاد إضافة إلى الرؤية الناقدة والمتبصرة والغائية، من اصلاح منظومة التعليم تبقى المقاربة التقنية الصرفة محدودة جدا.

إن إصلاح التعليم هو بمثابة المؤشر للمستقبل الذي نريد الولوج إليه، والذي نسعى من خلاله إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والرفاه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومواكبة النموذج التنموي العالمي، وركوب موجات التغيير، وبالتالي فلكل اصلاح تكلفة وضريبة على ميزانية الدولة، ولا شك أن السبيل الوحيد لتقدم الدول وازدهارها هو التعليم.

فالأمثلة كثيرة وعديدة في هذا المجال، منها أندونيسيا، تركيا، ماليزيا، سنغافورة،… كل هذه الدول استثمرت في التعليم، وفي اصلاح القطاع التعليمي وتحفيز الموظفين، وخلق بيئة العمل المناسبة للرفع من الإنتاجية والمردودية، لانها في الاخير هي من ستساهم بشكل مباشر في رفع الناتج المحلي الإجمالي للدولة والذي سينعكس على الدخل الفردي للمواطن، هذا على المستوى العام والاجمالي.

أما صراع التعليم اليوم كما تحاول بعض الجهات المعنية تحويله من صراع مطالب اجتماعية تهم الشغيلة التعليمية الى صراع سياسي من أجل تصفية حسابات سياسية وايديولوجية، عفا عنها الظهر وسلف، تبين أن المتتبع للأحداث جيدا يدرك ان الصراع بدأ يتحول ويتوجه من صراع لتحقيق المكتسبات والحفاظ عليها وتجويدها الى صراع للمنافسة واستبدال رقعة الملعب بمبدإ اكون او لا اكون وهذا غير مقبول بتاتا.

فبعض الجهات الفاعلة في الاحتجاج والرافضة للنظام الأساسي الجديد لموظفي وزارة التربية الوطنية، تحاول الضغط على الدولة لتحقيق المطالب، ولكن بخلفيات تسعى للتأزيم والتغذية من منطلقات شخصية أو حزبية أو ايديولوجية، وتفجير اللعبة من الداخل والأغلبية غير مدركة بما لا يكفي للعبة الكاملة، ومنساقة وراءها تأخدها الحماسة والاندفاع، ومؤمنة إيمانا راسخا ان هذه هي الطريقة الوحيدة للدفاع عن المطالب المشروعة.

إن الصراع القائم اليوم يتجه لأن يصبح أوسع وسياسي، ويأخذ من المطالب المشروعة للشغيلة التعليمية، التي حققت نجاحا في بعض المكتسبات، إلى ان يصبح مطية للجهات الفاعلة في الاحتجاج، للركوب عليه وتحقيق اهدافها ومصالحها، ضربا بعرض الحائط البقية واعتماد سياسة الارض المحروقة، وتفجير اللعبة من الداخل وبالتالي يبقى الخاسر الأكبر هم الأساتذة.

خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي