شارك المقال
  • تم النسخ

قضية لخصم تحمل كل أوجه النقاش الديمقراطي بالمغرب

رغم تحفظي عن الخوض في تفاصيل وجزئيات قضية مصطفى لخصم رئيس الجماعة الترابية ايموزار كندر، لأنها مازالت رهن سرية البحث التمهيدي، فيمكنني بصفة عامة ومجردة القول إنها؛ ليست بسيطة رغم مظهرها الذي ييسر الفهم ويدعو إلى تبسيط الظن.

إنها قضية تتجاوز شخص المشتكى به (أقصد مصطفى لخصم) من طرف سلطة الوصاية، وتتجاوز حتى مؤسسة العامل عبر القائد الذي شكل الطرف المباشر في وضع الشكاية، لتتشكل استنتاجا كقضية مركبة بما يجعلها تحتاج رؤية قانونية وإدارية نسقية مركبة تؤمن فعلا بالحق في فضح الفساد، وفق ما تسمح له متون القانون الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتضمن في الوقت ذاته قرينة البراءة لكون رمي الناس بالفساد دون إقامة الحجة يصب في خانة الوشاية الكاذبة وفعل التشهير .

وأومن أن خلفيات القضية تكمن في تنازع الاختصاص في إطار العلاقة بين رؤساء الجماعات الترابية كسلطة منتخبة وفق تعاقد ديموقراطي زكته صنادق الاقتراع، والإدارة الترابية بكل الاختصاصات المخولة لها عبر مضامين القانون التنظيمي 113/14، كما تعمل على إنفاذها مؤسسات (وزارة الداخلية) ، التي تستأثر بحق الوصاية ويمتد إلى العزل تحت رقابة القضاء الإداري المختص.

إنها، وبناء على ما سلف، قضية تدور حول سلوك المنتخب (الفاعل الحزبي) بشكل عام بعيدا على الاستثناءات خارج القاعدة التي تؤطر منطق ونوايا اشتغال الفعل الحزبي – السياسي المغربي، فهو فاعل انتهازي جرت العادة قصده دخوله معترك السياسة مناشدة الاغتناء وتحقيق مكاسب شخصية، وبذلك يتم إعلان الحرب على كل من خرج عن سكة هذا الانغماس لخدمة المصلحة الخاصة، وآثر المصلحة العامة وفق سياقات البراجماتية الأنانية الحزبية، التي تطغى على المشهد السياسي بالوطن، رغم وجود استثناءات تفيد وجود نزهاء يحترمون قدسية المال العام.

وعليه عندما يكون الفاعل الحزبي خارج نمطيات البرغماتية يكون عرضة للرفض والحرب بموازاة دخوله أيضا في كنف حرب أخرى ضد لازمة ما يعرف بـ ” محاربة الفساد “، وبذلك يبدأ في رشق الناس بالفساد دون مراعاة للحق في قرينة البراءة المنصوص عليها في مختلف المتون الدولية، وفي دستور المملكة، وفي المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية.

ومن أهم معيقات معانقة الحكامة الجيدة في ممارسة السياسة نسجل أحيانا عدم حياد الإدارة الترابية حيال الفاعل الحزبي، إنها بذلك معركة غياب الرقابة على طريقة إنجاز الأشغال محل الصفقات العمومية أو حضور الرقابة بأشكال قاسية بما يضرب في الصميم مبدأ حياد الإدارة وموضوعية إنفاذ سلطة الوصاية، أولا ثم الرقابة ثانيا؛ مع ما يترتب عن ذلك من العبث بالمشاريع العامة وبالتالي هدر المال العام وتبديده بما ينتهي إلى تعطيل عجلة التنمية.

إنها أيضا قضية المساواة أمام القاعدة القانونية، وقضية الأمن القانوني عن طريق نفخ الروح في قواعد قانونية دستورية من قبيل الحق فضح الفساد، وتطبيقها تطبيقا سليما، وفي الوقت عينه تفادي الحكم على السلطة الإدارية التي تمارسها السلطة المحلية بالفساد في انتهاك واضح لقرينة البراءة أولا، وكذا انتهاك سلطة الملاءمة والتكييف كسلطة مخولة حصرا للقضاء دون غيره.

إنها أيضا قضية المسؤولية أثناء إبداء الرأي والتعبير، وتفادي الانزلاق والوقوع في المحظور، وتجنب إطلاق الكلام على عواهنه دون إثبات ودليل بدافع الحماس حينا وبدوافع أخرى أحيانا كثيرة؛ سواء وسط التجمعات، أو في وسائل التواصل الاجتماعي، أو جوابا على أسئلة استراتجية صحفية تطرح ضمن لعبة “لبوز”، والبحث عن اقتناص المشاهدات من مدخل انتهاك قرينة البراءة، وأخذ موقع القضاء في اتهام الغير بالفساد، بما قد يشكل حقيقة أركانا لفعل جرمي قائم في ظل غياب الحجة وضعف إقامة الدليل الذي يسند القول والتصريح، رغم أنه حتى بوجود الدليل قد يقع الفعل تحت طائلة التشهير الممنوع بقوة القانون.

وبين الحق في فضح الفساد، ووجوب احترام قرينة البراءة شعرة معاوية لا يفهمها إلا الحكماء، وأقوال الحكماء منوعة عن العبث.

*محامي بمكناس خبير في القانون الدولي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي