Share
  • Link copied

قرار محكمة العدل الدولية.. فشل سياسة أم فشل وزير ؟؟

أصدرت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي حكما قضائيا بـ” بإبطال” اتفاقين تجاريين تتعلقان بالفلاحة والصيد البحري بين الرباط والاتحاد الأوروبي بشكل نهائي . وقد أكدت هذه المحكمة التي يوجد مقرها بلوكسمبورغ وتسهر على “تطبيق” قانون الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء، أن “هذان الاتفاقان اللذان يعودان للعام 2019 ويتعلقان بالصيد والزراعة، أبرما في “تجاهل لمبادئ تقرير المصير للشعب الصحراوي”. مضيفة في ذات الحكم أنه “حتى لو تم استطلاع أراء السكان بهذا في الصحراء الغربية، فإنها لم تكن لتعني موافقتهم”.

    وقد ردت وزارة الشؤون الخارجية المغربية على هذا القرار بأن المملكة “غير معنية” به، لأنه بين الاتحاد الأوروبي الذي استأنف الحكم وبين جبهة “البوليساريو” الانفصالية صاحبة الشكاية التي أفضت إلى هذا الحكم، معتبرة في بلاغ  لهاأن “مضمون القرار تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات”، وهو ما يؤشر في أحسن الأحوال على “جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازا سياسيا صارخا”.

-السياق المعاكس لقرار محكمة العدل الاوربية

إن أي قراءة سياسية متمعنة لقرار محكمة العدل الاوربية سيفضي إلى أن هذا القرار أتى في سياق معاكس لكل الانتصارات التي حققتها الدبلوماسية المغربية خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. فقد ساهم هذا القرار الأمريكي في خلق انعطافة سياسية هامة في مسار ملف الصحراء، دفعت بالمغرب إلى الضغط على شركائه الاوربيين لتبني موقف مساند لقضيته الوطنية  والخروج من المنطقة الرمادية . وقد نجحت هذه السياسة رغم كل المحاولات التي قامت بها بعض الدول الأوربية برضوخها للشروط المبدئية التي فرضها المغرب حيث تبنت كل من ألمانيا وهولندا موقفا مساندا لمبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب منذ 2007 . ليدخل المغرب في رهان قوة مع كل من اسبانيا وفرنسا ، الدولتان المستعمرتان السابقتان للمملكة ، انتهى بتبنيهما موقفا إيجابيا من مغربية الصحراء. كما نجحت الدبلوماسية المغربية في استقطاب بعض الدول السكندنافية  كفلندا والدانمرك لتبني موقف مساند للأطروحة المغربية . وفي خضم هذا السياق، ينزل قرار محكمة العدل الدولية بشكل يعاكس هذا التوجه الأوربي المساند للمغرب وقبيل إصدار تقرير مجلس الأمن بشأن الصحراء.  مما يطرح التساؤل حول مدى إمكانية توقع صانع القرار الدبلوماسي لمضامين هذا القرار وآليات امتصاص تداعياته.

 -غياب الاستباقية الدبلوماسية

    يبدو من مضمون بلاغ وزارة الخارجية بأنها قد أخذت على حين غرة بسبب عدم التحسب لهذا القرار الشيء الذي انعكس من  خلال ما جاء في بعض فقرات هذا البلاغ من أن “المملكة المغربية نفسها غير معنية بتاتا بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، اذ لم تشارك المملكة في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة  وبالتالي تعتبر نفسها غير معنية بتاتا بهذا القرار ومع ذلك، فإن مضمون القرار تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات، وهو ما يؤشر في أحسن الأحوال على “جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازا سياسيا صارخا ”  مما أضفى على  صيغة البلاغ ارتباكا واضحا تمثل في صعوبة القبول بمنطق بأن المغرب غير معني وفي نفس الوقت ينتقد عيوب قرار المحكمة وانحيازها السياسي. فمادام أن المغرب غير معني فليترك تقييم القرار للمعنيين به. وبالتالي فيمكن إرجاع أسباب هذا الارتباك الذي قد يعود بالأساس إلى شغر كرسي سفير المغرب لدى الاتحاد الأوربي .

إذ سبق أن عين الملك محمد السادس، يوسف العمراني سفيرا للمملكة لدى الاتحاد الأوروبي ذي التجربة الدبلوماسية الكبيرة، بعد أسابيع قليلة على قرار المحكمة الأوروبية فيما يتعلق بإلغاء اتفاقية التبادل الحر للمنتجات الفلاحية، وفي ظل ما شهدته العلاقات المغربية الإسبانية من تدهور عقب إدخال زعيم البوليساريو سرا إلى مدريد ، وتكليفه بإعادة ترتيب العلاقات بين الرباط وبعض دول الاتحاد الأوروبي . لكن بعدما تم تعيينه سفيرا بواشطن خلفا للسفيرة للا جمانة، بقي هذا المنصب الدبلوماسي الحيوي بالنسبة للمغرب شاغرا  مما قد يكون قد ساهم في فقد أحد قنوات الاتصال ومتابعة ما يجري بمؤسسات الاتحاد الأوربي الذي يعتبر من ضمن أولويات السياسة الخارجية خاصة على الصعيد المتعدد الأطراف. مما يفضي إلى التساؤل عن تقاعس الوزير الوصي في اقتراح أسرع وأمثل لشغر هذا المنصب الدبلوماسي الحساس الذي من الصعب القبول بشغوره لمدة أطول نظرا لأهميته في الاطلاع والعمل على توطيد العلاقة والتعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي في العديد من القضايا الاستراتيجية  بين الطرفين.                                                                                     

وعموما ، فعلى الرغم من أن قرار المحكمة ليس له أي عواقب على المدى القصير. فمدة اتفاق الصيد انتهت في يوليوز 2023 فيما مددت المحكمة تطبيق الاتفاق المتعلق بالمنتجات الزراعية لسنة كاملة، فإن ذلك لا ينفي مظاهر القصور وضعف الاستباقية التي أحاطت بهذا الملف لأسباب قد تعود لشخصية وزير غير إجماعية  عادة ما تركز على البهرجة الإعلامية واستضافة شخصيات لدول  غير وازنة  في سياق حرب دبلوماسية تخوضها المملكة بشراسة الأسود لطي ملف عمر أكثر من اللازم.                                                                                        

Share
  • Link copied
المقال التالي