Share
  • Link copied

كيف تحولت الجزائر الجديدة إلى جمهورية كأنّ؟

عدت إلى قراءة رواية علاء الأسواني «جمهورية كأنّ» التي لم تعرف الرواج والشهرة التي عرفتها رواياته الأخرى، رغم قيمتها الفنية والفكرية الأكيدة. لفهم ما يحصل في الجزائر هذه الأيام، وهي تعيش نوعا من الردة السياسية، بعد انكسار مشروع الحراك الشعبي الذي انطلق سنة بعد إصدار رواية «جمهورية كأنّ»، حين كانت الجزائر تعيش حالة مخاض اجتماعي وسياسي نوعي، خلال سنوات حكم الرئيس بوتفليقة الأخيرة، في وقت كانت فيه مصر تعيش حالة ثورة مضادة عنيفة بعد سنوات من حراك 25 يناير2011.

ليدخل البلدان مرحلة «الجمهورية الجديدة»، التي بشّرت بها النخب الحاكمة في البلدين، بعد إجهاض مشاريع التغيير السياسي التي آمن بها الشعبان بقوة، بواسطة درجات متفاوتة من العنف، كانت أكثر حضورا في الحالة المصرية، لما يميز علاقات المواطنين بالدولة في هذا البلد، بكل التركيبة الاجتماعية الطبقية المعروفة عنه. تغيير تم في البلدين عن طريق تحول شكلي في واجهة الحكم، للحفاظ على جوهره تحت مسمى الجمهورية الجديدة، علما بأن المبادرة في نحت هذا المفهوم -الذي تبناه الطرف الجزائري بسرعة – تعود لإخواننا المصريين الذين كانوا دائما متقدمين علينا في هذا المجال الشعاراتي ويملكون فيه خبرة أكيدة. عكس الجزائريين الذين ما زالوا من دون خيال سياسي، ولا قدرة على نحت الشعارات حتى عندما يتعلق الأمر بتسمية أحزابهم الكثيرة، التي حاروا في إيجاد تسميات لها عند ظهورها، بعد الاعتراف بالتعددية الحزبية، جعلهم يستولون عنوة على تسميات الغير.

جمهورية كأنّ في الجزائر التي يتعامل معها الخطاب الرسمي كواجهة معدة للتسويق للخارج بالدرجة الأولى، للملاحظ الأجنبي والصحافي الزائر، وحتى لوفود المنظمات الدولية التي تزور البلد «للتقصي» و»التحقيق». خلال الفترات القصيرة التي يسمح فيها النظام بالزيارات لهذا السجن الكبير، الذي أخذت ملامحه في الظهور في ما يسمى بالجزائر الجديدة، التي أغلقت أبوابها أمام الكثير من الزوار الأجانب، ومنع الخروج منها للكثير من المواطنين أنفسهم، فهي لا تخاطب المواطن الذي يعيش في الجزائر ويعرف خبايا الوضع، إلا كاستثناء، كما تؤكده نشرة أخبار التلفزيون العمومي التي تقول النكتة الجزائرية، إن المواطنين سيتوجهون نحوها لشراء حاجاتهم الاستهلاكية اليومية، لما يميز أسعارها من معقولية ووفرة! لنكون بذلك أمام أول ما يميز جمهورية كأنّ.. القطيعة الكاملة بين ما هو موجود على أرض الواقع، وما يتم الترويج له على مستوى الخطاب، بكل الآثار النفسية الفردية والجماعية على سكان البلد – حتى لا أقول مواطنين – لا يتعلق الأمر فقط بتوفر السلع الاستهلاكية، أو الخدمات الأخرى التي يحتاجها المواطن يوميا، بل يشمل كل أمور الحياة الأخرى بما فيها ميادين القيم والسلوكيات التي تميز الأفراد والمؤسسات بما تعرفه من علاقات بينهما. قطيعة تكون نتيجتها المنطقية فقدانا كليا لأي مصداقية لوسائل الإعلام الكثيرة والمتنوعة شكلا، والمتشابهة مضمونا التي تدافع عنها وتروج لجمهورية كأنّ هذه، لتترك المجال واسعا أمام الشائعة والأخبار الكاذبة والمغلوطة، التي تتحكم في سلوك الحاكم والمحكوم، على الرغم من توفر هذه الأعداد الهائلة من المؤسسات الإعلامية الخاصة والعمومية، التي تستهلك ميزانيات هائلة من المال العمومي، تركت البلد في نهاية الأمر من دون حماية، أو ترويج لسياسته الخارجية ودبلوماسيته، كما حصل في الأسبوع الماضي في الكوت ديفوار، بمناسبة نهائيات كأس افريقيا للأمم في كرة القدم، حين تطوعت «مؤثرة» جزائرية في الدفاع عن الأوضاع في البلد، وحث المواطنين على البقاء فيه، عكس حالة الشعوب الافريقية التعيسة، كما جاء في كلامها الموجه للجزائريين، الذين لم يبق لهم إلا إشكال بسيط يتعلق بتحويل موقع بلدهم الجغرافي إلى جنوب أوروبا، بين الحدود الإسبانية البرتغالية! التي حددتها لإقامة جمهورية كأنّ هذه التي تروج لها.

اقتراح تقدمت به هذه السيدة، بعد أن غادرت هي هذه الجنة الجزائرية، نحو فرنسا، التي تعيش فيها منذ سنوات، لتؤكد عدة حقائق من خلال تدخلها المسجل على الوسائط الاجتماعية.. ازدواجية الخطاب الذي انتقل من السلطة إلى مواطني جمهورية كأنّ كحالة مرضية، بدأت في الانتشار عند بعض المهاجرين من الجزائريين من اتباع النظام، الذين يقيمون في الخارج ويطلبون من الجزائريين الآخرين تحمل أوضاعهم داخل البلد والصبر عليها وعدم المغامرة بالحرقة، التي جربوها قبل، أو تعريض البلد للخطر باتخاذ مواقف معارضة، يمكن أن تستغل من قبل أعداء البلد الكثيرين الذين يتربصون بجمهورية كأنّ. الحرقة التي ما زلت مُصراً شخصيا، على انها من أهم المؤشرات المركبة التي تعكس حال الجزائريين وفهم موقفهم من الأوضاع التي يعيشونها، بعيدا عن كل خطاب زائف. لنكون أمام الفراغ نفسه، الذي يميز الجزائر الجديدة إعلاميا على المستوى السياسي هذه المرة، رغم العدد الكبير من الأحزاب والجمعيات والنقابات المسجلة على الورق. حضور كمي لا يعني الفعالية، تماما كما هو الحال في المجال الإعلامي، لدرجة أن هذه الأحزاب لا تتحكم فيها حتى في تعيين – انتخاب من يكون على رأسها، أو يتحدث باسمها، الذي يمكن أن يُبعد ويطاح به بكل سهولة، كما حصل داخل أكثر من حزب في المدة الأخيرة – جبهة التحرير – حزب المستقبل كمثال، التي تم «إعفاء» قياداتها من الترشح لاعتبارات متعلقة بما يحصل خارج الحزب، وليس داخله، والبلد يعيش سنة حملة انتخابية رئاسية ستدوم إلى نهاية سنة 2024. بدأت السلطات في التحضير لها مسبقا على مستوى الأحزاب، بهذا الإبعاد لهذه الوجوه المغضوب عليها. وضع سيزيد بكل تأكيد في حدة الفراغ السياسي داخل الشارع الجزائري، سيبعد حتى أشباه المناضلين من الساحة السياسية، لنكون أمام هذه الصورة العنيفة التي وصفتها رواية «جمهورية كأنّ» بكل تفاصيل شخصياتها ومواقفها التي عرفتها مصر بعد إجهاض التغيير الذي خرج المواطنون للمطالبة به في 25 يناير 2011.

صورة تتكرر بشكل جلي أمام حالة حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، التي يمنع فيها الجزائري من التعبير عن تضامنه مع هذا الشعب الشقيق، في وقت ترفع فيها جمهورية كأنّ شعارات التضامن والتأييد للشعب الفلسطيني، لنكون أمام ازدواجية صارخة على المستوى الدولي هذه المرة لا تليق بتاريخ الجزائر وتراث شعبها.

Share
  • Link copied
المقال التالي