Share
  • Link copied

لا أحد فوق المساءلة مهما علت درجته الوظيفية (ملف الحسيمة منارة المتوسط نموذجا)

أعاد إقصاء وزير الثقافة الحالي والسابق ووزراء آخرين في التعديل الحكومي الأخير إلى الأضواء موضوعة المساءلة وحدود تطبيقها وقد علقت قبل أيام على الحدث الأخير بالقول على صفحتي الفايسبوكية “مهما كانت التفسيرات فإن إقصاء وزير بهذه السرعة والحسم هو رسالة مدوية بأن لا جهة قادرة على تحصين المناصب وتحفيظها في أسماء شاغليها”.

وفيما يلي استذكار وتأمل في الحادثة المفصلية التي بمقتضاها يمكن فهم ما يليها إنها حادثة الحسيمة منارة المتوسط:

بتاريخ 2 أكتوبر 2017 قرر الملك محمد السادس إحالة ملف برنامج الحسيمة-منارة المتوسط-على محكمة الحسابات وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشأن هذا الملف بالطريقة التي تمت وبالنتائج التي تم الإعلان عليها. وقد جاء القرار الملكي المفاجئ المتعلق بإعفاء وزير المالية الصادر بتاريخ فاتح غشت 2018 ليعيد إلى الأذهان القرارات الملكية الناتجة عن التحقيق في ملف برنامج الحسيمة منارة المتوسط وليحفز على استكشاف مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وكيفيات تفعيله في السياق المغربي.  وهذا ما أعاد التأكيد عليه قرار إعفاء وزير الثقافة الحالي والسابق لتقصيرهما الفاضح في أداء عملهما وما برر كذلك التعديل الحكومي السابق.

وعلى ضوء ذلك، كانت هذه القراءة التأملية المتأنية لمسلسل تطبيق مبدإ المحاسبة والمساءلة بشأن برنامج التنمية المعروف باسم برنامج الحسيمة “منارة المتوسط” من أجل استكشاف العناصر الأساسية لهذه العملية التي دشنت لمرحلة مفصلية في تدبير الشأن العام السياسي والإداري في المغرب، وكذا استخلاص الدروس وتقديم توصيات من أجل المستقبل.

الإجراءات المتبعة والقرارات المتخذة

من خلال قراءة بلاغات الديوان الملكي؛ وبلاغات محكمة الحسابات؛ والقرارات الملكية العقابية وكذا الأفكار والرسائل التي انطوت عليها نصوص ورموز الإجراءات الملكية، يمكن تلمس التوجه العام وتتبع خيوط الممارسة المغربية الجديدة في مجال تفعيل مبدأ المحاسبة والمساءلة وفقا للتسلسل التالي:

إجراءات التحقيق والتقييم والنتائج المتوصل إليها

تنفيذا لأمر ملكي صدر إليهما أجرت المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية التابعة لوزارة المالية تحريات مشتركة بهدف كشف ملابسات تنفيذ المشاريع المكونة لبرنامج الحسيمة “منارة المتوسط”، وبعد توصل الملك بنتائج وخلاصات تلك التحريات قرر إحالة الملف إلى محكمة الحسابات في إطار اختصاص هذا الأخير في مجال تقييم البرامج والمشاريع التنموية. وطبقا للتعليمات الملكية ينبغي أن تقوم محكمة الحسابات بالبحث في هذا الموضوع وتحديد المسؤوليات، وذلك في أجل أقصاه 10 أيام. على أن يهم البحث “المسؤولين المعنيين ببرنامج الحسيمة “منارة المتوسط” خلال التنفيذ، بمن فيهم أولئك الذين لم يعودوا يزاولون مهامهم في ذلك الوقت “.

وحسب البلاغ الأول الصادر عن الديوان الملكي فإن تقارير عمليات التقصي التي أجرتها المفتشيتان المذكورتان قد خلصت إلى “وجود تأخر، بل وعدم تنفيذ العديد من مكونات هذا البرنامج التنموي”، وفي الوقت نفسه استبعدت “وجود أي عمليات اختلاس أو غش “.

