أن يحتفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأسماء زعماء وطنيين وقادة حركات تحرر من الاستعمار لعشر دول من القارة الأفريقية، فهذا شيء محمود طبعا من دولة كبيرة مثل روسيا التي طالما كانت سندا لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث، لكن أن يذكر بوتين أسماء هؤلاء القادة العشر دون أن يكون من بينهم اسم بطل مغربي واحد في مواجهة الاستعمار، وما أكثرهم، فهذا دليل على أن المياه لا تجري بشكل جيد تحت جسر العلاقات بين روسيا والمغرب.
لماذا نقول هذا الكلام ؟
أولا، لأن البلدان العشر التي ذكر فلاديمير بوتين أسماء قادتها التاريخيين، المكتوبة بعناية في ورقة الخطاب، وهي بالترتيب الذي ذكره بوتين: الكونغو – مصر – جنوب أفريقيا – الجزائر – ليبيا – غانا – الموزمبيق – السنغال – زامبيا – تنزانيا، هي بلدان ارتبط كفاح أكثر زعمائها بنموذج الكفاح الوطني المغربي، فشكلت ثورة الريف على الخصوص مصدر إلهام لكل هؤلاء الزعماء والقادة الثوار، فضلا على أن أكثر هذه البلدان تلقت بالفعل مساعدات جمة في معركة استقلالها، سواء من طرف الدولة أو من طرف الحركة الوطنية، وبالتالي فإن كفاح هذه البلدان مرتبط بشتى الصور، مع النضال المغربي من أجل التخلص من نير الاستعمار.
ثانيا، لقد كان الملك محمد الخامس بطلا وقائدا ملهما في عيون الأفارقة تماما كما كان محمد بن عبد الكريم الخطابي والمهدي بنبركة، ولم يكن محمد الخامس والخطابي وبنبركة زعماء كفاح وطني فقط، أو قادة للتحرر من الاستعمار في القارة الإفريقية فقط، بل تحولوا إلى رموز أممية ساهمت بقسط وافر في إرساء دعائم النزعة التحررية لدى العديد من حركات التحرر في العالم الثالث والتوجهات الداعمة لها في أوربا والغرب.
ثالثا، وهذا في غاية الأهمية، لا يمكن أن يغيب عن ذهن بوتين، أو فريق إعداد الكلمة الموجهة إلى القادة الأفارقة المشاركين في القمة الروسية الأفريقية، أسماء أبطال التحرير في المغرب بما يمثلونه من ثقل في تاريخ حركات التحرر العالمية، ما يعني شيئا واحدا، هو أنه تم تجاهل ذكر الرموز المغربية في كلمة الرئيس الروسي.
لماذا نتحدث هنا عن التجاهل ؟
أولا، لقد بدا الرئيس بوتين حريصا على إعلان الاحتفال بأسماء القادة الأفارقة التاريخيين، وأكد على وجوب استحضارهم وعدم نسيانهم، وقرأ الأسماء من الورقة المكتوبة أمامه بعناية.
ثانيا، هذا التجاهل من طرف بوتين قد يحمل في طياته رسالة ما إلى المغرب، وهي أن روسيا قد قامت بإرضاء الطرف المغربي عندما استثنت جبهة البوليساريو من حضور القمة، لكنها غير راضية في نفس الوقت عن مستوى العلاقات مع المغرب الذي ترى فيه روسيا مفتاحا استراتيجيا على المستويين الإقليمي والدولي، حيث اختيارات المغرب على مستوى السياسة الدولية لم تضبط إيقاعها أبدا على “الكالينكا” الروسية، وبالتالي فقد يكون تجاهل بوتين للقادة المغاربة التاريخيين، نوعا من التحفيز على ضرورة المرور إلى مرحلة أخرى من العلاقات بين البلدين، قوامها الاعتراف الكامل لكل طرف برمزية الطرف الآخر ومكانته وقيمته التاريخية والسياسية، هذا الاعتراف الذي يمر حتما عبر الاصطفاف الحالي في الصراع الدائر على الحدود الروسية الأوكرانية من جهة، وبين أطرف المواجهة الغربية الروسية من جهة أخرى، هذا بالنسبة للمصالح الروسية.
أما المصلحة المغربية الثابتة والمطلقة فتتمثل في اعتراف روسي صريح بمغربية الصحراء أو على الأقل بمشروع الحكم الذاتي كحل دائم لإنهاء الصراع في هذا الملف، ومن ثم دفع الطرف الروسي إلى نقص دعمه التاريخي للمناورات الجزائرية.
ثالثا، لا يمكن وضع تجاهل بوتين المتعمد، في خانة “التجاهل الإيجابي”، أو “التجاهل الحميد” هذا المصطلح الذي اخترعه السياسي الأمريكي ديفيد باتريك موينيهان الذي عمل مستشارا للسياسات المحلية للرئيس ريتشارد نيكسون، وأراد موينيهان بهذا المصطلح إبعاد نيكسون عن التورط في الصراعات العرقية الداخلية في الولايات المتحدة.
ولو كان تجاهل بوتين “حميدا” لما تم الاحتفاء برموز من شمال إفريقيا من أمثال جمال عبد الناصر وعمر المختار وأحمد بن بلة، دون المرور على المغرب !
والله أعلم!
تعليقات الزوار ( 0 )