بالرغم من أن البوادي والقرى المغربية، كانت ولا تزال، أقوى من المدن في مواجهة فيروس كورونا المستجد، نظرا للخصائص التي تتميز بها، وعلى رأسها قلة السكان وتباعد المباني والمساحات الشاسعة التي تضمن مسافة الأمان، إلا أنها لم تكن في منأى عن تبعات الجائحة التي أضرت بأغلب القطاعات، وانعكست سلبا على كافة المجالات، بالخصوص تلك التي يعتمد سكانها على ما يجدونه في المناجم المجاورة.
وتشكل الزراعة؛ الاستهلاكية، أهم الموارد بالنسبة لسكان القرى والبوادي المغربية، غير أن هناك عدة مناطق، يعتمد القاطنون بها، بشكل رئيسي، على العمل اليومي، لشراء مستلزمات العيش من دقيق وغيره، من بينها، قرى الجنوب الشرقي، التي يزخر باطن أرضها بثروات مهمة، ويعاني الساكنون فوقها، ويلات الفقر والجوع والعطش والمرض.
الجائحةُ أولاً
على رأس هذه القرى، إميضر، المتواجدة بإقليم تنغير بجهة درعة تافيلالت، والتي على الرغم من أنه يتواجد بها أحد أكبر مناجم الفضة في القارة الإفريقية، إلا أن معاناة سكانها ما تزال مستمرة، بعد الاعتصام الذي دام لـ 9 سنوات، وما يزال مواطنو هذه المنطقة المهمشة، يطالبون بحقهم في الحفاظ على الفرشة المائية، وإنقاذها من التلوث، الذي يتهددها بسبب الشركة المستغلة للمنجم.
سفيان (36 سنة)، أحد أبناء إميضر، قال في تصريح لـ”بناصا”، “إننا نعاني منذ سنوات، ونرى خيرات أرضنا تضيع أمام أعيننا، الفضة تأخذها الشركة ولا نستفيد منها شيئا، والمياه تتلوث بسبب أعمال الشركة، ورغم احتجاجنا واعتصامنا طويل المدى، لم يلتفت لنا المسؤولون، وبعد دخول كورونا، رفع شعار الجائحة أولا، صحيح كنا من قبل مهمشين، ولكن حاليا تمت مصارحتنا بأن مواجهة الفيروس أولا”.
مِياهنا تَحمل “كورونات”
أضاف المتكلم، بأن السلطات تتحدث عن غسل اليدين وتعقيمهما، من أجل الوقاية من فيروس كورونا المستجد، ناسيةً أننا في إميضر، ومثلنا الكثير من القرى النائية بالمغرب، نعاني من التلوث، ومياهنا “تحمل كورونات” (يقصد العديد من الفيروسات)، وتسبب الكثير من الأمراض، متسائلا: “فكيف نغسل أيدينا للتعقيم، بماء، يحتاج هو أصلا للتعقيم؟”.
مواطن آخر من المنطقة، يدعى عْلِي (50 سنة)، قال في حديثه لـ”بناصا”، “أضحك كثيرا حين أسمعهم في الإذاعة يتحدثون عن ضرورة غسل اليدين للحماية من كورونا، ونحن لا نجد الماء حتى للشرب فكيف نغسل اليدين”، مسترسلا:”نعيش على مياه الأمطار، أو نقطع مسافات طوال لتوفير بضع قنينات من أجل الشرب”.
طردٌ من العملِ وغيابٌ للبديل
على غرار باقي القرى المنجمية، تعتمد بني تجيت الواقعة بإقليم فجيج جنوب شرق المغرب، على المناجم بدرجة أساسية، بالرغم من تواجد الزراعة، إلا أن المصدر الرئيسي لرزق الساكنة يتمحور حول الرصاص والزنك المستخرج من المناجم، وقد كانت الأمور رغم قساوتها، مستمرة بشكل اعتيادي، قبل أن تضرب “كورونا” بقوة، وتتسبب في توقف العديد من العمال، سواء بالطرد النهائي أو بالتوقف المؤقت.
عبد الكريم (27 سنة)، من مدينة بني تجيت، قال في تصريح لـ”بناصا”، “إن البلدة تعاني دائما من عدة أمور، نظرا لوقوعها في منطقة مهمشة، قبل أن تفاقم الجائحة الوضع، وتتسبب في طرد الكثير من عمال المناجم، في مكان جغرافي من المغرب، يشبه فيه الطرد من العمل، حكم الإعدام، لأنه لا وجود لبديل اقتصادي عندنا، هناك الزراعة، لكنها بنسبة أقل، والسكان يعتمدون بشكل أساسي على المناجم”.
الخبزُ عَصَبَ الحياة
عمقت حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي، اللذان فُرضا في المغرب منذ شهر مارس الماضي، العزلة، على القرى بصفة عامة، غير أن المنجمية منها تذوقت المرارة بشكل أكثر حدة، بعد أن بات يصعب على مواطنيها الحصول على الخبز، فلا مطاحن في المنطقة، ولأن القرى الصغير التي تعتمد على المناجم لا تحظى فيها، غالبا، الزراعة الاستهلاكية بمكانة مهمة، فقد وجد قاطنوها أنفسهم في مشكلة كبيرة.
فاظمة (76 سنة)، من قاطني إميضر، قالت لـ”بناصا”، إن السكان وجدوا أنفسهم أمام أزمة حقيقية، بعد أن بات يصعب عليهم التنقل إلى الأماكن القريبة والأسواق لشراء الدقيق والسميد، بسبب القيود التي فرضت على التنقل، والتي أجبرت “الخطافة” على رفع الثمن للضعف، “الأمر الذي صعّب مهمة الكثير من الأشخاص في الحصول على دقيق، لإعداد الخبز، الذي هو عصب الحياة”.
لا فرصة أمام كورونا
رغم أن خوف سكان القرى والبوادي المنجمية، لم يكن من الموت بسبب كورونا، بل من الجوع، إلا أن الواقع، يتحدث عن احتمال كبير في وفاة عدد كبير منهم، خاصة كبار السن، بسبب الفيروس التاجي، وذلك راجع إلى كون أغلبهم يعانون من أمراض مزمة، نتجت عن اشتغالهم لسنوات تحت الأرض.
امْحَمَدْ (73 سنة)، أحد سكان إكسان، بإقليم الناظور، وسبق له العمل بمنجم الحديد، يعاني اليوم من “السيليكوز”، واحد من الأمراض العديدة التي تهدد حياة من يعمل تحت الأرض، في المناطق التي تحتوي على معادن، قال لـ”بناصا”، بأن أبناءه يخشون كثيرا من وصول المرض إليه، “خاصة أن مرضي المزمن والقاتل أيضا، لا يمنحني أي فرصة لمقاومة الفيروس التاجي، وعلى الأرجح، معاناتي هي نفسها التي تداهم كافة قاطني القرى المنجمية”.
تعليقات الزوار ( 0 )