فى الواحد والعشرين من شهر يوليو الجاري 2021 مرّت مئة عام على معركة “أنوال” الماجدة التي شهدتها أراضي الريف الوريف فى مثل هذا التاريخ من عام 1921، حيث أبلىَ المجاهدون الأبرار، والشّهداء الأخيار البلاءَ الحسن، تغمّدهم الله تعالى بواسع رحمته ، وأنزل عليهم شآبيب مغفرته ورضوانه، وأسكنهم فسيح فراديسه وجنانه، و سجّلوا بحروف سرمدية ذهبيّة واحدة من أكبر وأعظم المعارك الباسلة التي ما إنفكّ يذكرها ويتغنّى بها المغرب من أقصاه إلى أقصاه ويشاركه أحرار العالم فى مختلف أنحاء، وأصقاع، وبقاع المعمور الاحتفال بهذه الذكرى الخالدة باعتبارها واحدة من أبهر،وأكبر المعارك التحرّرية التي عرفها تاريخ المغرب المعاصر ضد المُستعمر الغاشم ، التي مرّغت أنف اسبانيا في الوحل وأذاقتها وجيوشَها النظاميّة العرمرمة ، وجنودَها الذين تخرّجوا من أرقىَ وأعلى المعاهد العسكرية، والحربية الإسبانية المتخصّصة هزائمَ مُنكرة ،لم تعرفها إسبانيا فى تاريخها العسكري الطويل منذ ضياعها لكوبا فى الكرايب، حتى أصبحت تُنعت فى سجلاّتهم التاريخية ،ويومياتهم العسكرية، وتقاريرهم الرّسمية،وحديثهم اليومي المتواتر ب: ” كارثة أنوال ” !.
رحماكَ يا ربَّ العِباد بَاحَ القلبُ وَصَدحَ الفؤاد
الكاتب والصحافي المغربي الصديق محمد بوندي( الخبير فى العلاقات الإسبانية المغربية) نشر مؤخراً بهذه المناسبة بجريدة “بيريوديستاس” Periodistas الإسبانية مقالاً ضافياً رصيناً وموثّقاً عن هذه المعركة التاريخية ،حيث إستهلّ مقاله بالإشارة: ” إلى أنّ إسبانيا خلال هذه المعركة التي دارت رحاها فى 21 و22 يوليو من عام 1921 مُنيت بأكبر هزيمة عسكرية فى القرن العشرين ،والتي ظلّت مسجّلة فى الذاكرة الجماعية للإسبان بإسم ” كارثة حرب الريف ” فى منطقة الحماية الإسبانية بشمال المغرب “. ويشير الكاتب :” أنّ الوجه الأكثر قساوة، وضراوة لهذا النزاع يعود لعام 1919 عندما فقد الجيش الإسباني المبادرة فى ساحة الوغى . وتوصف هذه الحرب فى كتب التاريخ، وفى اليوميّات والتقارير الصحافيّة الإسبانية بأنّها الإختبار الأكثر جديّة ، والأكثر إيلاماً ،و الأكثر فتكاً الذي تحمّله الإسبان على مضض منذ ضياع كوبا”.
فى مثل هذا اليوم ، وفى مثل هذا التاريخ المشهود ،طُوِيتْ صفحةٌ رائعة من صفحات تاريخ المغرب المعاصر ممثّلةً فى الحرب التحرّرية أو الملحمة الرّيفيّة التي لم تُطْو أصداؤها ،وأبعادها،وأمجادها،إلى يومنا هذا المشهود، وبهذه المناسبة نتضرّع إلى المولى جلّ وَعَلاَ ليشملَ كافةَ مجاهدينا الأشاوسَ الأبرار،وشهداءَنا الميامينَ الأخيار برحمته الواسعة، وأن يُسكنهم اللّهُ تعالى فسيحَ فراديسه ،وجنانه، وأن يُمطر عليهم شآبيبَ رحمته ورضوانه.
ومن بينهم أذكر فى هذا المقام ( جدَّنا الأبرّ من والدنا المُنعّم تغمّدهما اللهُ تعالى بواسع رحمته ) المجاهد “مُوحْ نَ سِّي أحمد الورياغلي الأجديري الرّيفي خطّابي” شهيد هذه المعركة الكبرى، إلى جانب العديد من رفاقه الشّهداء الميامين، والأبطال الصّناديد الآخرين تغمّدهم المولى جلّ وعلا جميعاً بواسع رحمته ، وأمطر عليهم شآبيبَ رحمته، ورضوانه، وغفرانه،وذلك فى يوم الأربعاء 21 من شهر يوليو 1921، وهو تاريخ وقوع هذه المعركة الفاصلة التي يمرّ عليها هذه السنة قرنٌ من الزمان .
إستذكاراً، وإستحضاراً وتخليداً لهذه المعركة التي منح فيها وخلالها المجاهدون الصّناديد، والشّهداء الأبطال رحمهم الله تعالى بكلّ سخاء النّفسَ والنّفيسَ، من أجل صَوْن كرامتهم، وشهامتهم، وشرفهم، ونخوتهم ببسالة، وشهامة، وشجاعة منقطعة النّظير ضدّ المستعمِر الدخيل ،والتي سَمَتْ بالمغرب، و بأهل الرّيف، وبالمغاربة الأحرار قاطبةً إلى أعلى مراتب العزّة ، وأسمى منازل الفخر، وبوّأتهم أرقىَ مقامات السّؤدد والمجد،. وعلى الرّغم من شحط والمزار،والبُعد عن الدّيار، وعلى الرّغم من الحواجز، والسياجات،والعراقيل، والكمامات التي فرضتها علينا الجائحة اللعينة خلال هذه الذكرى العطرة فقد فاضت القريحة ، وجاد العقلُ، وباحَ القلبُ، والرّوحُ، والوجدانُ، وصاحَ الِلسانُ ،والجَنانُ، بهذه الإفصاحات التلقائية، والإجهاشات الإستكناهية العفوية، بهذا الدّفق والتداعي ، فقلتُ :
أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات
تَعَالىَ بناءُ المجدِ بالكوكبِ الدرِّي
ونورُ شموسِ اللّه أشعّ مع الفَجْرِ
تَعَالىَ حِمَى الإيمانِ والعدلِ والهُدَى
وقوّةُ بأسٍ دونها قوّة الذرِّ
أبطالٌ ب”أنوال” جاشتْ نفُوسُهم
فأصبحُوا نورَ التُّربِ والمسكَ للقبرِ
فهامت عقولٌ كانت بالأمس رشدَها
وزاغتْ عيونٌ دمعُها لجّةُ البَّحرِ
أشاوسُ طابت لكم الشّهادةُ والعُلَى
وإسمُكم على كلِّ لسانٍ به يَسْرِى
لقد هبّ المجاهدون عن بكرة أبيهمُ
وحلّت على الأعداءِ قاصِمَةُ الظّهرِ
وَكَالطّيرِ مقصوصِ الجناحينِ فإرْتَمَى
على الصّخرِ منهوكاً تحطّم بالكسرِ
كأنّ لدَى إستشهادكُمْ يا نخوةَ أَرْضِنَا
جُسُومٌ بلا رأسٍ أيادٍ على البَّترِ
أبناءُ الأماجدِ والأفاضلِ والحِجَى
أحفادُ المَكَارِم والميامين والفخرِ
كلُّ المداشرِ والعشائرِ تحتفى
ببسالتكم دَوْماً من نَصْرٍ إلى نصرِ
فخرَ الأمازيغ والصّناديدِ والنُّهَى
مجدَ المعالي والنّدَى وغُرّة الدّهرِ
أساسُ بسالتكمْ فرقانٌ وشهادةٌ
وذِكْرُكُمُ للّهِ فى السرِّ وفى الجَّهْرِ
شجاعتكمْ فى القلوبِ لنا تميمةٌ
ودَفقٌ من حيث أدْرِى وَلاَ أدْرِىِ
“أجْديرُ” قد ألقى إليكم بسَمْعِهِ
وذِكْرُكمْ فى كلِّ رياضٍ به يَجريِ
عَجَباً أنْ يُرَوَّعَ الرُّومِيُّ(*) ويَنْثني
تحت أَقْدَامِكم وإِقْدَامِكم سَاعَةَ الظّفرِ
طلائعُ الرّيفِ تهفو إليكمْ بقلبها
وذكراكمُ فى كلِّ جَناَن عاطرةِ الذّكرِ
حُشْدٌ على الحقِّ صُنَّاعُ المَجْدِ والفِدَا
مع كلِّ طلعةِ شمسٍ أو قمَرٍ أو بَدْرِ
أنوالُ يا مَعْقِلَ البطولات بأسرها
أدواحُكِ الفيحاءُ دائمةُ النّضرِ .(***)
(*) كاتب من المغرب عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوتا كولومبيا.
(**)”الرُّوميّ” أو ذَارُوميِ ، هو الإسمُ أو النّعتُ الذي كان يطلقه أهلُ الرّيف على الإسبان،أو على الأجنبيّ بشكل عام، وواضحٌ أنّ هذا الإسم يعود للرّوم منذ وجود الإمبراطورية الرومانية قبل الفتح الإسلامي بشمال إفريقيا، وجَمْعُه “إِيرُومِييّن ” .
(***) تحريراً في 21 يوليو 2021 في حيّ المزمّة حاضرة ( أجدير) الحَصين – الحسيمة (المغرب)
تعليقات الزوار ( 0 )