لم تمنع الإصابة بالتوحد كريم بن عبد السلام، من شق طريق طلب العلم والتفوق فيه، وصولاً إلى التتويج بدرجة الدكتوراه في تخصص العقائد والأديان السماوية، ليصبح بذلك أول مصاب بهذا المرض يحصل على هذه الدرجة في المغرب.
كريم، البالغ من العمر 31 عاماً، ولد مصاباً بـ “متلازمة أسبرجر” إحدى اضطرابات طيف التوحد، لتبدأ بعدها رحلته في تحدي المرض، مسطراً مسيرة متميزة في حياته العلمية والعملية.
لم تكن طريقه سهلة في تحدي مرض التوحد والتفوق في مسيرته الدراسة، حيث عانى الشاب المغربي من عديد المعيقات خلال هذه المسيرة.
وعبّر عن ذلك قائلاً: “لم يكن طريق النجاح مفروشاً بالورود، فقد كنت أعاني من سوء نظرة بعض أقراني إلي عبر مختلف مراحل دراستي”.
وأضاف: “كان بعض من درس معي لا يتقبل أن يدرس بجانبهم شخص مصاب بالتوحد، وكانوا يعتبرون المصاب بهذا المرض لا يستحق أن يدرس بين أشخاص أسوياء”.
وتابع: “كنت لا أعير هذه المضايقات أي اهتمام، وكنت أذهب إلى الدراسة على أساس أني في مهمة نبيلة، فلم أكن لأشغل نفسي بنظرة الآخرين، وأترك الهدف الرئيسي لي، وهو طلب العلم”.
وزاد: “طريق العلم ليس مفروشاً بالورود، ولم أصل إلى هذه الدرجة إلا بعد تعب من أجل الوصول إلى هدفي، فحصلت على الثانوية العامة، وحظيت إثرها باستقبال من قبل الملك محمد السادس، وأكملت مسيرتي الجامعية وصولاً إلى الحصول على شهادة الدكتوراه”.
وحسب الشاب المغربي، فإن إعاقته شكلت له حافزا ًمن أجل المثابرة والاجتهاد، ولم تكن الحاجز الذي أعاقه عن الوصول لهدفه. وأوضح أن “هذا الهدف وتحقيقه لا يعرف مصاباً بالتوحد أو غير مصاب به، فكلنا عند الله أسوياء، بل يتحقق بمقدار ما يبذل الإنسان من جهد في سبيل الوصول إلى النجاح والتفوق”.
وأفاد بأن نجاحه وإن كان تحقق ببذل الجهد والعمل الدؤوب الذي قام به، إلا أنه كان لعائلته وأساتذته الفضل الكبير في تتويج مسيرته الدراسية بالحصول على الدكتوراه.
واستطرد: “صحيح أني عملت وتعبت خلال مراحلي الدراسية المختلفة، إلا أن عائلتي وأساتذتي كان لهم الفضل الكبير علي من خلال توجيهاتهم ونصائحهم وإرشاداتهم”.
وزاد: “أعتبر أن كل أساتذتي بمثابة آباء روحيين لي وكانوا لا يبخلون علي بالنصيحة والإرشاد وأنا على مقاعد الدراسة”.
وتابع: “أوجه رسالة لكل المصابين بالتوحد أن يجتهدوا في طلب العلم، لأن العلم لكل الناس وليس للأسوياء فقط، ومن سهر الليالي نال المعالي”.
ولا يقتصر تميز بن عبد السلام فقط على تفوقه الدراسي، وإنما يتجاوز ذلك إلى العديد من المجالات، حيث يحفظ الشاب المغربي المتوحد القرآن الكريم، إضافة إلى موهبته في كتابة المدائح النبوية وإنشادها. كريمة بوعمري، أستاذة العقيدة في جامعة “محمد الخامس” في العاصمة الرباط (حكومية) والمشرفة على أطروحة كريم للدكتوراه، قالت إنه “رغم مرضه كان مثالاً للطالب المجتهد في إعداد أطروحته”. وأضافت: “نظراً للحالة الصحية للطالب ارتأيت منذ اليوم الأول أن يعد بحثه تحت إشرافي، وعاملته بعاطفة الأمومة إلى جانب المعاملة العلمية والأكاديمية”.
وتابعت: “لم أشعره منذ اليوم الأول بأنه مريض، وكان هو في المقابل مجتهداً في دروسه، ولم ألحظ عليه أي فرق بينه وبين الطالب العادي في أداء واجباته وما يطلب منه”.
وذكرت أن “حصول الطالب بن عبد السلام على شهادة الدكتوراه لم يكن إشفاقاً نظراً لحالته الصحية، وإنما كان استحقاقاً بشهادة اللجنة العلمية التي ناقشت البحث الذي تقدم به، وحصل على تقدير ممتاز من قبل اللجنة”.
تجربة مهنية
وإلى جانب تغلبه على مرض التوحد بإكمال مسيرته الدراسية، يمارس كريم عبد السلام، حياته المهنية أيضاً في تحقيق وتنقيح المخطوطات في مكتبة “الخزانة الحسنية” (حكومية) في الرباط.
وعن تجربته المهنية يؤكد، أنه لم يلمس أي صعوبات في التأقلم أو أداء الأعمال الموكلة إليه في مكان عمله.
وأردف: “أعمل في تنقيح وتحقيق المخطوطات، وهذا العمل يروقني كثيراً، ويشكل فرصة لي للتعرف والاطلاع أكثر على أحداث عاشها المغرب وعاشها العالم الإسلامي منذ فترات من الزمن”. وختم بالقول: “وما سهل علي أداء هذا العمل أن تعرفت خلاله على أناس لمست فيهم الطيبة والتفهم لهذا المرض الذي أعاني منه”.
تعليقات الزوار ( 0 )