Share
  • Link copied

لم يكن “أرضا فارغةً” قبل الفينيقيين.. حفريات موقع “كاش كوش” الأثري بواد لاو تُفنّد السّردية التاريخية عن المغرب

في تطوّر علمي بارز، كشف بحث جديد، أن هناك أدلة قطعية، تؤكد أن المغرب لم يكن “أرضا فارغة” قبل الاحتلال الفينيقي لشمال إفريقيا، عكس السردية التاريخية التي تتحدث عن ذلك.

جاء ذلك في بحث علمي أشرف عليه مجموعة من الباحثين المغاربة والأجانب، ونشر على مجلة “Antiquity” المتخصصة في علم الآثار، التابعة لجامعة “كامبريدج” البريطانية، بعنوان: “Rethinking late prehistoric Mediterranean Africa: architecture, farming and materiality at Kach Kouch, Morocco”.

وقال حمزة بنعطية، رئيس الفريق البحثي الذي أشرف على الدراسة، في مقال نشره على موقع جامعة “كامبريدج” البريطانية، إن التفكير في العصر البرونزي والعصر الحديدي المبكر، في البحر الأبيض المتوسط، يحيل على المجتمعات المزدهرة في أوروبا وشرق المتوسط، وهي المناطق التي عرفت بشباكتها التجارية وإنجازاتها المعمارية وابتكاراتها الثقافية، لكن “ماذا عن الجانب الإفريقي من المتوسط؟”.

وأضاف بنعطية، في مقاله الذي يستعرض فيه خلاصات البحث العلمي الذي نشر على مجلة “Antiquity”، أنه “على الرغم من قربها الجغرافي واتصالاتها الطبيعية، فقد غاب المغرب لفترة طويلة عن السرديات التاريخية، ووصفها خطأً بأنها أرض فارغة قبل وصول الفينيقيين حوالي سنة 800 قبل الميلاد”، متابعاً أن أبحاث الفريق في موقع “كاش كوش” الأثري شمال غرب المملكة، تحكي قصة مختلفة.

وأوضح بنعطية، في المقال نفسه، أن البحث العلمي الذي أجراه رفقة فريق مكون من حوالي 25 فرداً، يؤكد وجود “قصة الابتكار المحلي والتكيف والتكامل داخل العالمين الأسوع في المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط”، متابعاً أن “كاش كوش” يقع على قمة نتوء من الحجر الجيري يطل على وادي “واد لاو” القريب من مدينة تطوان.

ويوفر “كاش كوش”، حسب الباحث نفسه، “نافذة على الحياة بين عامي 2200 و600 قبل الميلاد، حيث يتمتع بموقع استراتيجي بالقرب من مضيق جبل طارق، وهو بوابة رئيسية تربط بين إفريقيا وأوروبا، وكذلك البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”، مبرزاً أن الحفريات التي عثروا عليها، تكشف عن ثلاث مراحل مميزة من المجتمع.

واسترسل الباحث، حسب ما جاء في موقع جامعة “كامبريدج” البريطانية، أن المرحلة الأولى بين 2000 و2200 سنة قبل الميلاد، وهي ممثلة في عدد حفريات ضئيل، ولكنه مهنم على الرغم من ندره، إلا أن الأدلة تشير إلى تواجد بشري متزامن مع انتقال العصر النحاسي/البرونزي في شبه الحزيرة الإيبيرية المجاورة.

وبعد مرحلة انقطاع، يقول الباحث، تشكل المرحلة الثانية بين 900 و1300 سنة قبل الميلاد، فصلا نابضا بالحياة في تاريخ الموقع، حيث كانت “كاش كوش” خلالها، موطناً لمجتمع زراعي مستقر، وهو أول دليل قاطع على الحياة المستقرة التي سبقت الوجود الفينيقي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في المغرب.

وهنا، يقول الباحث في المقال نفسه، إن المنازل المصنوعة من الطين والأدوات المنحوتة من الصخر وأحجار الطحن، تكشف عن “اقتصاد زراعي مزدهر يعتمد على محاصيل مثل الشعير والقمح والفاصوليا بالإضافة إلى الأغنام والماعز والماشية.

أما المرحلة الثالثة، والتي كانت بين 600 و800 سنة قبل الميلاد، فقد أوضحت، حسب الباحث نفسه، مرونة سكان “كاش كوش” وقدرتهم على التكيف، حيث عرفت إدخال ابتكارات ثقافية من شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الفخار المصنوع على عجلات، وأدوات حديدية وتقاليد معمارية.

وأبرز أن أحد الهياكل الرائعة من هذه المرحلة يجمع بين تقنيات الطين المحلية، وقاعدة حجرية مستوحاة من الفينيقيين، مضيفاً أن هذا الاندماج بين الممارسات المحلية والأجنبية، يوضح كيف انخرط المجتمع بنشاط في شباك التبادل المتوسطي، ودمج التأثيرات الجديدة مع الاحتفاظ بهويته المميزة.

وأكد الباحث، أن حفريات “كاش كوش” تتحدى الافتراضات الراسخة منذ فترة طويلة حول ماضي المغرب ما قبل التاريخ المتأخر، وتبرز كواحدة من أولى الأمثلة الموثوقة جداً للاستيطان المستمر في المنطقة، وتوفر لمحة نادرة عن حياة المجتمعات المحلية على مدى أكثر من ألف عام.

وذكر بنعطية، أنه لعقود من الزمان، كانت هذه المنطقة؛ أي المغرب، ترى على أنها هامشية في سياق تاريخ البحر الأبيض المتوسط، حيث ركزت الدراسات على المناطق المجاورة، غير أن أدلة “كاش كوش” تحكي قصة متجمعات محلية ديناميكية كانت بعيدة كل البعد عن العزلة.

وشدد الباحث على أن النتائج التي خلصت إليها دراسة اكتشافات “كاش كوش”، تساهم في موجة متنامية من البحوث الأثرية التي تسعى إلى تصحيح هذه التحيزات التاريخية، ووضع المغرب في مكانه الصحيح كمشارك نشط في الشبكات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبحر الأبيض المتوسط، من خلال الكشف عن قصص هذه المجتمعات المحلية، معرباً عن أمله في أن تكون الدراسة حافزا للمزيد من البحوث في التاريخ الغني والمترابط لإفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

Share
  • Link copied
المقال التالي