بمحطة ساحة الأمم المتحدة لـ “ترامواي” مدينة الدار البيضاء، تقدم الشابة أميمة زهر لأحد الركاب كتابا حول “الأعمال النثرية” للكاتب محمد بنيس، تدخل معه في حوار شائق حول أهمية استغلال الوقت في المطالعة.
بلباسها الرياضي المميز لمبادرة ثقافية، تنتقل بخفة ظاهرة، تحرص بابتسامة لا تفارق محياها، على تسجيل معلومات المستفيدين من أجل التواصل معهم في مناسبات قادمة.
تقول أميمة (نائبة رئيس نادي رواد الشباب) للجزيرة نت إن المناسبة جميلة للتصالح مع الكتاب في زمن طغت فيها “ثقافة سمارت فون”.
أطلقت في المملكة مبادرة قراءة داخل الترامواي تزامنا مع إقامة المعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء، تحت شعار “قرا توصل” (اقرأ تصل) تشجيعا لاكتساب عادة القراءة داخل وسائل النقل العمومي.
وقاد المبادرة أربعون من شباب النادي التابع لجامعة الحسن الثاني عين الشق بالتعاون من وزارة الثقافة وشركة “كازا ترامواي”.
وضعت المبادرة رهن إشارة الركاب حوالي عشرين مكتبة تضم خمسة آلاف منشور، مع فتح إمكانية الاشتراك بهذه المبادرة عبر تقديم كتب لإغناء المكتبات.
حظيت المبادرة باهتمام رسمي، وعرفت الإقبال المنتظر من شرائح المجتمع ومن مختلف الأعمار، ساعدهم في ذلك وفرة الكتب وجودتها والعناوين المغرية، كما تؤكد أميمة وهي تبدو سعيدة بنجاح المبادرة.
يقول وزير الثقافة حسن عبيابة “الجميل في المبادرة هو الحماس الذي رافقها من قبل طلبة يعدون في مقدمة الشباب الواعي بأهمية الثقافة لبناء الذات والمجتمع”.
ويضيف للجزيرة نت خلال زيارته لإحدى محطات المبادرة “لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم دون الاعتماد على غذاء العقل، إنها مبادرة تصادف المعرض الدولي للنشر والكتاب، وتهدف إلى أن يستمر حمل الكتاب عادة في حياة المواطنين”.
يبدو ظاهر شعار مبادرة “اقرأ تصل” ومكانها مرتبطا بالسفر عبر الترامواي، لكن القراءة في نظر أميمة سفر متنوع عبر الذات أولا وعبر الأفكار التي يقدمها كل كاتب بمؤلفه في مناحي العلوم والآداب.
و”الوصول” في الشعار لا يعني الانتقال من محطة إلى أخرى في سفر يومي، إنه أعمق من ذلك -تشرح أميمة- إنه سلوك يجب أن يصبح معتادا في كل جوانب الحياة لمن يريد أن يرسم مسارا في الحياة لتحقيق النجاح على مستويات عدة.
ويقول التربوي عبد السلام فرحان للجزيرة نت “(المبادرة) رسخت في الأذهان من خلال الأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن القراءة في وسائل النقل العمومي مرتبطة بالعالم المتحضر”.
ويضيف “هذه العادة مازالت في مجتمعاتها العربية بعيدة عن الواقع (الذي نعيشه) وتحتاج إلى مزيد من التوعية، إنها عملية ذاتية مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة والشارع”.
تبرز أميمة أن النادي متخصص في تقديم المساعدة لمن هم في حاجة إليها، وهذه المبادرة المميزة خطط لها الشباب ونفذوها بحماس كبير كعادتهم.
وتشرح “الفيديو الترويجي الذي أنتجه الشباب بمساعدة ممثل معروف، كان له وضع جيد في نفوس من شاهدوه، حسب استطلاع قمنا به”.
تعود أميمة لتقول “في بداية المبادرة استقبلنا بعض الركاب بدهشة واستغراب، لأن الناس يعتقدون أن القراءة هي المدرسة أو المكتبة”.
لكن مع توالي الأيام بدأت الفكرة وبدأ الركاب يقبلون عليها، وما شجع المبادرة أنه يمكن أن يُستبدل كتاب قديم بآخر جديد بالمجان، ونظرا لقيمة الكتب المعروضة فقد “وجدنا أن الكثير أراد أن يأخذ أكثر من كتاب لكن ذلك غير ممكن حتى تتاح الفرصة لأكبر عدد من المستفيدين”.
انتقل صيت المبادرة في ارتباط مع واقع القراءة بالعالم العربي إلى نوادي النقاش داخل المعرض الدولي للكتاب، واستحسنها كثير من المثقفين، في حين تحدث البعض عن معدلات قراءة متدنية لا تتعدى ست دقائق في السنة.
يقول الروائي الشاب عبد المجيد سباطة للجزيرة نت “يحاول البعض فرض صورة قاتمة من خلال عرض إحصائيات تفتقر للموضوعية والدقة”.
ويضيف المترجم والكاتب الحاصل على جائزة الكُتاب الشباب “الجيل الصاعد في نظري على الأقل ومن خلال متابعتي للحركة الشبابية بهذا الشأن، يبدي اهتماما متزايدا بالكتاب، إذ ساهمت في تعزيز هذا الاهتمام وسائل التواصل الاجتماعي بصفحاتها ومجموعاتها المتخصصة في عرض جديد الإصدارات العربية والعالمية، مع نقاشات صحية حول جودتها”.
ويختم بالتأكيد أن هناك مؤشرات إيجابية من الضروري أن نبني عليها للمستقبل القادم، على المدى القريب والمتوسط، من خلال ترسيخ ثقافة الوعي بأهمية القراءة، وتحويلها إلى نشاط يومي يكاد يماثل الضرورات الطبيعية للحياة.
الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )