تعيش العلاقات المغربية التركية، منعطفا جديدا، بعد إبداء الطرفان استعدادها التعاون في العديد من القضايا المشتركة، أبرزها المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية للبليدن، والتعاون الاقتصادي، والدور الهام الذي تلعبه الرباط وأنقرة في تحولات الملف الليبي.
وفي ذات السياق، أجرى الطرفان، من خلال وزيرا الخارجية، ناصر بوريطة، وتشاووش أوغلو، مباحثات عبر تقنية الاتصال المرئي، أكدا من خلالها إشادتهما بالعلاقات التي تربط البلدين، والشراكة الممتازة التي تتسم بها علاقة الرباط وأنقرة، و(أكدا) على ضرورة تفعيل آليات الحوار والتعاون وعقد لقاءات جديدة للحوار السياسي واللجنة المشتركة.
ووفق بلاغ الخارجية ألمغربية، فإن وزيرا الخارجية، بوريطة وتشاووش أوغلو، أكدا على ‘’أهمية توطيد الشراكة الاقتصادية من خلال وضع خارطة طريق تهدف إلى تشجيع الاستثمار والاستفادة من سلاسل القيمة الجديدة، بالإضافة إلى الإعلان عن تنظيم منتدى اقتصادي يتمحور أساسا حول التجارة والاستثمار، وذلك على هامش الاجتماع المقبل للجنة المشتركة’’.
وفي سياق اللقاء، أشاد وزير الخارجية التركي، تشاووش أوغلو، بالدور القيادي للملك محمد السادس في المنطقة، وبالجهود الجادة والموثوقة التي يبذلها المغرب كقطب إقليمي للاستقرار والتنمية.
رغبة تركية للارتقاء بعلاقتها مع المغرب
وفي ذات السياق، قال ادريس قسيم، الباحث في قضايا السياسة الخارجية المغربية إنه ‘’من الواضح أن هناك رغبة تركية للارتقاء بعلاقتها مع المغرب إلى مستويات متقدمة من التنسيق والتعاون السياسي والاقتصادي. وهذه الرغبة تجسدت في إشارات صدرت عن القادة في تركيا، كان أبرزها تصريح الرئيس التركي سنة 2019 عن عدم اعتراف بلاده بجبهة البوليساريو وعن استعداده للوساطة بين المغرب والجزائر لحل المشاكل العالقة’’.
وأضاف الباحث، أنه ‘’بالمقابل سبق للمغرب وأن أعلن عن رفضه للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في يونيو 2016، وإقدام السلطات المغربية على إغلاق جميع المؤسسات التعليمية التابعة لمجموعة “محمد الفاتح” الخاصة ومنظرها زعيم جماعة “خدمة” التركية فتح الله غولن، وكذلك تلقي الرئيس التركي دعوة من قبل الملك محمد السادس لزيارة تركيا’’.
مؤكدا في ذات السياق، أنه ‘’على المستوى السياسي، ساهمت سياقات دولية وإقليمية في خلق مساحات مهمة للتقارب المغربي التركي، وأفرزت تقاطعات مهمة على مستوى مواقف البلدين، أبرزها الملف الليبي، حيث ‘’يعتبر المغرب وتركيا لاعبان رئيسيان في هذا الملف الذي مكن كلا البلدين من الظهور بمظهر القطب الإقليمي المعني بقضايا المنطقة والقادر على المساهمة في توجيهها وحل مشاكلها’’.
كما أشار الباحث الباحث في قضايا السياسة الخارجية المغربية، إلى أن أن القضية الفليسطينية، تعد هي الأخرى من بين أبرز الملفات المشترك، حيث ‘’تعتبرها تركيا قضيتها تعبيرا عن توجهاتها الخارجية الجديدة المرتكزة على اعتبارات الهوية والمسؤولية التاريخية والدينية، وهي رؤية لا تبتعد كثيرا عن المقاربة المغربية باعتبار الملك محمد السادس رئيسا للجنة القدس’’.
مبرزا أن ‘’مجال المتوسط، هو مجال حيوي “مفضل” لكلا البلدين. في الفكر الاستراتيجي التركي، يؤدي المتوسط وظيفة المنطقة المحيطة التي لا غنى عنه للحفاظ على مقومات القوة الإقليمية والارتقاء إلى مرتبة القوة العالمية. وبالنسبة للمغرب، فإن انتماءه إلى الفضاء المتوسطي بالإضافة إلى كونه حقيقة جغرافية، فإنه توجه بنيوي استنادا إلى التفاعلات والأحداث والتدفقات التي تتم في هذا المجال’’.
وأردف:’’في إفريقيا، توظف تركيا “سمعتها التاريخية” باعتبارها دولة ليس لها ماض استعماري في القارة الإفريقية، وكذا إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والثقافية في الامتداد الاستراتيجي نحو أهم المجالات الحيوية (القرن الإفريقي، شمال إفريقيا، جنوب الصحراء). أما المغرب فقد أضحى التوجه نحو إفريقيا مؤسسا ومهيكلا، ويتموقع ضمن الخيارات الاستراتيجية الكبرى للدولة’’.
تركيا تخشى خسارة السوق المغربية خاصة بعد تلويح المغرب بضرورة مراجعة اتفاقية التبادل
وأكد إدريس قسيم، الباحث في قضايا السياسة الخارجية المغربية، في تصريحه لمنبر بناصا أنه ‘’على المستوى الاقتصادي، تخشى تركيا التي تعيش على إيقاع متاعب اقتصادية خسارة السوق المغربية خاصة بعد تلويح المغرب بضرورة مراجعة اتفاقية التبادل الحر وإمكانية إلغائها بسبب الارتفاع الكبير في عجز الميزان التجاري بين البلدين. كما تعتبر تركيا السياسة الاقتصادية المغربية في إفريقيا تجربة تستحق الاهتمام بها والالتفات إليها بالنظر للأوراش الكبرى التي استطاع المغرب اقتحامها في هذه القارة الواعدة’’.
وتجدر الاشارة إلى أن المغرب وتركيا وقعا في أبريل 2004 اتفاقية للتبادل الحر دخلت حيز التنفيذ سنة 2006. سمح هذا الاتفاق بالرفع من حجم المبادلات التجارية بين البلدين من 688 مليون دولار سنة 2006 إلى 2,8 مليار دولار سنة 2018، وتنشط في المغرب 160 شركة تركية في مجالات البناء والتشييد والتجارة بالجملة والتقسيط والنسيج. احتلت تركيا سنة 2018 المرتبة السابعة ضمن الشركاء الاقتصاديين للمغرب، بينما يوجد هذا الأخير في المرتبة 45 بالنسبة لشركاء تركيا الاقتصاديين.
وفي ذات السياق، سبق لوزير الصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي المغربي، مولاي حفيظ العلمي، أن أقر خلال جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس المستشارين يوم 19 نونبر الماضي، بأن ‘’وزارته تعكف على إعداد دراسة تتعلق بتقييم جميع اتفاقيات التبادل الحر التي تربط المغرب ببعض الدول، وقد تتخذ قرارا بإلغاء بعض الاتفاقيات التي تلحق أضرارا بالاقتصاد الوطني على حد تعبيره، يأتي هذا التصريح في وقت تحدث فيه تقرير صادر في يوليوز 2019 عن مكتب الصرف المغربي عن ارتفاع العجز في الميزان التجاري بين المغرب وبعض شركائه الاقتصاديين، خاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وإيطاليا’’.
تردد مغربي
وقال ادريس قسيم، الباحث في القضايا الخارجية المغربية، في تصريحه لمنبر بناصا ‘’غير أن كل ما سبق ذكره من مؤشرات، لا يمنع من القول أن ترددا من الجانب المغربي يمكن تسجيله في تحقيق اختراق في إطار علاقته مع تركيا، وأعتقد أن سبب ذلك هو حاجة المغرب إلى استيضاح واستجلاء الدوافع والطموحات التركية في المنطقة، خاصة وأن العلاقات السياسية والاقتصادية التركية مع الجزائر تبقى متقدمة إلى حد كبير مع نظيرتها المغربية’’.
تعليقات الزوار ( 0 )