قررت الجزائر، إغلاق مجالها الجوي أمام مالي، وذلك في أول رد رسمي على اتهامها من قبل جارتها الجنوبية، بممارسة عمل عدائي، عبر استهداف طائرة بدون طيار تابعة لها.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عبر منشور على صفحتها على “فيسبوك”، إنه السلطات “قررت غلق مجالها الجوي أمام مالي، نظرا للاختراق المتكرر من طرف دولة مالي لمجالنا الجوي”.
وأضافت وزارة الدفاع، أن الحكومة الجزائرية، قررت “غلق هذا الأخير في وجه الملاحة الجوية الآتية من دولة مالي أو المتوجهة إليها وهذا ابتداء من اليوم الموافق لـ 7 أبريل 2025”.
جاء هذا بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الخارجية الجزائرية، عن الرد بالمثل على قيام مالي والنيجر وبوركينافاسو استدعاء سفرائهم لديها، مؤكدةً رفضها لاتهامات مالي، في قضية إسقاط الطائرة المسيرة.
وأوضحت الجزائر، أن استهدافها للطائرة بدون طيار المالية، “كانت له مبرراته بعد أن تم رصد مناورة خطيرة لمسيرة مالية داخل المجال الجوي الوطني للجزائر”.
وقالت الخارجية الجزائرية، في بيان لها، إنها “أخذت علما ببالغ الامتعاض بالبيان الصادر عن الحكومة الانتقالية في مالي، وكذا البيان الصادر عن مجلس رؤساء دول اتحاد دول الساحل”.
واعتبرت أن الاتهامات التي وُجهت إليها، من قبل الحكومة الانتقالية “الباطلة، رغم خطورتها، لا تمثل إلا محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الانقلابي القائم، والذي أدخل مالي في دوامة من اللا أمن، واللا استقرار، والخراب، والحرمان”، حسب تعبيرها.
وتابع البيان، أن الجزائر ترفض بقوة هذه المحاولات اليائسة، المتجسدة في سلوكات مغرضة لا أساس لها من الصحة، تسعى من خلالها “الطغمة الانقلابية المستأثرة بزمام السلطة في مالي”، إلى “جعل الجزائر كبش فداء لنكساتهم وإخفاقاتهم، التي يدفع الشعب المالي ثمنها الباهظ”.
واسترسل البيان، أن “فشل هذه الطغمة واضح على كافة المستويات: السياسية، والاقتصادية، والأمنية”، معتبراً أن “النجاحات الوحيدة التي يمكن لها التباهي بها، هي إرضاء طموحاتها الشخصية على حساب تطلعات الشعب المالي، وضمان بقائها على حساب أمن البلاد، وافتراس الموارد الضئيلة على حساب تنمية هذا البلد الشقيق”.
وبشأن مزاعم الحكومة المالية بوجود علاقة بين الجزائر والإرهاب، فقال البيان، إنها تفتقر إلى الجدية إلى درجة “لا تستدعي حتى الالتفات أو الرد عليها”، متابعةً أن “مصداقية الجزائر والتزامها بمكافحة الإرهاب لا تحتاج إلى تبرير أو دليل. وأضاف أن التهديد الأول والأخطر الذي يواجه مالي اليوم هو عجز الانقلابيين عن التصدي الحقيقي والفعال للإرهاب، إلى حد إسناد هذه المهمة إلى مرتزقة طالما عانت منهم إفريقيا في تاريخها المعاصر”.
أما فيما يتعلق بإسقاط طائرة مالية بدون طيار، فقد ذكرت الجزائر، بأن الحادث كان محل بيان رسمي سابق صادر عن وزارة الدفاع الوطني، مجددة تمسكها بمضمونه، والذي يقول إن المسيرة أسقطت بعد دخولها إلى الأراضي الجزائرية بكيلومترين اثنين، وهو ما يناقض الصور التي تؤكد أن “الدرون” سقطت داخل تراب دولة مالي. وقالت الجزائر في بيانها إن “جميع البيانات المتعلقة بالحادث، بما في ذلك صور الرادار، متوفرة في قاعدة بيانات وزارة الدفاع الوطني الجزائرية، وتثبت بوضوح انتهاك المجال الجوي الجزائري”.
وأشارت إلى أنه “لم يكن هذا أول انتهاك من نوعه، إذ تم تسجيل حالتين مماثلتين خلال الأشهر القليلة الماضية: الأولى بتاريخ 27 أوت 2024، والثانية بتاريخ 29 ديسمبر 2024، وتتوفر الوزارة على كافة البيانات التي توثق هذين الانتهاكين”، مسترسلةً “أما بخصوص حادث ليلة 31 مارس إلى 1 أبريل 2025، تظهر البيانات، بما في ذلك صور الرادار، انتهاك الطائرة بدون طيار للمجال الجوي الجزائري بمسافة 1.6 كلم في الدقيقة الثامنة بعد منتصف الليل، حيث اخترقت المجال، ثم خرجت، قبل أن تعود إليه في مسار هجومي”.
وأبرز المصدر نفسه أن “دخول الطائرة وابتعادها ثم عودتها الهجومية شُكل مناورة عدائية صريحة ومباشرة، ما دفع قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم إلى إصدار أمر بإسقاطها”، معربةً عن أسفها الشديد لانحياز كل من النيجر وبوركينافاسو غير المدروس إلى الحجج التي ساقتها مالي، ومتأسفة أيضا لـ”اللغة المشينة وغير المبررة” التي استُعملت ضد الجزائر، والتي تدينها وترفضها بأشد العبارات. كما أعربت الجزائر عن أسفها أيضا لـ”اضطرارها إلى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، معلنة استدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور، وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينافاسو لمهامه”.
وكانت دول مالي والنيجر وبوركينافاسو، مساء الأحد قد وصفت إسقاط الجيش الجزائري للطائرة بالعمل العدائي، قائلةً غي بيان مشترك لها، إنه تقرر استدعاء سفراء الدول الأعضاء المعتمدين في الجزائر للتشاور، وذلك “على خلفية إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة والأمن بجمهورية مالي، تحمل رقم التسجيل TZ-98D، نتيجة لعمل عدائي ارتكبه النظام الجزائري في ليلة 31 مارس إلى 1 أبريل 2025 بمنطقة تنزواتين، دائرة أبييبرا، في إقليم كيدال”.
وأعرب المجلس الذي وظف عبارة “النظام الجزائري” بدل “الجزائر” عن أسفه الشديد لهذا “العمل العدائي”، مشيراً بعبارات حادة إلى أن “القرار الصادر في 22 ديسمبر 2024 نصّ على اعتبار المجال الكونفدرالي مسرحًا موحدًا للعمليات العسكرية، وبالتالي فإن إسقاط الطائرة المسيّرة يعد عدوانًا يستهدف كافة الدول الأعضاء في الكونفدرالية، ومحاولة خبيثة لدعم الإرهاب والمساهمة في زعزعة استقرار المنطقة”.
ووفق زعم بيان المجلس، فقد كشف التحقيق حول الحادث أن “إسقاط الطائرة حال دون تحييد مجموعة إرهابية كانت تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية ضد دول الكونفدرالية، مما يضفي على الحادث خطورة إضافية”.
وأدانت الدول الثلاث بأشد العبارات هذا التصرف الذي وصفته بغير المسؤول، والذي يشكل حسبها “انتهاكًا للقانون الدولي، ويضرب عرض الحائط بالعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط شعوب الكونفدرالية بالشعب الجزائري”، مؤكدة على أن “مكافحة الإرهاب تمثل معركة وجودية بالنسبة للكونفدرالية”، مع مطالبة “النظام الجزائري بتبني موقف بنّاء يساهم في تعزيز السلم والأمن في المنطقة”.
ويثير هذا البيان علامات استفهام كثيرة، خاصة أن الطائرة اخترقت المجال الجوي الجزائري بدون سابق إنذار. ووفق ما أظهرته الصور المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الطائرة من طراز أكينجي Akinci، التي تصنّعها شركة بيقدارBaykar التركية. وكانت مالي قد اشترت ما لا يقل عن طائرتين من هذا الطراز العام الماضي، واستخدمتهما في عمليات عسكرية ضد انفصاليين مسلحين، بالإضافة إلى مقاتلين مرتبطين بتنظيمات مسلحة في المنطقة.
وتعرف العلاقات الجزائرية المالية حالة توتر بسبب خيارات القيادة العسكرية في باماكو عقب الانقلاب في اعتماد الحل العسكري في حل معضلة الأزواد، وهو إقليم مكون من عرب وطوراق شمال مالي ظل يطالب بتكريس خصوصياته الثقافية والعرقية منذ عدة عقود.
وفي يناير الماضي، أعلن المجلس العسكري في مالي، إنهاء العمل بشكل فوري باتفاق الجزائر للسلام الذي يعود لسنة 2015 متهما الجزائر بالقيام بـ”أعمال عدائية” ضده من بينها دعم فصائل معارضة له. وردت الجزائر في ذلك الحين، باستدعاء سفير مالي لديها، ماهامان أمادو مايغا، وإبلاغه عن طريق وزير الخارجية شخصيا أحمد عطاف، بأن كافة المساهمات التاريخية للجزائر كانت تصب في صالح تعزيز السلم والأمن والاستقرار، وفق مبدأ وحدة الأراضي المالية.
كما شهدت العلاقات مع النيجر بعض التوتر في أعقاب الانقلاب على الرئيس محمد بازوم العام الماضي ومحاولات الجزائر الحثيثة لدفع القيادة الجديدة نحو مصالحة وطنية تجنبها التدخل العسكري الأجنبي. لكن العلاقات مؤخرا عرفت تحسنا كبيرا، بعد اعتماد الجزائر عدة مشاريع استراتيجية في قطاع الطاقة لصالح نيامي.
تعليقات الزوار ( 0 )