Share
  • Link copied

لجنة النموذج التنموي الجديد تحدد “المعيقات الأربعة” لتراخي مصادر التنمية

حدّدت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، في تقريرها العام الذي تم تقديمه، أمس (الثلاثاء) إلى العاهل البلاد، بالقصر الملكي بفاس، أربعة معيقات نسقية أساسية، تعتقد أنها تكبح التنمية المغربية.

وقالت اللجنة، إن هذه المعيقات، بما طبعها من استمرارية أو تفاقم خلال العقد الأخير، ساهمت في تعميق التفاوت بين وعود السياسات العمومية والمعيش اليومي للمواطن في تغذية ضبابية الأفق المنشود.

وأكدت اللجنة أن ضعف الثقة في المؤسسات، أفضى إلى نوع من انطواء الفاعلين على ما هو خاص وذاتي بدلا مما هو جماعي حول أهداف واضحة.

غياب رؤية تنموية شاملة

ويتجلى العائق الأول، في غياب رؤية تنموية شاملة ومندمجة تشكل محددا لضمان التقائية وانسجام الاختيارات وتيسير التملك الجماعي لرهانات التنمية من قبل مختلف الأطراف المعنية.

كما يعزى ضعف تقيد الفاعلين بأدوارهم، حسب اللجنة ذاتها، إلى وجود مناطق رمادية تحيط بتوزيع المهام والمسؤوليات بين المستويين الاستراتيجي والتنفيذية، علاوة على ضعف آليات تنسيق التدخلات العمومية الذي يغذي ضعف الانسجام والإلتقائية.

الاقتصاد الوطني يحمي حالات الريع

ويتعلق العائق الثاني بتعثر التحول الاقتصادي، بسبب ضبط غير كاف للحقل الاقتصادي، مما يحد من القدرة على خلق قيمة مضافة من قبل وافدين جدد يتسمون بروح المبادرة والابتكار والتجديد، سواء على المستوى القطاعي أو الترابي.

ورغم الجهود المبذولة في مجال تحرير الاقتصاد والانفتاح، فإن سير الاقتصاد الوطني تطبعه اختلالات و عراقيل تقف في وجه المنافسة الحرة وتحمي حالات الريع أو مراكز النفوذ.

كما يتفق الفاعلون والخبراء، على أن الاقتصاد الوطني ليس مفتوحاً ومحررا بالقدر الكافي ويفيد مصالح اقتصادية قائمة ويحمي حالات الريع.

ومن جانبه، يضيف التقرير، فإن نظام التحفيزات العمومي يسهم في جعل الفاعلين الاقتصاديين يفضلون الأنشطة الريعية والمحمية، كما لا يوفر هذا النظام حوافز كافية للأنشطة المبتكرة المنتجة أكثر للقيمة المضافة، ولا للمقاولات الصغرى والمتوسطة، بما فيها الصناعية، التي تنشط في المجالات الترابية.

ويتمثل العامل الآخر الذي يحد من خلق القيمة المضافة في الممارسات غير النزيهة لمقاولات تعمل جزئياً أو كليا في القطاع غير المهيكل قصد التهرب من التزاماتها القانونية والجبائية والاجتماعية.

سيادة ثقافة الامتثال داخل الإدارة المغربية

ويتجلى العائق الثالث في القدرات المحدودة للقطاع العمومي فيما يخص تصور وتنفيذ سياسات وخدمات عمومية ذات جودة ومتاحة للجميع تهم المجالات الأساسية للحياة اليومية للمواطنين ورفاهيتهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن سيادة ثقافة الامتثال داخل الإدارة، بدل ثقافة الريادة وحسن الأداء، تولد الإحباط ولا تشجع على المبادرة وعلى الإنتاج التلقائي للأفكار والمشاريع.

وفي مرحلة التنفيذ، يبدو أن قيادة الاستراتيجيات والسياسات العمومية تتم أساسا حسب منطق الوسائل، ولا تتم وفق منطق تتبع النتائج بشكل كاف، مما يجعل مسألة الانشغال بمفعول هذه السياسات وبحسب أدائها، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو على مستوى البيئي، مسألة ثانوية.

البيروقراطية وتعقيد المساطر الإدارية

ويتعلق العائق الرابع بالشعور بضعف الحماية وعدم القدرة على التوقع الذي يحد من المبادرات بسبب الهوة ما بين بعض القوانين التي تخللها مناطق رمادية والواقع الاجتماعي، قضاء يعاني من انعدام الثقة إضافة إلى ثقل البيروقراطية وتعثر سبل الانتصاف.

وحسب اللجنة، فإن عبء البيروقراطية وتعقيد المساطر الإدارية والعدد المرتفع للتراخيص المطلوبة كلها تحد من دينامية المقاولة ومن أخذ المبادرة، بالنظر لارتفاع تكلفة المعاملات التي تنتج عنها، وتعاني المبادرة الخاصة أيضا من التفاوت القائم بين بعض المساطر وبين الواقع الاقتصادي وضرورات التنمية.

وأشارت اللجنة ذاتها، إلى أن هناك إشكالات أخرى هامة، بالإضافة إلى ما سبق، تفاقم من ضعف مردودية السياسات العمومية، ومن بينها بطء مسار اللامركزية واللاتمركز ، والآجال الطويلة لسن القوانين ونصوصها التطبيقية و الغياب المتواتر لتقييمها القبلي، بالإضافة إلى ضعف ثقافة تقييم السياسات العمومية.

ويرتكز النموذج الجديد الذي يندرج في إطار المهام التي أوكلها الملك إلى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، على التاريخ العريق للمملكة، الذي ساهم في تشكيل الهوية الوطنية وإغنائها بفضل الروافد الثقافية المتعددة، والارتقاء بالمواطن المغربي كفاعل مستقل قادر على الأخذ بزمام أموره.

ويشكل النموذج الجديد منهجية أخرى لتصور التنمية بكونها أكثر تشاركية. وتوضح هذه المنهجية بأن “النقاش الصريح والمسؤول” حول مستقبل البلاد أمر ممكن مع المواطنين والفاعلين في مجال التنمية. وأنه بإمكان هذا النقاش أن يفضي إلى اقتراحات بناءة وملائمة للواقع.

وقد مكنت هذه المقاربة أيضا من الوقوف على الرغبة الملحة للمشاركة والاندماج والاستقلالية خاصة من طرف الشباب الذين يتوقون للتمكين من أجل تقرير مسار حياتهم بأنفسهم، حيث يقترح النموذج مسار تنموي جديد ودعوة عامة للتعبئة الشاملة والعمل والتفاني قصد بناء المغرب الذي يطمح إليه المغاربة.

Share
  • Link copied
المقال التالي