 وبعد شروع المحكمة في عملها بناء على التعليمات الملكية، وجهت المحكمة إلى الملك طلبا تلتمس فيه تمديد أجل إنجاز التقرير المطلوب منها، وقد بررت المحكمة ملتمسها بكون المهمة المنتظر منها إنجازها تتطلب مزيدا من الوقت من أجل القيام بها في أحسن الظروف، وقد وافق الملك على منح تمديد لمدة عشرة أيام إضافية.

وبخصوص النتائج المتوصل إليها فقد أكد تقرير محكمة الحسابات وجود مجموعة من الاختلالات تتمثل في عدم احترام الالتزامات والتأخر الثابت في إطلاق المشاريع، بما فيها محاولة بعض الفاعلين المعنيين التهرب من مسؤولياتهم من خلال لجوئهم إلى تحويل جزء من مساهماتهم المالية إلى وكالة تنمية أقاليم الشمال؛ وحدد التقرير مسؤولية جميع الأطراف وخلص إلى مجموعة من التوصيات تستهدف إعادة وضع البرنامج على سكة التنفيذ السريع والفعال.

حيثيات وفحوى القرارات الملكية المتخذة

الحيثيات المستند إليها

  • مختلف التقارير المرفوعة للملك من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية والمجلس الأعلى للحسابات؛
  • تحديد المسؤوليات بشكل واضح ودقيق أخذا بعين الاعتبار درجة التقصير في أدائها؛
  • الصلاحيات الدستورية للملك كساهر أمين على حقوق المواطنين وحام لمصالحهم؛
  • مقتضيات المادة الأولى من الدستور، الفقرة الثانية المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة؛

منطوق القرارات الملكية

  • إعفاء عدد من الوزراء في حكومة سعد الدين العثماني الأولى بصفاتهم السابقة في حكومة عبد الإله بن كيران المنقضية ولايتها وهم: محمد حصاد؛ وأمين بن عبد الله؛ والحسين الوردي؛ والعربي بن الشيخ. وكذا إعفاء علي الفاسي الفهري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
  • بالنسبة للوزراء الآخرين في حكومة بنكيران المعنيين بتلك الاختلالات، وغير المتحملين لمسؤولية في حكومة العثماني، قرر الملك تبليغهم “عدم الرضا الملكي على إخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم وعلى عدم نهوضهم بالمسؤوليات الملقاة عل عاتقهم، وبأنه لن تسند لهم أية مهمة رسمية في المستقبل”، ويتعلق الأمر بالوزراء السابقين: رشيد بلمختار ولحسن حداد ومحمد أمين الصبيحي وحكيمة الحيطي.  وبخصوص المسؤولين 14 الآخرين من غير الوزراء، أمر الملك بالتحقيق بشأنهم ورفع الأمر إلى جلالته قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة.
  • بخصوص المسؤولين التابعين لوزارة الداخلية على مستوى الإدارة الترابية بمختلف درجاتهم.  وبناء على أمر ملكي بالتحري في هذا الشأن، فقد رفع وزير الداخلية للملك نتائج التحريات التي قامت بها الوزارة بناء على الأبحاث والتقارير الميدانية المتعلقة بالتتبع المستمر لعمل رجال السلطة، هذه التحريات أفضت إلى تسجيل إخلالات في ممارسة المسؤولية لعدد من رجال السلطة من مختلف الدرجات، ويتعلق الأمر ب: وال واحد، و6 محافظين، و6 أمناء عامين، و28 باشا: رؤساء مراكز ورؤساء دوائر حضرية، و122 قائدا، و17 خليفة قائد. إثر ذلك، رفع وزير الداخلية للنظر الملكي اقتراحات بالتدابير العقابية ضد المسؤولين المعنيين ثم أعطى الملك تعليماته من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها وهي على الشكل التالي:
  • بالنسبة للوالي والمحافظين الست: إعفاؤهم من المسؤولية وعرضهم على المجلس التأديبي؛
  • بالنسبة للمسؤولين من رجال السلطة المرتبين في درجات أخرى: إعفاء 86 رجل سلطة في انتظار عرضهم على المجلس التأديبي من أجل اتخاذ العقوبات المناسبة؛ وتوجيه توبيخ ل 87 رجل سلطة.

دور المجلس الأعلى للحسابات

أنجز المجلس الأعلى للحسابات تقريره بناء على تعليمات ملكية مباشرة، في نطاق اختصاصات المجلس المتعلقة بتقييم البرامج والمشاريع العمومية وكذا في نطاق اختصاصاته المعتادة في مجال مراقبة المالية العمومية، ومن المهم الإشارة أن تقرير المجلس أنجز على أساس تقرير التحقيق المنجز بصفة مشتركة بين المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والذي تمت إحالته إلى المجلس بتاريخ 3 أكتوبر 2017 من طرف الحكومة طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية حسبما جاء في بلاغ صادر عن محكمة الحسابات. وحسب نفس البلاغ فقد رفع الرئيس الأول للمجلس التقرير إلى الملك وعرض خطوطه العريضة بين يديه بتاريخ 24 أكتوبر2017.

ومما جاء في مذكرة تلخيصية حول التقرير نشرها المجلس بموقعه الإلكتروني أن البرنامج عرف اختلالات تمثلت في تأخر الإنجاز وفي عدم إنجاز بعض الأجزاء من مشاريع البرنامج. وقد تم تسجيل هذه الملاحظات بناء على مسطرة تشاركية استمع خلالها المجلس للمسؤولين عن الجهات المعنية.

ثم حدد المجلس بدقة المسؤوليات وكذا أسباب وملابسات التأخر في التنفيذ، أو عدم التنفيذ لبعض الأجزاء. وخلص إلى مجموعة من التوصيات تتعلق بالحكامة وتدبير الموارد وغيرها من المسائل التي يتطلبها السير الحسن والتنفيذ الفعال للبرنامج.

خصائص المقاربة الملكية المعتمدة في تنزيل مبدأ المحاسبة والمساءلة

يمكن وصف المقاربة التي تم اعتمادها في تنزيل مبدإ المحاسبة والمساءلة بشأن ملف برنامج الحسيمة “منارة المتوسط” بأنها مقاربة مبنية على إعطاء القدوة أو تقديم المثال من أعلى إلى أسفل، وهي تنطوي على الخصائص التالية: 

أ‌-الملك بوصفه صاحب السلطة وجهة التفويض يراقب تنفيذ التزامات من تم تفويضهم: فقد قدم الملك الدليل من جديد أنه -وكما جاء حرفيا في بلاغ الديوان الملكي-: “يسهر شخصيا على تتبع المشاريع التي يعطي إشارة انطلاقتها من خلال تبني مقاربة محددة مستندة للنجاعة (الكفاءة) والفعالية والسرعة في التنفيذ وعلى التقيد الصارم بالالتزامات”.

ب‌-شفافية وسرعة تنفيذ عملية ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال بلاغات الديوان الملكي وبلاغ وتقرير المجلس الأعلى للحسابات ثم التدابير العقابية الملكية الصارمة إزاء المسؤولين المخلين بواجباتهم ومسؤولياتهم، والتي اطلع على فحواها الرأي العام المغربي وباقي الأطراف صاحبة الشأن وتفاعل معها الإعلام الوطني والدولي.

ت‌-الصبغة النسقية والتكاملية لتدخلات جميع الأطراف المعنية بعملية المحاسبة والمساءلة وهم: الملك، وهيئات الرقابة الداخلية: مفتشيتا الداخلية والمالية، والحكومة من خلال رئيسها المجلس الأعلى للحسابات بوصفه هيئة عليا مستقلة وخارجية للرقابة والمحاسبة، مع ملاحظة غياب القضاء الزجري، هذا الغياب الذي تم تقديم تفسير بشأنه يتمثل في عدم تسجيل حالات غش أو اختلاس. ولكن غياب الموجبات الزجر لا يعني أن التقصير في إدارة الشؤون العامة معفي من المحاسبة والمساءلة وهنا بيت القصيد.

ث‌-محاسبة ومساءلة جديدة تختلف عن المحاسبة والمساءلة الكلاسيكية: وهو ما يشكل نقلة نوعية في مفهوم المحاسبة والمساءلة التي عادة ما تتحرك بناء على مخالفات قانونية أو مالية موصوفة  أو إخلالات بواجبات وظيفية أخلاقية، إنه العصر أو الجيل الجديد للمحاسبة والمساءلة وهو جيل المحاسبة والمساءلة على التدبير.  Managerial accountability.

ج‌-السياسة الجديدة تتسم بمراعاة مبدإ المساواة أمام المحاسبة، بحيث لا تقتصر على جهة الحسيمة وإنما تشمل جميع جهات المملكة، ولا تقتصر على مسؤول أو مسؤولين معينين أو ينتمون لقطاع معين أو إدارة معينة. بل تشمل كل مسؤول مهما كان موقعه أو مستواه الرئاسي وذلك “إعمالا لمبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتشجيعا للمبادرات البناءة وتعلية من شأن قيم الوطنية الصادقة والمواطنة الملتزمة بخدمة المصلحة العامة”، بحيث ستنفذ على كل متخذ للقرار مخل بالتزاماته، كائنا من كان، وأيا كانت حصانته الفعلية أو المفترضة: فالقائمة ضمت وزراء؛ وولاة؛ وعمال؛ ومدراء عموميون؛ ومسؤولون كبار في الإدارة الترابية؛ ورجال سلطة. مع أن لهؤلاء، خصوصا الوزراء ورجال السلطة، ما لهم من مكانة واعتبار في المخيال الشعبي المغربي.

ح‌-استمرارية واستدامة العملية من خلال الأمر باتخاذ تدابير تكميلية وإصدار قرارات وتوجيهات لمختلف الفاعلين في عملية ربط المسؤولية بالمحاسبة ولا سيما الحكومة من خلال رئيسها إزاء المسؤولين الإداريين الآخرين المعنيين بملف برنامج الحسيمة والمجلس الأعلى للحسابات بصدد المهام والتوجهات المستقبلية للرقابة والمحاسبة كتقييم المراكز الجهوية للاستثمار والتعاون والتنسيق مع الحكومة من أجل تقديم توصيات عملية بناءة متوافق بشأنها، تستهدف النهوض بالمراكز المذكورة.

دروس من أجل المستقبل

بالنسبة للجهات التنفيذية

 التحضير لدخول العهد الإداري الجديد: إن المشهد الذي تابعنا أطواره يدشن بداية مرحلة مفصلية حقيقية في مجال إدارة الشأن العام على المستويين السياسي والإداري قوامها إرادة جادة لتنزيل أهم مقتضى من مقتضيات الحكامة الرشيدة ألا وهو مبدأ المحاسبة والمساءلة. وذلك من خلال الانتقال من النظرية إلى التطبيق وهذا الدخول في العهد الجديد في مجال المحاسبة والمساءلة، يتساوق مع المفهوم العصري العالمي لإدارة الشأن العام الموسوم ب “الإدارة العامة الجديدة”  New public management  كيف ذلك؟.

من الآن وصاعدا من المفترض أن لا يقتصر تقديم الحساب من أجل إخلاء المسؤولية على مدى تنفيذ الشخص المسؤول لواجباته القانونية أو المالية أو التزاماته الأخلاقية والتي يقابلها في الغالب عقوبات مالية من طرف المجلس الأعلى للحسابات أو عقوبات سالبة للحرية من طرف القضاء الزجري، أو تأديبية إدارية وفقا للائحة العقوبات المحددة بموجب النظام التأديبي في قانون الوظيفة العمومية،  بل على أساس مدى كفاءة وفعالية أداء المهام المنوطة بالمسؤول وفقا لدفتر تحملات، واستتباعا على مدى أثر تلك الإنجازات على حياة المواطنين، أي  تقييم المنجزات وإنما تقييم مدى تلمس المواطنين لأثر تلك المنجزات على معيشهم اليومي…

اختبار على الأبواب : إن الامتحان الأكبر في التنزيل الواقعي لهذه المقاربة الجديدة للمسؤولية الإدارية المبنية على تقييم المنجزات والنتائج اعتمادا على مؤشرات حسن الأداء في مجال تدبير الشأن العام، والذي من شأنه أن يعطي لعملية تفعيل مبدإ المحاسبة والمساءلة بعدا منهجيا واعتياديا بحيث لا يتحول إلى مجرد تقليد موسمي، هذا الامتحان يتمثل في مدى قدرة الأطراف صاحبة الشأن على مواكبة مرحلة الدخول التدريجي للقانون التنظيمي الجديد لقوانين المالية حيز التنفيذ، والذي من المنتظر أن ينقل عملية إعداد وتنفيذ الاعتمادات والمخصصات المالية المنصوص عليها في القانون المالي من منطق الوسائل إلى منطق الأهداف ومن مفهوم ميزانية الأبواب المالية إلى مفهوم ميزانية البرامج.

تنسيب العقاب: فمن جهة أولى، وفي حالة تعذر اكتشاف حالات غش أو اختلاس أو إخلال بقواعد الشرعيتين القانونية والمالية، مع تسجيل تقصير جسيم وضار بالمصلحة العامة أو بحقوق ومصالح المواطنين، فهل سيتم إخلاء مسؤولية المعنيين بدعوى عدم وجود تكييف في الترسانة القانونية المعمول بها لهذا التقصير؟ الجواب بالنفي وفق المقاربة الجديدة التي تدعو لتفعيل الجزاء التأديبي ليس بناء على مسؤولية قانونية موصوفة غير متوفرة أركانها، وإنما بناء على مسؤولية تقصيرية  قائمة ليس على أساس الإخلال القانوني الموصوف بواجب وظيفي وفق التصور الكلاسيكي في إطار النظام التأديبي المستمد من قانون الخدمة المدنية بل من خلال تقدير سوء الأداء على مستوى النجاعة والفعالية، فيتم بناء على ذلك ترتيب المسؤولية التقصيرية ثم معاقبة المسؤولين الكسالى والمتهاونين أو غير الأكفاء بإعفاءات من المسؤوليات أو تقليص درجة المسؤولية، فيما يتم وضع من ثبت إخلالهم بالتزاماتهم التدبيرية ولم يعودوا يمارسون أي مسؤولية وقت المحاسبة والمساءلة، وضعهم في لائحة سوداء تجعلهم في وضعية تنافي أو من ينطبق عليهم مانع من موانع التأهل للترشح لمناصب أو مهام أو مسؤوليات جديدة.

تفعيل الثواب: ومن جهة ثانية، وبالموازاة مع ذلك، مكافأة المسؤولين الأكفاء والمبدعين (ينبغي ملاحظة أن بلاغ الديوان الملكي تحدث عن تشجيع المبادرات البناءة جنبا إلى جنب مع محاسبة المقصرين) وذلك من خلال تدابير تحفيزية كالجزاءات المالية (مكافآت المردودية) والجزاءات المعنوية (الاحتفاء والتكريم) والجزاءات الإدارية من خلال تصعيدهم نحو مسؤوليات أعلى. نلاحظ إذن أن ترتيب عواقب المسؤولية سيكون سالبا وموجبا (تطبيقا للمفهوم العصري الجديد للتدبير العمومي) وهذا أمر جديد وتحول جوهري في إدارة الشأن العام في السياق المغربي.

بالنسبة لأجهزة الرقابة والمحاسبة: مراجعة وتجديد المناهج والأساليب

 إن لعملية المواكبة لهذه المرحلة المفصلية بالنسبة لهيئات الرقابة والمحاسبة الداخلية والخارجية وعلى رأسها محكمة الحسابات مقتضيات: فالمطلوب الآن من هذه الهيئات أن تجدد مقارباتها المهنية وأدواتها المنهجية والتقنية نحو تقييم أداء المؤسسات والبرامج والمشاريع العمومية، مع التركيز على نتائجها وآثارها الملموسة على معيش المواطنين؛ بالموازاة مع ذلك من المفترض أن يكون نظام المحاسبة المطبق على إثر تقييم أداء المسؤوليات، محبوكا بذكاء وتناسق، انسجاما وتآلفا مع المفهوم الجديد للتدبير العمومي والمفهوم الجديد للرقابة والمحاسبة على الأداء، ومنظورا إليه بعينين متوازنتين (الثواب والعقاب)، لا بعين واحدة… وهو ما يستدعي إعادة النظر في مجموعة من القواعد والإجراءات القانونية والتنظيمية المتقادمة، والتي لم تعد تتساوق مع المعطيات المستجدة… وهذا مبحث عميق يستدعي الخوض فيه مقاما آخر.

* خبير دولي في الحكامة والمحاسبة ومكافحة الفساد

Share
  • Link copied
المقال التالي