كان يفترض أن تحتفل مولودية الجزائر بذكرى مأويتها في سنة 2021، لكن ظروف تفشي جائحة كورونا منعتها من ذلك، ما جعل هذا النادي العاصمي العريق الذي ظهر للوجود في 7 غشت 1921 يحاول تعويض هذه الاحتفالات، هذا الأسبوع في العاصمة، بقدر كبير من التواضع وحتى الاضطراب، طغت عليه أصداء التحاق اللاعب الدولي يوسف بلايلي بهذا النادي الشعبي، بعد صفقة مالية أثارت الكثير من اللغط الإعلامي والسخرية التي برع فيها رواد المواقع الاجتماعية، وهم يعلنون أن سعر الصرف في الجزائر هذه الأيام أصبح على هذا الشكل 1 بلايلي يساوي 400 موظف. وهم يقصدون بالطبع المقابل الكبير الذي تلقاه هذا اللاعب المشاكس، نظير التحاقه بهذا النادي الذي يعتمد على الريع النفطي المباشر، جراء تمويله من قبل مؤسسة سوناطراك العمومية.
مقابل مالي لم تتعود عليه الساحة الرياضية في الجزائرية بهذا الشكل العلني، على الرغم من الغموض الذي ما زال قائما حول الصفقة، ومن سيتكفل بدفعها، في وقت لم يرفع البيان الصادر عن النادي اللبس الذي ما زال قائما حولها. صفقة استفزت الجزائريين وهم يعيشون وضعا اقتصاديا صعبا، ذهب بالكثير منهم إلى مقارنة دخلهم المالي مع ما سيحصل عليه هذا اللاعب الذي تعاطف معه الكثير منهم، منذ سنوات، عندما تعرض إلى إقصاء من اللعب، بعد المحنة التي مرّ بها في مسار مشواره الرياضي، الذي تألق فيه أثناء محطة الفريق الوطني، في أكثر من منافسة رياضية قارية ودولية. مشوار أوصله أخيرا إلى هذا النادي العاصمي العريق، الذي دشنت من خلاله الحركة الوطنية العودة إلى العمل السياسي والثقافي والرياضي، بعد التحولات العميقة التي عاشها المجتمع الجزائري وهو يتجاوز مرحلة الصدمة الاستعمارية التي تصدى لها في الأول عبر الانتفاضات الشعبية المسلحة في المناطق الريفية، ليكتشف أن ميزان القوى العسكري ليس لصالحه وبالتالي عليه التفكير في استراتيجية أخرى.
لتنتقل منازلة الاستعمار إلى المدينة التي دخلها الكثير من الجزائريين لمقارعة الاستعمار فيها، عبر النشاط الثقافي والسياسي الذي ظهر من خلال الحزب السياسي، الصحافة والمسرح والجمعية الرياضية، كما كان الحال مع مولودية الجزائر كأول نادٍ رياضي جزائري في العاصمة، مثلما حصل في قسنطينة ومدن أخرى عرفت انطلاق هذه المبادرات، التي لم يكن تصور ظهورها لولا تلك التحولات السوسيو- سياسية التي عرفها المجتمع، التي كان على رأسها بروز قوى اجتماعية عصرية على غرار الفئات الوسطى المتعلمة، التي احتضنت هذا العمل الجمعوي وتبنته بقوة فئات شعبية أوسع، لم يغادر هذه النوادي لغاية اليوم، من دون نسيان الدور النوعي الذي قامت به البورجوازية الوطنية، التي حافظت على مواقعها في أكثر من نشاط اقتصادي، رغم الصعوبات التي وجدتها من قبل البورجوازية الكولونيالية المدعومة من قبل الإدارة الفرنسية واللوبي المالي والفلاحي في الجزائر، كمستعمرة استيطانية، جعلها تتبنى العودة إلى القيم الأصيلة للشعب الجزائري، المتمثلة في الإسلام الذي استعملته كإسمنت موحد لصفوفها، في مواجهة عنصرية الاستعمار الاستيطاني، ما جعلها تعود إلى ذكرى مولد نبي الإسلام كعلامة مميزة لها تسمي به فرقها الرياضية في اكثر من جهة من جهات الوطن، التي تعايشت فيها مكرهة مع العنصر البشري الأوروبي، كما حصل في المدن الكبرى التي عرفت نشأة اكثر من مولودية ـ على غرار الجزائر – وهران -قسنطينة، على سبيل المثال.
