شارك المقال
  • تم النسخ

قراءة في مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15

قراءة في مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، بعد ترتيب الآثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية رقم 18/70

بعد مرور حوالي اثنتا عشرة سنة على دخول الوثيقة الدستورية لسنة 2011 حيز التنفيذ، لازالت بعض مضامينها لم تجد طريقها إلى حيز الوجود. في هذا الصدد يعد تفعيل الفصل 133 من الدستور والمتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون مدخلا أساسيا ومحددا حاسما في تعزيز دولة الحق والقانون الضامنة لتمتع الأفراد بكامل الحقوق والحريات المضمونة لهم دستوريا، وذلك لما يتيحه من إمكانية للدفع بعدم دستورية المقتضيات التشريعية التي تخرق أو تنتهك هذه الحقوق والحريات. ولهذا فإن التأخر الحاصل في تفعيل وتنزيل هذا الفصل لا يمكن إلا أن يكون له الأثر السلبي على المنظومة الوطنية للحقوق والحريات.

فبعد أن وضعت الحكومة الأولى في ظل الدستور الجديد مشروع القانون التنظيمي رقم: 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور لدى مجلس النواب في نهاية الولاية التشريعية التاسعة طبقا لمقتضيات الدستور، وصادق عليه البرلمان بتاريخ 06 فبراير 2018، ثم خضع بعد ذلك للرقابة الوجوبية من طرف المحكمة الدستورية وصدر قرار هذه الأخيرة رقم 70.18 (ملف عدد:024.18) بتاريخ 6 مارس 2018 معيدا النقاش إلى مجموعة من التفاصيل التي كان فيها القاضي الدستوري حاسما خصوصا ما يتعلق بمعالم النموذج المغربي للدفع بعدم الدستورية والذي أراده أن يكون مباشرا أمام المحكمة الدستورية بعد أن قرر عدم دستورية مجموعة من المواد التي رأى أنها تخالف الدستور، وبالتالي كان من اللازم أخذ ملاحظات وتوجيهات القاضي الدستوري بعين الاعتبار. وبتاريخ 16 فبراير 2022 وضعت الحكومة الحالية لدى مكتب مجلس النواب مشروع القانون التنظيمي رقم: 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون بعد ترتيب آثار قرار المحكمة الدستورية في شأنه إثر التداول في شأنه بالمجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 04 يونيو 2018.

فإلى أي حد يستجيب هذا المشروع في نسخته الجديدة لملاحظات وتوجيهات القاضي الدستوري المتضمنة في القرار رقم 70.18؟ وماهي أبرز المستجدات التي جاء بها المشروع في صيغته الجديدة؟

يتكون مشروع القانون التنظيمي رقم: 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون من 28 مادة موزعة على خمسة أبواب. يتضمن الباب الأول منها أحكاما عامة (المواد 1-3)، والباب الثاني شروط وإجراءات إثارة الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحاكم (المواد 4-9)، والباب الثالث يتضمن شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية والبت فيه (المواد 10-22)، وخصص الباب الرابع من هذا المشروع لآثار القرار الصادر عن المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية مقتضى تشريعي (المواد 23-25)، أما الباب الخامس والأخير فقد تضمن أحكاما ختامية (المواد 26-28). ويمكن إجمال أهم ما جاء في هذا المشروع في النقط التالية:

  1. أطراف دعوى الدفع بعدم الدستورية

حسب منطوق البند (ب) من المادة الثانية من مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 في صيغته الجديدة فإن أطراف دعوى الدفع بعدم الدستورية هم كل مدع أو مدعى عليه في قضية معروضة على المحكمة، وكل متهم أو مطالب بالحق المدني أو مسؤول مدني أو النيابة العامة. فبعد أن استثنى مشروع القانون التنظيمي في نسخته الأولى النيابة العامة من أن تكون طرفا في دعوى الدفع بعدم الدستورية عاد المشروع الحالي لاعتبارها من الأطراف المخول لهم حق إثارة الدفع بعدم الدستورية، وقد جاء هذا التنصيص استجابة لملاحظة القاضي الدستوري حول المادة الثانية من المشروع (البند ب) عندما اعتبر أن التقيد بإلزامية دستورية القواعد القانونية (الفصل السادس من الدستور) يقتضي من النيابة العامة بصفتها طرفا، أن تدفع بعدم دستورية قانون في حال تقديرها أو شكها من أن مقتضياته الواجبة التطبيق تعتريها شبهة عدم الدستورية. وفي نفس السياق فقد وضح المشروع الجديد المقصود ب “المحكمة” في المادة الثالثة انسجاما مع تفسير القاضي الدستوري الذي جعل عدم تلقائية إثارة الدفع من قبل المحكمة لا تسري إلا على قضاة الأحكام دون قضاة النيابة العامة وهو ما أشار إليه المشروع الحالي في الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة. وهنا ينبغي التأكيد على أهمية هذا المقتضى والذي سيساهم لا محالة في تنقية النظام القانوني من المقتضيات غير الدستورية خصوصا عندما يكون مثير الدعوى هم قضاة النيابة العامة وذلك لما يمتلكون من إلمام بالقانون، كما أن تقديراتهم بخصوص شبهة عدم الدستورية ستكون مؤسسة بما فيه الكفاية بقصد النظر فيها من طرف القاضي الدستوري.

شروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم

خلافا لما جاء في المشروع في صيغته الأولى حيث تم تخصيص بابين اثنين لهذه الشروط والإجراءات (الباب الثاني يتعلق بشروط وإجراءات الدفع أمام محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة، والباب الثالث يتعلق بشروط وإجراءات الدفع أمام محكمة النقض)، عمل المشروع الحالي على تخصيص الباب الثاني منه لشروط وإجراءات الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم، والمقصود هنا جميع محاكم التنظيم القضائي للملكة.

احتفظ المشروع الحالي بالتنصيص على نفس الشروط الواردة في المادة الخامسة من النسخة الأولى من مشروع القانون التنظيمي والمتعلقة بالدفع أمام محاكم أول درجة ومحاكم ثاني درجة، وجعلها نفس الشروط والإجراءات الواجب اتباعها أما جميع محاكم المملكة، حيث يجب إثارة الدفع بعدم الدستورية بواسطة مذكرة كتابية تخضع للشروط الواردة في المادة الخامسة، مع توضيح يخص الشرط الثاني المتعلق بتوقيع المذكرة من قبل الطرف المعني أو من قبل محام، مفاده أنه إذا كانت الدعوى الأصلية تستلزم تنصيب محام طبقا للتشريع الجاري به العمل فإنه يتعين أن توقع من طرف هذا الأخير وذلك مراعاة للتفسير الذي أعطاه القاضي الدستوري من خلال القرار رقم 70.18 للمادة الخامسة. كما أنه تم إعفاء مثير الدفع المتمتع بالمساعدة القضائية من أداء الرسم القضائي.

من جهة أخرى تم حذف ما ورد في المادة الخامسة والفقرة الثانية من المادة العاشرة من مشروع القانون التنظيمي في صيغته الأولى، خصوصا ما يتعلق بالبت في الطبيعة التشريعية للمقتضيات القانونية موضوع الدفع وتحديد ما هو مندرج في الحقوق والحريات المضمونة دستوريا من عدمه من قبل القاضي المثار أمامه الدفع بعدم الدستورية. ويأتي ذلك بعدما اعتبر القاضي الدستوري أن من شأن هذه الصلاحية تحويل القاضي العادي إلى مراقب أولي للدستورية مؤكدا أن الحسم في الطبيعة التشريعية للمقتضى القانوني المعني وتحديد قائمة الحقوق والحريات المضمونة دستوريا يعد من الاختصاصات التي تنفرد المحكمة الدستورية بممارستها. كما أنه تم حذف ما ورد في المشروع في صيغته الأولى من ضرورة تأكد محكمة النقض من جدية الدفع بعدما اعتبر القاضي الدستوري أن تقدير الجدية الموكول للهيئة المحدثة بمحكمة النقض سيحول هذه الأخيرة إلى مراقب سلبي للدستورية.

وقد حددت المادة السادسة (الفقرة الأولى) أجل 12 يوما بدل 8 أيام من تاريخ إثارة الدفع من أجل أن تبت المحكمة المثار أمامها الدفع بعد التأكد من الشروط الواردة في المادة الخامسة. ومن شأن تمديد هذه المدة أن يطرح أمام قضاة المحاكم سؤال النجاعة القضائية في إصدار الأحكام القضائية كمبدإ دستوري نص عليه الفصل 120 من الدستور: “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول”، فإذا كان هذا التمديد يعطي لقضاة المحاكم فرصة أكثر بهدف التأكد من تحقق الشروط الواردة في المادة الخامسة قبل البت في مآل الدفع بعدم الدستورية، فإن من شأنه كذلك المساهمة في تأخير إصدار الأحكام القضائية في وقت معقول وما يستتبع ذلك من احتمال ضياع حقوق المتقاضين، وبالتالي فإنه كان من الأحرى الإبقاء على مدة ثمانية أيام للبت في مقبولية الدفع من طرف القاضي.

ويمكن التنويه بما جاء في المادة السادسة (الفقرة الثانية) من مشروع القانون التنظيمي والتي نصت على إمكانية المحكمة المثار أمامها الدفع بعدم الدستورية إنذار مثير الدفع بهدف تصحيح مسطرة الدفع أمامها داخل أجل لا يتجاوز أربعة أيام من تاريخ تقديم المذكرة الكتابية، وهو ما يمكن اعتباره ضمانة إضافية لصيانة حقوق وحريات الأفراد.

شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون أمام المحكمة الدستورية

بعد أن تصدت المحكمة الدستورية بصرامة لرغبة المشرع التنظيمي في إقرار نظام للتصفية على مرحلتين إذا أثير الدفع أمام محاكم أول درجة وثاني درجة، وعلى مرحلة واحدة إذا أثير الدفع بعدم الدستورية لأول مرة أمام محكمة النقض، معللة ذلك بكون نظام التصفية كما تم التنصيص عليه سيؤدي إلى مركزة المراقبة الدستورية، وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، جاء المشروع الحالي للقانون التنظيمي بمقتضيات جديدة تخص سريان دعوى الدفع بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية.

لقد نص المشروع الحالي في المادة 13 منه على أن المحكمة الدستورية تحدث، من بين أعضائها، هيئة أو هيئات لا يقل عدد أعضاء الواحدة منها عن ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس، وتختص بتصفية الدفوع بعدم دستورية القوانين المحالة إليها، أو تلك المقدمة إليها مباشرة بمناسبة البت في المنازعات الانتخابية المتعلقة بأعضاء مجلسي البرلمان. ويتم تعيين أعضائها من طرف رئيس المحكمة الدستورية وتتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة مع تغليب الجانب الذي يكون فيه الرئيس في حالة تعادل الأصوات. ولهذه الهيئة أجل 15 يوما ابتداء من تاريخ توصل المحكمة الدستورية بالدفع المحال إليها من طرف المحكمة أو المقدم أمامها مباشرة بمناسبة منازعة انتخابية خاصة بأعضاء البرلمان وذلك قصد التحقق من استيفاء مذكرة الدفع للشروط المنصوص عليها في المادتين الخامسة والعاشرة حسب الحالة، بالإضافة إلى التحقق من جدية الدفع (المادة 14). فإذا تبين لها استيفاء الدفع لهذه الشروط وتأكدت من جديته أحالته فورا على المحكمة الدستورية وفي حالة العكس فإن المحكمة الدستورية تصدر قرارا معللا بعدم قبول الدفع وتقوم بتبليغه إلى المحكمة المثار أمامها الدفع بقصد تبليغه للأطراف المعنية، وفي حال تجاوز الهيئة لأجل 15 يوما دون البت في مقبولية الدفع فإنه يعرض تلقائيا على المحكمة الدستورية للبت فيه نهائيا. وقد نصت المادة 18 من مشروع القانون التنظيمي في صيغته الجديدة على إمكانية ضم الدفوع بعدم الدستورية المتعلقة بنفس المقتضى التشريعي أو بمقتضى تشريعي مرتبط به، وذلك بصفة تلقائية أو بطلب من أحد الأطراف.

آثار قرار المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية مقتضى تشريعي

خصص المشروع الحالي الباب الرابع (المواد 23-25) لآثار قرار المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية مقتضى تشريعي. وهكذا، فبعد أن أكد القاضي الدستوري من خلال القرار 70.18 على أن حجية قرارات المحكمة الدستورية الملزمة طبقا للفصل 134 من الدستور تقتضي من المشرع أن يدرج ضمن الإجراءات المتعلقة بمسطرة الدفع بعدم الدستورية أحكاما تخول للمتقاضين تقديم دعوى جديدة تسمح بترتيب آثار قرار المحكمة الدستورية في الموضوع، وذلك في حال مواصلة المحكمة نظرها في الدعوى الأصلية (الاستثناءات الواردة في المادة الثامنة) وصدر قرار من المحكمة الدستورية بعدم الدستورية، فإن المادة 24 من المشروع قد استجابت لهذا التوجيه عندما نصت على وجوب ترتيب الآثار القانونية على قرار المحكمة الدستورية القاضي بعدم دستورية مقتضى تشريعي بما في ذلك إمكانية تقديم دعوى جديدة من قبل الأطراف.

وعموما فإن مشروع القانون التنظيمي بالصيغة التي تم وضعه بمكتب مجلس النواب يستجيب في جله لملاحظات القاضي الدستوري المضمنة في قراره رقم 70.18، وذلك في انتظار ما قد يطرأ عليه من تعديلات أعضاء مجلسي البرلمان.

إن الأهم في المرحلة الراهنة هو التسريع في تنزيل الفصل 133 من الدستور، وذلك صيانة للحقوق والحريات المضمونة دستوريا وحمايتها من أي انتهاك أو خرق من قبل المقتضيات التشريعية. فإذا كان الدفع بعدم دستورية قانون يعد شكلا من أشكال الرقابة البعدية التي تهدف إلى تنقية المنظومة القانونية الوطنية من المقتضيات غير الدستورية، سواء تعلق الأمر بالمقتضيات التشريعية التي أفلتت من الرقابة القبلية أو تلك التي أثبتت الممارسة العملية مخالفتها لقواعد الدستور بسبب تغير الظروف، فإنه وجب على كل الفاعلين السياسيين والحقوقيين إيلاء هذا الأمر أهمية خاصة وذلك عبر تظافر كل الجهود لإخراج مشروع القانون التنظيمي رقم: 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون إلى حيز التطبيق.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي