لا تنتفك العلاقات المغربية الإماراتية تنتقل من أزمة إلى أخرى ومن مطب إلى آخر، حيث شهدت منصات التواصل الاجتماعي مؤخرا تراشقا إعلاميا بين نشطاء مغاربة استهجنوا حملة ممنهجة وموجهة تقودها صفحات إلكترونية مدعومة إماراتيا على المغرب متهمة إياه بالفشل في محاربة وباء كورونا المستجد وبعد الاهتمام بالشعب، وهو نفس المنحى الذي اتخذته روبورطاجات وتقارير إعلامية بثتها قناة العربية حول التدابير الحكومية المغربية لمواجهة الوباء.
قبل ذلك، سحب المغرب سفيره من الإمارات وقنصليه في كل من أبو ظبي ودبي، فيما يشبه الرد على عدم تعيين الإمارات سفيرا لها في المغرب منذ أبريل 2019. فهل تعبر هذه الأزمات المتتالية عن تحول في طبيعة العلاقات الاستراتيجية التي ربطت البلدين تاريخيا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سحابة صيف عابرة.
لم تكن العلاقات المغربية الإمارتية منذ تأسيسها قبل أزيد من نصف قرن اعتيادية بالنسبة للطرفين، بل إن مجالات ومساحات التقاطع والتقارب بينهما تعددت وتنوعت مشكلة ارتباطات ومصالح حيوية مشتركة.
فالمغرب استفاد باستمرار من الدعم المالي والاقتصادي لدولة الإمارات التي احتلت المرتبة الأولى عربيا والثانية عالميا بعد فرنسا ضمن الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة %15، ناهيك عن كونها أول مستثمر في بورصة الدار البيضاء إذ تنشط شركاتها في مجالات الاتصال والطاقة والموانئ والبنية التحتية والسياحة والعقار وغيرها، وهي القطاعات الاقتصادية التي تختزل الخيارات الاقتصادية الكبرى للدولة المغربية. كما أن عمليات الدعم والتمويل المباشرة (المنح المالية) وغير المباشرة (تمويل مشاريع اقتصادية) استمرت في توجيه علاقات البلدين.
من جهته، يمكن اعتبار المغرب الحليف الطبيعي والتاريخي للإمارات في المغرب العربي، وعضوا نشيطا ومؤثرا في نادي الملكيات والإمارات العربية بزعامة دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ذلك أن المواقف المغربية ظلت باستمرار متماهية مع السياسات الخليجية ومصطفة إلى جانبها. ويجوز القول أن النظام المغربي ساهم بشكل حاسم في بلورة التصورات والرؤى الخليجية للنظام الرسمي العربي في مراحل تاريخية حساسة، ونشير في هذا السياق إلى الأدوار المغربية في تقوية الجبهة المعارضة للفكر الناصري الثوري وفتح المجال أمام بروز المعسكر العربي المحافظ المشكّل أساسا من الملكيات، خاصة فيما يتعلق بالرؤية لمنهج تدبير الصراع العربي الإسرائيلي ومواجهة المد الشيعي وتأسيس ملامح التكتل الإسلامي المتمثل في منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1969.
وليس من المبالغة في شيء القول بأن العقيدة الأمنية الخليجية بشكل عام والإماراتية بشكل خاص تستند في جزء رئيسي منها على التعاون والتحالف مع ملكية عريقة ذات شرعية تاريخية ودينية، وذات مؤهلات وقدرات عسكرية وأمنية معتبرة. ولعل هذا ما يفسر حجم التواجد الأمني والعسكري المغربي في الإمارات المقدر بحوالي 5000 عنصر، والذي يعزز من الاستراتيجية الدفاعية للإمارات المبنية على الاستعانة بالقدرات العسكرية والأمنية للملكيات السنية القادرة على الدفاع على الأنظمة والمؤسسات الخليجية في مواجهة أية تهديدات محتملة.
غير أننا نعتقد أن ثمة ثلاث أسباب رئيسية نقلت العلاقات المغربية الإماراتية من مساحة الوفاق إلى مساحة الخلاف وهي:
أولا: الاقتراب الإماراتي المتنامي من مجالات الخصوصية المغربية
من المعلوم أن البناء السياسي الشامل للدولة المغربية سواء في بعده الداخلي أو الخارجي يرتكز على جملة من المرجعيات التي تشكل النواة المركزية للدولة. وإذا كان المجال لا يسع لبسطها، فيكفي القول بأن مجالين اثنين يشكلان أحد أركان التعريف السياسي للنظام المغربي، الأول وهو تدبير وتوجيه الميزان الداخلي للقوة بين مختلف التشكيلات والتنظيمات الحزبية والسياسية، وتحديد مواصفات اللحظات والمحطات السياسية، والثاني وهو مجال السياسة الخارجية بشكل عام ورسم خريطة التحالفات والخيارات الخارجية. ومنذ اندلاع أحداث الربيع العربي ثمة مؤشرات أن الإمارات سعت للاقتراب من هذه المجالات تأثيرا وتوجيها متجاهلة الخصوصيات المحلية والمعطيات والأولويات الداخلية. فهي لم تكن تنظر بعين الرضا لتولي حزب ذي مرجعية إسلامية زمام السلطة، ولم تتوقع سلوكا مغربيا متوازنا تجاه حصار قطر أساسه عدم الرغبة في خلق عداوات مجانية، ولم تستسغ نجاح الوساطة المغربية في الصراع الليبي وعرقلت تفعيله وتنزيله من خلال دعم قوات اللواء المنشق خليفة حفتر.
ثانيا: بداية تفكك منظومة المصالح الاستراتيجية المشتركة
بات واضحا وجود تباين على مستوى التطلعات والخيارات الاستراتيجية بين المغرب والإمارات، فبالنسبة للمغرب أضحى التعاون جنوب-جنوب مفهوما وتوجها مركزيا في السياسة الخارجية للدولة المغربية تسعى من خلاله لتجاوز الإطارات التقليدية لعلاقاته الخارجية، كما أن الإمارات العربية واستنادا إلى العامل الاقتصادي، فقد زادت حماستها ورغبتها في توسيع دائرة نفوذها وتأثيرها الدولي والتوجه نحو التحكم في المجالات الجغرافية القريبة من حدودها مثل اليمن ومصر وليبيا وسوريا وفلسطين وغيرها.
ثالثا: تباينات السلوك الخارجي للدولتين
أضحت تصرفات دولة الإمارات في السنوات الأخيرة وخاصة بعد مرحلة الربيع العربي تعكس رغبة حكامها وتوجههم نحو السيطرة الإقليمية، وقد وظفت في ذلك إمكاناتها المالية والاقتصادية، فدعمت الانقلابات العسكرية في مصر وتركيا، ووسعت طموحاتها نحو ليبيا وتونس ومصر واليمن والصومال وقطر وعمان وغيرها. وتصدرت مسيرة التطبيع مع ”إسرائيل” في صيغتها الجديدة الرامية إلى تنزيل ترتيبات الطي النهائي للقضية الفلسطينية. وهذا التحول الجذري في السلوك الاستراتيجي والسياسي الخارجي الإماراتي لم يكن ليتناسب بتاتا مع أدبيات وتقاليد السياسة الخارجية المغربية، ومع فلسفة الانتشار الدبلوماسي الجديدة للمغرب المرتكزة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتبني سياسات التوازن والاعتدال والبحث عن مجالات ومساحات للتعاون والتنسيق والشراكة.
من السابق لأوانه الحديث عن تحول حقيقي في العلاقات المغربية الإماراتية التي راكمت عقودا من الارتباط والتحالف والتنسيق، إلا أن استمرار هذه العلاقات وديمومتها وفق مستوى التفاهمات التاريخية بين البلدين رهين بالدرجة الأولى باحترام سيادة القرار المغربي الداخلي والخارجي ودعمه، وتجنب تحريك معارك هامشية بالوكالة ضده. كما أنه من مصلحة الإمارات العربية المتحدة الحفاظ على حد أدنى من التوافق مع النظام المغربي بالنظر لخصوصياته ومؤهلاته وموقعه. ويبقى خيار إعادة التفكير في هندسة التحالفات والتوجهات الخارجية رهانا مستقبليا محوريا للدولة المغربية.
* باحث في قضايا السياسة الخارجية المغربية
نتمنى أن يسود الإحترام المتبادل و التآخي بين البلدين..