شارك المقال
  • تم النسخ

قبل زيارة لافروف للرباط.. هل تستغل روسيا التوتر بين أوروبا والمغرب؟

قال الكاتب الصحفي التونسي نزار بولحية، إن سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا، سيحاول انتهاز فرصة التوتر الحاصل بين أوروبا والمغرب، من أجل مدّ يده للرباط، ودعمها، وهو الأمر الذي من شأنه إثارة القلق نسبيا في واشنطن، كما سيمثل صفعة رمزية على وجه بروكسل، بعد القرار الذي اتخذته.

وأضاف بولحية، في مقال تحليلي نشرته جريدة “القدس العربي“، أن المغاربة فضّلوا “التريث قبل التعليق، لكن ذلك لم يمنع مسؤولا في خارجيتهم من أن يعتبر أن القرار «يندرج في خانة الاعتداءات والمضايقات التي تتعرض لها المملكة من الذين يضايقهم نمو وازدهار البلاد وحضورها القوي في محيطها الإقليمي والدولي»”.

وتابع: “وأن يضيف بعدها أن «الجهات التي تعادي المغرب داخل البرلمان الأوروبي تملك أجندة معروفة وتتجاهل حقوق الضحايا، وتشكك في النظام القضائي المستقل»، على حد تعبيره”، مسترسلاً: “الأمر مريب فإن كان النواب الأوروبيون قد تحركوا من تلقاء أنفسهم وبوحي من ضمائرهم، وبدافع الحرص فقط على تغليب المبادئ على المصالح، فما سر تركيزهم على بلد مثل المغرب، في الوقت الذي تحصل فيه في محيطه وفي أماكن أخرى خارج محيطه، انتهاكات أشد من تلك المنسوبة له؟ وما تفسير الانتقائية التي يظهرونها حين يبدون مشاعر قلقهم وانزعاجهم من وضع حقوق الإنسان في الضفة الجنوبية للمتوسط في دولة محددة دون أخرى؟”.

وأوضح أن “ما سيقوله كثيرون هنا هو أنه حتما وراء الأكمة ما وراءها. لقد وقف النائب الفرنسي تيري مارياني من حزب التجمع الوطني اليميني، على سبيل المثال، ليقول بعد التصويت على ذلك القرار: «تعتقدون أننا نجتمع لإدانة بلد ينتهك حقوق الإنسان أو الصحافة، ويشترك في زعزعة استقرار افريقيا، وقد يعني ذلك أننا نتحدث عن الجزائر. غير أن اليسار الأوروبي لا يدين نهائيا الجزائر، التي نمرر لها كل شيء أملا في الحصول على الغاز، ومقابل ذلك نناقش المغرب الذي هو أحد محاور شراكتنا الاستراتيجية في افريقيا»”.

وأبرز أنه مع “أن الجزائريين قد لا يقبلون بالطبع مثل ذلك التعليل، وقد يرون فيه نوعا من المغالاة، أو من الانحياز الأعمى لجارتهم الغربية، إلا أن الثابت هو أن دخول الغاز بقوة على طرف المعادلة، خصوصا مع تواصل الحرب الروسية في أوكرانيا، وما تخلفه من تداعيات وانعكاسات مباشرة على الاقتصادات الأوروبية، يجعل من استبعاد الجزائر في هذا الظرف بالذات من أي نقاشات أو قرارات مماثلة أمراً مفهوماً. لكن هل كان من الضروري أن يوضع أحد البلدين المغاربيين في مرمى السهام الأوروبية؟”.

وتساءل بولحية: “أليست هناك مصالح حيوية لبروكسل مع الرباط بالقدر نفسه الذي لها مصالح حيوية أيضا مع الجزائر؟”، مبرزاً: “من الغريب حقا أن يصطدم الجاران المغاربيان ولو في فترتين مختلفتين بحاجز واحد. ولعل الجزائريين ما زالوا يذكرون موقف البرلمان الأوروبي قبل ثلاث سنوات من الآن من المسار الذي قاد إلى الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وكيف انتقد بيان خارجيتهم في ذلك الوقت ما وصفه بـ»منح البرلمان الأوروبي نفسه بكل جسارة ووقاحة حرية الحكم على المسار السياسي الراهن في بلادنا، في الوقت الذي يستعد فيه الجزائريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بكل ديمقراطية وشفافية»”.


وزاد في السياق نفسه: “وكيف اعتبر أيضا أن البرلمان الأوروبي «بيّن بهذا التصرف عن ازدرائه ليس بالمؤسسات الجزائرية فحسب، بل بآليات التشاور الثنائي التي نص عليها اتفاق الشراكة، بما فيها تلك المتعلقة بالمجال البرلماني». ومن المؤكد أن البرلمانيين الذين دافعوا حينها عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، يعلمون جيدا أي نتيجة حصلت في الجزائر بعد القرار الذي أصدروه في 2019 ضد المسار السياسي الجزائري الحالي. فأي فائدة ترجى بعدها إذن من تكرار المحاولة مرة أخرى، لكن في اتجاه معاكس؟”.

في ظل التوتر المستمر في العلاقات الجزائرية المغربية، يضيف بولحية: “فإن المعنى الوحيد لذلك هو محاباة الجزائر والتودد لها، ولو ببيان إدانة رمزي لجارتها الغربية. وهذا تصرف لا ينم عن بعد نظر، بقدر ما يدل على سوء التقدير، لكن ما الحسابات البعيدة التي يمكن أن تدفع الاوروبيين الآن إلى الإقدام على تلك الخطوة؟ وهل يعني أن علاقاتهم الوثيقة والعميقة مع الرباط ستوضع على المحك، وستعرف تحولا استراتيجيا جذريا وواسعا في غضون الشهور المقبلة؟”.


وواصل: “إن عوامل عديدة مثل ملفات الطاقة والتغييرات التي بدأت تحصل داخل النظام الدولي بفعل الصراع الأمريكي الأوروبي من جهة، والروسي الصيني من الجهة الأخرى قد تتحكم في جزء كبير من الجواب. غير أن الأوروبيين الذين لا يستطيعون ولعدة أسباب أن يتخلوا أو ينفضوا أيديهم من الشراكة مع بلد مثل المغرب، لا ينظرون بارتياح لما قد يعتبرونه محاولات مغربية غير مقبولة لتجاوز النمط الذي أرادوه لتلك العلاقة”.


ونبه إلى أن “الانفتاح المغربي على الصين وروسيا، والتوغل داخل القارة الافريقية، المعقل التقليدي للقوى الاستعمارية الأوروبية، بات يثير قلقا متزايدا لدى عدة جهات في بروكسل. كما أن الاختراقات الكبيرة التي حققتها الرباط في ملف الصحراء، خصوصا في السنتين الأخيرتين، وضعتهم أمام مأزق حقيقي، ولم تسحب زمام المبادرة من بين أيديهم فقط، بل أبانت أيضا عن انقسامات واضحة في مواقفهم وتوجهاتهم. وسواء ظهرت الصحراء أم لم تظهر في بيانات البرلمان الأوروبي وباقي المؤسسات الأوروبية، فإنها تبقى العقدة الأساسية التي تحكم العلاقة الأوروبية المغربية وحتى الأوروبية الجزائرية”.

ومن الواضح، حسب بولحية، “أن ما قاله العاهل المغربي في غشت الماضي من أن «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات»، قد أثار قلق بروكسل التي اعتادت على أن تكون هي وحدها النظارة التي ينظر بها المغاربة للعالم. ومع أن بيان البرلمان الأوروبي يظل غير ملزم للأوروبيين ومع أن شراكتهم مع المغرب تبقى مستمرة، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون البيان الأخير هو الرفش الذي حفرت به أوروبا قبرها في المغرب، ولو أن عملية الدفن قد تتطلب وقتا آخر”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي