شارك المقال
  • تم النسخ

كيف تحوّلت “الصحراء” من حجرة في حذاء المغرب إلى صخرة على ظهر الجزائر؟

منذ خروج الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية، كرّست الجزائر كلّ وسائلها اللوجستيكية والمالية لدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، من أجل تأسيس دولة مستقلة عن المملكة في المنطقة، حيث صرفت ملايير الدولارات على المشروع، ووفرت أحدث الأسلحة لـ”جماعة الرابوني”، دون أن تتمكن، بالرغم من مرور 45 سنة، من تحقيق أي شيء.

حجرة في حذاء المغرب

نجاح المسيرة الخضراء، سنة 1975، لم يرق للرئيس الجزائري وقتها، هواري بومدين، الذي ثارت ثائرته، ليقرّر الردّ على الخطوة المغربية التي مكنت الرباط من استعادة إقليم العيون الساقية الحمراء، بطرد حوالي 350 ألف مواطن مغربي وجزائري من أصول مغربية، في يوم عيد الأضحى، ورميهم في الحدود، مع سلبهم جميع الممتلكات التي كانوا يتوفرون عليها داخل الجارة الشرقية.

“سأضع حجرة في حذاء المغرب”، مقولة توجه بها بومدين، بعد سنة من واقعة “المسيرة الكحلاء”، إلى قادة البوليساريو، وهو الكلام الذي فسر مجموعة من الأحداث التي تلته، وكيف تغير موقف الجارة الشرقية، التي كانت قبل أقل من سنتين، تؤيد إعادة المملكة لصحرائها من الاحتلال الإسباني، لتتحول إلى أكبر داعمٍ لقيام دولة ثالثة بين المغرب وموريتانيا.

الحرب في الصحراء

موقف الجزائر لم يتوقف عند الكلام، أو حتى دعم البوليساريو فقط، بل شاركت في الحرب ضد المغرب، خصوصاً بعدما استطاع الأخير استعادة إقليم الداخلة وادي الذهب الذي كان تحت السيادة المؤقتة لموريتانيا، بعدما انهزمت الأخيرة في حربها ضد الجبهة الانفصالية، دون أن تفلح في أي منها، من السيطرة على الصحراء المغربية.

الجدار الرملي

بالموازاة مع الحرب الدائرة، عمل المغرب على طرد جبهة البوليساريو من إقليمي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب بالكامل، ومنع أي تواجد لها، وهو الأمر الذي نجح في تحقيقه إلى حدّ كبير، عقب شروعه منتصف الثمانينات، في بناء الجدار الرملي، الذي كان يخطط له أن يكون الخط الدفاعي الأول للقوات المسلحة الملكية، في مواجهة تسللات الجبهة والجزائر.

حاولت الجارة الشرقية توقيف مجهودات المغرب في بناء مشروع الجدار الرملي، عبر خلق توترات داخل الصحراء المغربية، لمنع القوات المسلحة من التقدم نحو الحدود، وذلك باعتبار الجنرال الجزائري خالد نزار، أحد أبرز القادة الحاليين، وواحد من كبار الضباط الذيم حضروا لجميع تطورات النزاع المفتعل في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

وقف إطلاق النار وتقرير المصير

يرى مراقبون أن وقف إطلاق النار، والهدنة الموقعة بين المغرب والبوليساريو بوساطة الأمم المتحدة، منحت للمملكة فرصة التركيز على الداخل، والشروع في المشاريع التنموية الضخمة، وتعزيز الترسانة العسكرية، وإعادة ترتيب الأوراق، إلى جانب البدء في إعمار الصحراء المغربية، وتغيير وجهها من مناطق بدوية إلى مدن ضخمة مستقطبة للاستثمارات.

وفي مقابل ذلك، دفعت استحالة إقامة الاستفتاء كآلية لتقرير المصير في الصحراء المغربية، مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، إلى تجاوز هذا الإجراء، حيث بدأ يعلن عن حثه على حل سياسي، متفاوض بشأنه ومقبول من جميع أطراف النزاع، قبل أن تلقى المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي اقترحها سنة 2007، تأييداً دوليا، وهو الحل الواقعي الذي ما يزال الوحيدة على الطاولة لغاية الآن.

العودة للاتحاد الإفريقي ودبلوماسية القنصليات

شكلت عودة المغرب لتوجيه بوصلته صوب القارة الإفريقية، منذ سنة 2015، ولغاية عودته رسميا إلى الاتحاد الإفريقي بداية 2017، وفق العديد من المتابعين، بداية لرجوع المملكة إلى السكة الصحيحة على مستوى السياسة الخارجية، حيث عملت على إقامة العديد من المشاريع والاستثمارات في العمق الإفريقي.

وبعد التحول الكبير على مستوى الخارجية المغربية، وعودتها للتركيز على القارة الإفريقية التي تشكلها عمق البلاد الحقيقي، انتقلت دبلوماسية الرباط إلى تصحيح المغالطات التي روجتها جبهة البوليساريو وصانعتها الجزائر، طوال عقود من الزمن، بخصوص الوضع في الصحراء، الأمر الذي دفع العديد من البلدان، إلى سحب اعترافها بـ”الجمهورية الوهمية”.

وبداية من سنة 2019، شرعت مجموعة من الدول الإفريقية، في افتتاح قنصليات لها بمدينتي العيون والداخلة بالصحراء المغربية، الأمر الذي زاد من عزل البوليساريو والجزائر، وكرّس حقيقة انتماء المنطقة المتنازع عليها إلى المملكة، وصولاً إلى الإعلان المدوي للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي اعترف فيه بمغربية الصحراء، وقرّر افتتاح سفارة لبلاده بها.

ما بعد الاعتراف الأمريكي

على الرغم من كل الشائعات التي تحدثت عن أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، تتجه إلى سحب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، والعودة إلى الموقف الأمريكي السابق، المؤيد لحل سياسي توافقي وواقعي، إلا أن واشنطن، أكدت مراراً، عبر عدة خطوات رسمية، عن استمرارها في تبني ما أعلنه ترامب.

وكان حذف بايدن، للتغريدة التي نشرها على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، والتي تظهر المغرب منقوصا من صحرائه، الدليل الأكبر على ثبات موقف إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، المتعلق بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، واضعاً حدّاً لكل ما حاول بعض السياسيين والإعلاميين من الجارة الشرقية والبوليساريو، ترويجه.

ويخشى العديد من أتباع البوليساريو، وجنرالات الجزائر، من أن يحفز الموقف الأمريكي، دولاً أوروبيا أخرى، على الاعتراف بمغربية الصحراء، خصوصاً بريطانيا، التي تعدّ أقرب البلدان إلى السير على نفس الخطى، بعدما انسحبت من الاتحاد الأوروبي، وتخلصت من القيود التي يفرضها على مواقف البلدان المنتمية له.

وبالإضافة إلى بريطانيا، كشف عدد من المتابعين، أن الجزائر، تخشى من أن تسفر المفاوضات الحالية الدائرة بين المغرب وإسبانيا، عن تغير موقف الأخيرة من ملف الصحراء، إما بالاعتراف بسيادة الرباط عليها، أو بإعلانها عن تأييد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة، كحل وحيد وأوحد للنزاع المفتعل.

قطع العلاقات مع المغرب

أعلن وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، قبل يومين، عن قرار رئاسة الجمهورية بقطع علاقاتها مع المغرب، بسبب ما أسماه بـ”الاعتداءات المتكررة والتي لا تتوقف” من المملكة على جارتها الشرقية، في تطور اعتبره البعض، محاولة من “قصر المرادية”، تصدير الأزمات التي يعانيها على المستوى الداخلي.

واعتبرت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والمغاربة المقيمين بالخارج، في بيان لها، أن القرار الذي اتخذته الجارة الجزائر، غير مبررّ، وما قدمه لعمامرة على أساس أنه مبررات لخطوة قطع العلاقات، مجرد أمور “سخيفة”، و”مغلوطة”، مؤكدةً أن المملكة ستظل شريكاً صادقا وموثقا للشعب الجزائري.

بعد قرابة نصف قرن من دعم البوليساريو.. الجزائر في مواجهة المجتمع الدولي

وقال مصطفى سلمى، المفتش العام الأسبق لما يسمى بـ”الأمن الوطني” للبوليساريو، في تدوينة على حسابه الشخصي بـ”فيسبوك”، إن الجزائر عملت بجد على مدار نصف قرن، على أن تجعل من احتفاظ المغرب بالصحراء مكلفاً بقدر يصعب معه الاحتفاظ بها، ولتحقيق هذه الغاية، صرفت أموالا طائلة على مشروع جبهة البوليساريو”.

وأضاف مصطفى: “بعد قرابة نصف قرن، بدل أن يصبح احتفاظ المغرب بالصحراء مكلفاً، أصبح احتفاظ الجزائر بالبوليساريو مكلفاً، ليس ماديا فحسب، وقد صرفت الجزائر ملايين الدولارات في تمويل مشروع الجبهة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، بل إن احتفاظ الجزائر بالبوليساريو بعد 13 نوفمبر، أصبح يكلفها ما هو أكبر قيمة من المال”.

وأوضح أن لأمر المكلف الذي تعيشه الجزائر الآن، “هو المواجهة المباشرة مع المغرب وحلفائه، وحتى مع المجتمع الدولي، وهي معركة ستخسر فيها الجزائر سمعتها، وقد تخسر أبناءها فضلا عن المال الذي كانت تخسره”، مختتماً: “البوليساريو وصل بها الوهن حد أنها لم تعد قادرة على فرملة تقدم المغرب، وأحرى أن تنتزع الصحراء منه”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي