يحتاجوننا نحن المحامين، كل الناس، ويلجأون إلينا من أجل أن نتعب ونضحي بأعصابنا وأوقاتنا وأعمارنا ، من أجل أن نأتي لهم بحقوقهم الضائعة وتعويضاتهم المستحقة وحرياتهمم المفتقدة وفي النهاية يسبوننا ويشتموننا ويحقدون علينا، ونحن منهم وإليهم ،مواطنين عاديين يسري علينا ما يسري عليهم، نكرس حياتنا من أجل نصرة المظلومين، مناضلين من أجل الحرية والعدالة وإرساء الديمقراطية وسيادة دولة الحق والقانون، المحامي هو ذلك الإنسان الذي يظل طيلة حياته بين جلسة وأخرى، محملا بأثقال الملفات متحملا المسؤولية مع نكران الذات ناسيا نفسه مهملا أبناءه وعائلته غير مهتم بصحته، فجلنا مريض بمرض السكري وضغط الدم بسبب القلق وشذ الأعصاب لا يرتاح ليلا أونهارا يفكر في الإجال والإجراءات وهو نائم، ينهض من فراشه ليلا وهو متوجس من ضياع حق متنقلا من مدينة الي قرية قاطعا ألاف الكيلومترات معرضا نفسه لمخاطر الطريق، وقد مات منا مئات المحامين في حوادث سير أو بسبب سكتة دماغية أو قلبية، في سبيل أداء الواجب .
المحامون عبر العالم هم من دافعوا وناضلوا من أجل الديمقراطية وارتبطت بهم جل الوجوه التقدمية التي قاومت الظلم وناضلت ضد الاستعمار عبر التاريخ السياسي المغربي والعالمي ، من أجل تحرير الأوطان أمثال الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والأستاذ بنجلون والأستاذ بوستة والرئيس الهندي المهاتما غاندي وجواهر لآل نهرو وقد كان المحامون دائما في الطليعة في كل الاحتجاجات والانتفاضات المدافعة عن حقوق الإنسان، فقد خرجوا في أواسط الالفينيات بباكستان معرضين أنفسهم للخطر والاعتقال والموت أمام النظام الديكتاتوري للجنرال العسكري برويز مشرف دفاعا عن القاضي شودري رئيس المحكمة العليا المقال، وأشعلوا الثورة في تونس وخرجوا ضد الولاية الخامسة لبوتفليقة في الجزائر ببذلهم على رأس الاحتجاجات.
فلماذا يستكثرون علينا أن نعيش بشرف وكرامة، فنحن لا نحمل خزينة الدولة أي أعباء، فلسنا موظفين ننتظر أجورنا في ارتياح على رأس كل شهر ، بل أن خزينة الدولة تستفيد من أرقام ومبالغ مهمة مما يؤديه المحامون كواجبات ضريبية، ونحن كالشمع نذوب من أجل إنارة الآخرين وعندما يمرض أحدنا لا يجد تقاعدا مريحا يحميه من تقلب الأزمان و الدهور .
ونحن مع ذلك نهب للدفاع متطوعين للدفاع عن حالات الاعتقال التعسفي وعن المناضلين الحقوقيين والمعتقلين السياسيين وكل الحالات الإنسانية التي تحتاج للمساعدة، ومع ذلك لا نعلم أحدا بذلك أو نتباهى به أمام الملأ، لأن ذلك يعتبر من صميم مهنة المحاماة النبيلة.
يستكثر علينا المنتقدون أن نعيش بكرامة دون احتياج، ويستكثرون علينا أخذ اتعابنا ومستحقاتنا وكأنه يجب علينا أن نقدم خدماتنا للجميع بدون مقابل، والاغلب منهم لا يستطيع التصدق أو التخلي عن شهر واحد من دخله، ومع ذلك يتهموننا بالجشع والطمع، ومنا من مات دون أن يترك وراءه لأبنائه أو أهله ما يورث.
أما فيما يتعلق باحتجاج المحامين يوم الجمعة الفائت بتاريخ 2020/06/19 فهو احتجاج من أجل الكرامة، وجل التعليقات التي تتهم المحامين بخرق الحجر الصحي هي تعليقات واهية، لأنها لم تفهم السياق الذي جاء فيه، هذا الخروج، والتظاهر، والذي كان انتفاضة من أجل العرض والشرف، وانتفاضة قبل كل شيء من أجل القانون، وحماية حقوق ومصالح ووثائق المواطنين من الضياع، والحفاظ على أسرارهم، وليس احتجاجا فقط من أجل شخص المحامي الذي انتهكت حرمة مكتبه، إنه احتجاج ضد تعسف وشطط السلطة، لأن السكوت على هذا السلوك بداعي الحجر الصحي، قد يجعل منه قاعدة وسلوكا عاديا يهان فيه المحامي وتهان مهنته على الدوام، فالشعار كان هو الموت ولا المذلة، لأنه يجب على من ينتقد أن يضع نفسه مكان المحامي.
تصوروا اذا انتهك اللصوص ليلا داركم وعرضكم وشرفكم وسرق مالكم ماذا كنتم فاعلين، ألا تنتفضون وتهبون للدفاع عن عرضكم ولو أدى ذلك لهلاككم، من لم يدافع عن شرفه وعرضه وأرضه لا يستحق الحياة.
المحامون هبوا للدفاع عن كرامتهم ولو أدى ذلك الى المخاطرة بحياتهم، ولو هددهم الفيروس بالموت.
لماذا يلجأون إلينا ويحقدون علينا ويحتاجوننا ويشتموننا.
إنه الانفصام النفسي والنفاق الاجتماعي الذي يعيشه الإنسان العربي الذي لا يؤمن إلا بالقهر والقوة والاستعباد.
لا يمكن وضع الجميع طبعا في سلة واحدة، فهناك المتنورون الواعون وهناك الأميون الجاهلون .
أننا مجرد مواطنين، من أبناء هذا الوطن قد نكون يوما أبناءكم أو إخوانكم أو آباءكم أو أصهاركم أو جيرانكم، إننا منكم وإليكم، نحاول أن نؤدي ما يمليه علينا الضمير المهني ونقوم بما يفرضه علينا الواجب الأخلاقي.
عاشت مهنة المحاماة مهنة شريفة حرة صامدة مستقلة مناضلة من أجل الحق وتحقيق العدالة وإرساء قيم الحرية والديموقراطية مدافعة عن عن دولة الحق والقانون.
*محام بهيئة القنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )