Share
  • Link copied

كورونا من منظور فلسفي.. هابرماس يرى تصرفا عالميا ينم عن جهل صريح

أطلق تفشي جائحة كورونا في القارة الأوروبية والعالم الغربي موجة هائلة من المراجعات الفكرية والفلسفية والنقد الذاتي، الذي قدمته مجموعة من فلاسفة ومفكري العالم الغربي وكتابه المشهورين.

وبخلاف نصائح الأطباء ومنظمة الصحة العالمية بخصوص قواعد مكافحة وتجنب العدوى، ألقى مثقفو العالم الغربي باللائمة على مجموعة من العوامل الفكرية التي تسببت في تضاعف الخسائر جراء تفشي الجائحة.

وفي مقابلة مع صحيفة لوموند، حلل الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس النتائج والآثار الأخلاقية والسياسية لأزمة الصحة العالمية الحالية، وحث الاتحاد الأوروبي على مساعدة الدول الأعضاء الأكثر تأثرا، وقال “علينا أن نكافح من أجل إلغاء النيوليبرالية”.

وفي المقابلة التي أجراها نيكولاس ترونغ للصحيفة الفرنسية، اعتبر الفيلسوف -المولود عام 1929، والذي يعد أحد أهم فلاسفة أوروبا في هذا العصر- أن جائحة كورونا فرضت على العالم التصرف عن جهل صريح، حيث يرى الناس حكوماتهم تتخذ قرارات مبنية على استشارة خبراء علم الفيروسات المعترفين بجهلهم، وبالتالي توقع هابرماس أن هذه التجربة غير العادية ستترك بصمتها على الضمير العام.

دستور أوروباوتناول مؤلف “دستور أوروبا”، والمؤمن بوحدتها؛ التحديات الأخلاقية لهذه الأزمة الصحية، واعتبر أن الضمانة التي يقدمها الدستور من المحتمل أن تسهم في عدم المساس بالكرامة الإنسانية، مبديا قلقه من الخطر الذي يشكله تشبع وحدات العناية المركزة في المستشفيات، لأنه قد يضطر الطبيب إلى اتخاذ قرار مأساوي غير أخلاقي.
وأوضح هابرماس أن هذه هي الطريقة التي ينشأ بها إغراء انتهاك مبدأ المساواة الصارمة في المعاملة، من دون النظر إلى الوضع الاجتماعي والأصل والسن وما إلى ذلك، وبالتالي الإغراء بمساعدة الشباب على حساب المسنين، وحتى ولو وافق المسنون في موقف أخلاقي من نكران الذات، فمن ذا الذي يمكن أن “يفاضل” بين حياة إنسان وآخر؟ وكيف يعطي الطبيب نفسه الحق في اتخاذ قرار الحياة والموت؟

الحياة فوق المنافع

ويضيف “فيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة” أنه على الطبيب، في الحالات التي تسمح باتخاذ قرارات مأساوية وحدها، أن يوجهها حصريا على أساس الأدلة الطبية التي تشير إلى أن العلاج السريري المعني لديه فرصة كبيرة للنجاح.

ومع اتخاذ القرار بشأن الوقت المناسب لإنهاء الحجر الصحي، فإن حماية الحياة الضرورية على المستوى الأخلاقي وكذلك على المستوى القانوني، قد تبدو متناقضة مع منطق الحسابات النفعية، مما يعني أنه عند الموازنة بين الضرر الاقتصادي أو الاجتماعي من جهة والوفيات التي يمكن تجنبها؛ يجب على السياسيين مقاومة “إغراء الحسابات النفعية”.

أما أن نكون مستعدين للمخاطرة بتشبع النظام الصحي، وبالتالي ارتفاع معدلات الوفيات، لإعطاء دفعة للاقتصاد مما يخفف من الكارثة الاجتماعية لأزمة اقتصادية قادمة، فإن الحقوق الأساسية تمنع مؤسسات الدولة من اتخاذ أي قرار يستفيد من وفاة أي شخص، كما يرى هابرماس.

وعند سؤاله عن احتمال تحول حالة الطوارئ إلى قاعدة ديمقراطية، نبّه الفيلسوف إلى أن تقييد عدد كبير من حقوق الحرية المهمة يجب أن يظل مرتبا لمدة محدودة جدا، ولكنه إجراء مطلوب كأولوية للوصول للحق الأساسي في الحياة والسلامة الجسدية، وإن كان البعض قد يستغله لغايات سياسية.

وكشف الفيلسوف الألماني -الذي يوصف بأنه وريث تركة مدرسة فرانكفورت التي ابتكرت مفاهيم فلسفية مثل الهيمنة التقنية والعقل الأداتي- عن أن قضاءه وقتا طويلا أمام جهاز الحاسب الآلي متأملا في علوم وتاريخ الفكر يخفف وطأة الحجر عليه.

أوروبا موحدة ديمقراطية

وعندما انتقل الحديث إلى التضامن الأوروبي، حث هابرماس الدول الأوروبية على رص الصفوف ومساعدة الدول الأعضاء المتضررة لتخفيف ضغوط المضاربة في الأسواق المالية، من أجل إنقاذ اليورو، وبالتالي النواة الصلبة للاتحاد الأوروبي. وتساءل: “ما فائدة الاتحاد الأوروبي إذا لم يثبت في أوقات أزمة كورونا الصعبة أن الأوروبيين يرصون صفوفهم ويقاتلون معا من أجل مستقبل مشترك؟”

وعند السؤال عن القصة التي يمكن أن تبث حياة جديدة في الاتحاد الأوروبي غير المحبوب والموحد؟ أوضح هابرماس أن الحجج والمصطلحات المختارة ليس لها فائدة كبيرة ضد الاستياء، ولكن وجود نواة صلبة أوروبية قادرة على العمل وتقديم حلول ملموسة للمشاكل الحالية؛ يمكنه إثبات أن الاتحاد لا يقدر بثمن.

ومع أن هذه الأزمة العالمية قد تعطي دفعا للقوى الشعبوية الوطنية التي تهدد أوروبا، قال الفيلسوف إن الشعبوية اليمينية التي تدعو في كل مكان من الاتحاد الأوروبي للتمترس وراء الحواجز الوطنية، تعود لأمرين: الغضب الناجم عن حقيقة أن الدولة الوطنية فقدت قدرتها على العمل السياسي، ونوع من رد الفعل الدفاعي الحدسي للتحدي السياسي الحقيقي.

أما الشعبوية “اليمينية” العادية التي تمتد إلى ما هو أبعد من الطبقات الفقيرة والمهمشة من السكان، فهي –حسب هابرماس- حقيقة يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وهي نتيجة للعديد من العوامل المحفزة والمثيرة للقلق، كالتغير التكنولوجي والرقمنة المستمرة في عالم العمل، وظاهرة الهجرة التي تجعل المرء يخاف على وضعه الاقتصادي والاجتماعي.

وحذر الفيلسوف الألماني من تزايد خطر الشعبوية الوطنية واليمين المتطرف، معتبرا أن السلطات السياسية تعامت عنه بذريعة معاداة الشيوعية المهيمنة.

وختم الفيلسوف -الذي سينشر له كتاب ضخم عن “تاريخ الفلسفة” قريبا- بأن ما نرفض القيام به هو أن الاعتراف بأوروبا الديمقراطية الموحدة هو وحده القادر على إخراجنا من هذا المأزق؛ مأزق ما بعد الديمقراطية.

الجزيرة

Share
  • Link copied
المقال التالي