عمق شعبي ميز مسار المولودية، تحول بموجبه هذا النادي الرياضي في العاصمة إلى انتماء تجاوز المجال الجغرافي للعاصمة، تماما كما ساد الحال مع الأغنية الشعبية العاصمية، ليتحول هذا العمق الشعبي إلى نقطة ضعف قاتلة لدى هذا النادي بعد الاستقلال، داخل نظام سياسي من دون قاعدة شعبية فعلية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعاصمة التي حكم من داخلها أبناء الريف من السياسيين والعسكريين البلد بعد الاستقلال، خافوا منها ومن سكانها الذين لم ينس حكام الجزائر الجدد أنها قاومتهم وتمردت عليهم في صيف 62، التي انفجرت بين الحكومة المؤقتة وجيش الحدود، رغم التوتر الذي ساد بين حكام الجزائر وجمهور هذا النادي الشعبي الواسع، تم التوجه مع الوقت نحو نوع من التسيير للحالة العاصمية.
اعتمد على ما كان يعرفه النظام السياسي من أساليب عمل وأدوات طورها بعد الاستقلال، اعتمدت أساسا على الريع النفطي ومجاراة الفساد والسكوت عليه عندما يتعلق الأمر بالنخب الرياضية المسيرة كقاعدة عامة، إذا استثنينا بعض الوجوه والفترات التاريخية. استراتيجية جعلت المسؤولين السياسيين يسكتون عن التسيير الكارثي الحاصل داخل النادي – مثل غيره من النوادي الأخرى ـ الذي أهمل بناء فريق رياضي كبير في مستوى مولودية الجزائر. غابت عنه الرؤية الاستراتيجية المعتمدة على التكوين، وبناء هياكل ومؤسسات رياضية مستقرة، عبّر عنها بشكل سافر وصول وجوه مشكوك في ذمتها المالية والأخلاقية على رأس الفريق. لم يتورع النظام السياسي على استعمالها لترويض القواعد الشعبية لهذا الفريق العاصمي الكبير وتحييدها، بواسطة توفير ملعب قديم لها بمناسبة مقابلاتها الرياضية في كرة القدم – ليس من الوارد في إطار هذا النوع من التسيير الاهتمام بالرياضات الأخرى التي استمر إهمالها كقاعدة ـ تحول توقيت إجرائها إلى كابوس أمني وسياسي للمسؤولين، عملوا كل ما في وسعهم لحشر هذا الجمهور المشاكس من الشباب داخل هذه الملاعب المتهالكة، تُفرغ فيها شحنتها الأسبوعية من الغضب، في انتظار الأسبوع الموالي. تحول فيها الملعب وجمهوره الحاضر فيه إلى الهامش الذي أراده له هذا التسيير السياسي الخائف، مع أنه كان ولا يزال ينبض بالحياة والحيوية، كما عبر عنها وهو يطور شعاراته السياسية، أغانيه التي استمرت ملتصقة بالحياة بشكل لا يصدق، كما عبر عنه هذا الجمهور الشعبي وهو يشارك في الحراك الشعبي الذي تبنى أغاني وأهازيج ملاعب كرة القدم.. ملاعب كرة القدم التي كانت قد منعت عمليا على المسؤولين السياسيين ـ وما زالت – الوصول إليها، الذين كانوا يسمعون فيها ما لم يكن يخطر على بالهم من أهازيج وأغان، عبّرت بصدق عن القطيعة السياسية والنفسية بين الحاكم والمحكوم في الجزائر.
تعليقات الزوار ( 0 )