قال الكاتب في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، رينو جيرار، إنه بعيداً عن الاختلافات الأيديولوجية بين أمريكا وإيران، هناك اليوم تقارب تكتيكي حقيقي بين هاتين القوتين لتجنب خوض الحرب.
وأشار جيرار إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 47 آخرين يوم 28 يناير 2024، في هجوم على قاعدتهم داخل الأراضي الأردنية الواقعة في الطرف الشمالي الشرقي من البلاد، والمسؤولة عن مراقبة الميليشيات الجهادية العاملة في مناطق قريبة جدا من سوريا والعراق.
فقد تعرضت القاعدة الأمريكية هذه لهجوم بطائرة مسيرة مفخخة، نفذته ميليشيا “المقاومة الإسلامية في العراق“، القريبة أيديولوجياً من الملالي الإيرانيين. تمكّن رجال الميليشيات من استخدام الخداع لاختراق الدفاعات المضادة للطائرات في القاعدة، حيث انتظروا عودة طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار قبل إطلاق طائرتهم، من أجل خلق ارتباك بين “مشغلي الرادارات” المناوبين.
وعلى غرار الحوثيين في اليمن، تنتقد الميليشيات الشيعية في العراق، الأمريكيين بسبب دعمهم السياسي والعسكري للغزو الإسرائيلي لقطاع غزة منذ أكتوبر الماضي. ولم ينجح الجيش الإسرائيلي حتى الآن في القبض على قادة حماس العسكريين أو تحرير المحتجزين، لكنه دمر بالقنابل الأمريكية، جزءاً كبيراً من المنازل، مما دفع غالبية المدنيين الفلسطينيين إلى النزوح.
اعتبر جيرار أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أراد من العمليات الانتقامية المكثفة التي نفذها الجيش الأمريكي يوم الثاني من فبراير الجاري، أن يُظهر للناخبين الأمريكيين أنه سيدافع دائماً بأكبر قدر من الحزم عن حياة جنودهم، وإرسال رسالة واضحة إلى جميع ميليشيات في الشرق الأوسط التي انضمت أو تريد الانضمام إلى محور المقاومة ضد إسرائيل الذي ترعاه طهران.
وقد تأخرت هذه الضربات الأمريكية في العراق وسوريا لإتاحة الوقت للمستشارين الإيرانيين المحتملين المنتشرين مع هذه الميليشيات للمغادرة. وقبل أن يبدأ زيارته الخامسة إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب على غزة، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها لمنع تصعيد الصراع، وأنها لا ترغب في الحرب مع إيران. وفي الخامس من فبراير الجاري، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أيضا أن بلاده لا تريد التصعيد، وأنه ليس لديها “وكلاء” في المنطقة.
ورأى جيرار أن إيران ترغب في نزع فتيل الاتهامات الموجهة إليها بمهاجمة المصالح الغربية عبر وسائل غير مباشرة. وليس من الخطأ أيضا أن تتمتع ميليشيات الشرق الأوسط القريبة أيديولوجياً من طهران باستقلالية معينة في اتخاذ القرار. على سبيل المثال، الهجوم الذي شنه حزب الله اللبناني يوم 12 يوليو 2006 ضد دورية تابعة للجيش الإسرائيلي (والذي أدى إلى حرب مدمرة استمرت 33 يوماً) لم يكن قد تم تقديمه إلى إيران للموافقة عليه. الشيء نفسه بالنسبة لهجوم حماس يوم السابع من أكتوبر الماضي، كما يُشير الكاتب.
ومن الناحية الأيديولوجية -يتابع الكاتب- يوجّه الملالي الاتهامات لأمريكا، من خلال منطق من خطوتين. فبالنسبة لهم، إسرائيل دولة غير شرعية ناتجة عن الظلم الاستعماري، الذي تستخدمه أمريكا “كوكيل” لزعزعة استقرار المنطقة بأكملها. ولكن بعيداً عن الاختلافات الأيديولوجية بين أمريكا وإيران، هناك اليوم تقارب تكتيكي حقيقي بين هاتين القوتين لتجنب خوض الحرب. لقد أدرك كلاهما أنه ليس هناك أي شيء يكسبانه على الإطلاق.
أما إيران فقد بلغت بالفعل قمة السعادة الدبلوماسية دون أن تخسر جندياً واحدا، و بعد أن قُدمت لها الحرب في غزة كهدية على طبق من فضة، وأعادت إليها قيادة غير متوقعة في الشرق الأوسط، وجعلت العالم ينسى دورها المثير للجدل في سوريا. كما تراجعت السعودية التي تصالحت معها عبر الصينيين عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وتدرك إيران تماماً تكلفة “صداقتها” مع الصين وروسيا. ويرغب نظامها الثيوقراطي سراً في إبرام “صفقة كبرى” مع الأمريكيين، حيث يتم وضع كل شيء على الطاولة: الطاقة النووية، والعقوبات والبنية الأمنية الجديدة للشرق الأوسط. ويضيف جيرار أن الملالي يريدون الحفاظ على طبيعة نظامهم، لكنهم يريدون أن تصبح إيران قوة تجارية كبرى مرة أخرى، على الأقل للحد من استياء شبابها. وفيما يتعلق بما يسمونه “الكيان الصهيوني”، لديهم مخرج خطابي جاهز: “سنتبع في كل الظروف ما يقرره الفلسطينيون”.
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم تحصين الديمقراطيين الموجودين في السلطة منذ فترة طويلة ضد التدخلات العسكرية للمحافظين الجدد في أرض الإسلام، والتي من المفترض أن تجلب السلام من خلال إقامة ديمقراطيات على النمط الغربي. في مواجهة دونالد ترامب، الذي من المحتمل أن يواجهه انتخابيا، لا يريد جو بايدن الظهور كرئيس متشدد. وإذا سمحت له الظروف، فإنه يود أن يقدم نفسه، في غضون ستة أشهر، للناخبين الأمريكيين، باعتباره الرجل الذي نجح في تطبيع العلاقات مع طهران، بعد خمسة وأربعين عاماً من القطيعة.
وأنهى رينو جيرار مقاله بالقول إن العداء الإسرائيلي- الإيراني، والأمريكي- الإيراني ليس له جذور في التاريخ ولا في الجغرافيا، فهو عداء مصطنع، يتغذى على اعتبارات سياسية داخلية لدى الجانبين. والاستراتيجيون أصحاب الرؤية طويلة المدى يعرفون ذلك جيداً، في واشنطن، وفي تل أبيب، كما في طهران.
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )