Share
  • Link copied

في ظل كثرة الأخبار عنها.. هل حقا ارتفع عدد الزلازل الكبرى عن الماضي؟

استيقظ العالم العربي في السادس من فبراير الحالي على كارثة شديدة حلَّت بجنوب تركيا وشمال سوريا، حيث ضُربت المنطقتان فجرا بزلزال قالت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية إنه بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، كان مركزه بالقُرب من مدينة غازي عنتاب التركية، وتسبب الزلزال حتى الآن في سقوط أكثر من 11 ألف قتيل و54 ألف جريح في الدولتين وفق الأرقام الرسمية، مع مئات المباني والمنازل المهدمة. ويصف مختصون هذا الزلزال بأنه ضمن الأقوى في تاريخ المنطقة، بل وواحد من أقوى الزلازل التي تصيب منطقة سكنية على مدار التاريخ، ولا يقترب منه في القوة سوى زلزال أرزينجان الذي حدث في شمال شرق تركيا عام 1939، وتسبب في أضرار كبيرة في ذلك الوقت.

هذا النوع من الحوادث الكبرى يعطي انطباعا بأن نشاط الزلازل الكبرى على مستوى العالم آخذ في الازدياد، خاصة أن الناس باتوا يسمعون عن زلزال يضرب البلاد كل عدة أسابيع، وربما كل بضعة أيام في بعض الأحيان، يحدث هذا تقريبا في كل الدول. فهل حقا أصبح العالم مكانا خطيرا إلى هذا الحد؟ يثير هذا انتباه مروجي الخرافات ونظريات المؤامرة، فيتحدثون عن نهاية العالم واقتراب كوكب نيبرو وأن هناك حكومة عالمية تعرف أن العالم قارب على الانتهاء لكنها لا تُفصح عن الأمر.

ما الزلزال على أية حال؟

حسنا، لفهم الأمر دعنا نبدأ مما يعنيه الزلزال، تخيل أن هناك قطعة بازل (أحجية) بطول متر وعرض مترين، تتكون من عدد من القطع التي يجب أن تضعها إلى جانب بعضها بعضا لكي تكتمل صورة لفنان مشهور، ليكن الممثل المصري عادل إمام مثلا.

طبقة القشرة الأرضية، وهي أرق طبقات الأرض لدرجة أنها ستكون بسُمك قشرة التفاحة لو كانت الأرض بحجم التفاحة، تشبه هذه الأحجية، فهي ليست شريحة واحدة منبسطة على باقي طبقات الأرض، وإنما مجموعة من نحو 20 قطعة تشبه قطع الأحجية في تداخلها، تسمى “الصفائح التكتونية” (Plate tectonics)، بعضها كبير والآخر صغير.

تلك الصفائح لا تقف ثابتة في مكانها، وإنما تتحرك بالنسبة لبعضها بعضا دائما، لأنها ببساطة تطفو على طبقة الوشاح اللزجة بالأسفل، لكنك لا تشعر بتلك الحركات عادة لأنها تتحرك بمعدل صغير جدا، نحو 1-20 سنتيمترا كل سنة.

لكن في بعض الأحيان تحتك تلك الصفائح مع بعضها بعنف وتتداخل بصور مختلفة، ومن هنا ينطلق كمٌّ من الطاقة ويصعد للأعلى فيهتز سطح الأرض بقوى مختلفة ترتبط بقوة الاحتكاك الحاصل بالأسفل، وهو ما ينتج زلازل بدرجات مختلفة على مقياس ريختر، كل درجة منها تُمثِّل عشرة أضعاف الدرجة التي تسبقها، فمثلا زلزال بقوة 7 درجات يُعَدُّ أكبر بعشرة أضعاف من زلزال بقوة 6 درجات، وفي المجمل تُعَدُّ الزلازل أسفل 6 درجات متوسطة القوة.

عدد الزلازل

يحدث هذا طوال الوقت، في الواقع قد لا تصدق حينما تعرف أن هناك نحو نصف مليون زلزال يضرب الأرض سنويا، نحو 100 ألف من هذه الزلازل يمكنك أن تشعر بها، ومئة فقط يمكن أن تكون ذات أثر ضار أو مدمر، كما حدث في حالة زلزال تركيا الأخير. في الواقع، تُظهر إحصاءات الزلازل على مدار العشرين عاما الماضية حول العالم أن معدل الزلازل السنوي في المتوسط لم يرتفع أو ينخفض، بل ظل ثابتا تقريبا، وهذا بالتأكيد من حُسن حظ البشرية.

في تلك النقطة ربما تسأل: لمَ إذن أصبحنا نسمع عن الزلازل أكثر من أي وقت مضى؟ ولماذا بِتُّ أشعر بالفعل بعدد أكبر من الزلازل في منزلي ذاته؟ في الواقع، هناك عدد من الإجابات المعقولة لهذه الأسئلة، التي لا تتضمن أي شيء يتعلق بنهاية العالم.

إحدى تلك الإجابات تتعلق بمحطات قياس الزلازل، فقد ازداد عددها وارتفعت دقة الأدوات التي يستخدمها العلماء في قياس الزلازل، ويعني ذلك رصد عدد أكبر منها، ولأن تلك المحطات عادة ما تنشر بيانات إعلامية فإنك بالتبعية ستسمع عن حدوث عدد أكبر من الزلازل مقارنة -قل مثلا- بعقد مضى من الزمان، هنا ستتصور أن عدد الزلازل قد ارتفع، ولكنها فقط دقة أجهزتنا.

إلى جانب ذلك، فقد أصبح العالم حرفيا قرية صغيرة متواصلة، بحيث يمكن لك أن تسمع عن أخبار الزلازل قادمة من كل مكان تقريبا، وكذلك امتلكت محطات الزلازل في معظم الدول صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تعلن من خلالها عن كل زلزال قامت برصده وتذكر مركزه بدقة وقوته.

لماذا نشعر بالزلازل بأنفسنا أكثر من الماضي إذن؟ والجواب أن الناس في المنازل عادة ما يشعرون بالزلازل المتوسطة لكنهم يتجاهلون هذا الشعور، ومع انتشار إعلانات الزلازل في كل مكان بات الجميع أكثر خبرة لأنه تعلَّم أن تلك الهزة التي شعر بها قبل عدة ساعات كانت زلزالا، وبالتالي بتنا نشعر بالزلازل المتوسطة بشكل أفضل مقارنة بما سبق، ولأننا نتشارك الأخبار عبر تغريدات أو منشورات قصيرة سريعا فإننا نؤكد لبعضنا بعضا ما شعرنا به، ومن هنا تبدأ موجة من أخبار الزلازل في الانتشار بين ملايين أو حتى مليارات الأفراد.

أضف إلى ذلك نقطة أخرى مهمة تتعلق بعدد الزلازل السنوي، فمثلا شهد العالم في عام 2020 نحو 1400 زلزال، لكنه في 2021 شهد 2200 زلزال (بمقياس أكبر من 5 درجات)، هذا يعني بالتبعية أن تشعر بعدد أكبر من الزلازل، لكنه لا يعني أن عدد الزلازل قد ارتفع، لأن حساب معدلات الزلازل لا يكون بالعام أو العامين، بل يقيسه العلماء على مدى فترة زمنية طويلة (عقود مثلا)، وهنا تحديدا سيتضح أنه رغم أن بعض السنوات قد تكون ذات نشاط زلزالي أكبر، فإن المتوسط حول العالم ثابت إلى حدٍّ كبير.

هذا النوع من الظن الخاطئ المتعلق بارتفاع عدد الزلازل من حقبة إلى أخرى درسه العلماء كذلك، فمن المعروف مثلا أن الزلازل الكبيرة التي تزيد قوتها على 8.0 درجات قد ضربت الأرض بمعدل مرتفع (بل وقياسي) منذ عام 2004، لكن دراسة نُشرت في دورية “بي إن إيه إس” (PNAS)، حللت السجل التاريخي للزلازل ووجدت أن هذه الزيادة في النشاط الزلزالي الثقيل كانت على الأرجح بسبب المصادفة.

في هذه الدراسة، قام فريق بحثي دولي مشترك بفحص التردد العالمي للزلازل الكبيرة من عام 1900 إلى عام 2011، واكتشفوا أنه في حين أن معدلات حدوث الزلازل التي بلغت قوتها 8.0 درجات كانت مرتفعة قليلا منذ عام 2004 (بمعدل نحو 1.2 إلى 1.4 زلزال في السنة) لم يكن هذا المعدل المتزايد مختلفا إحصائيا عن الطبيعي على هذا المقياس الزمني الأكبر.

تركيا حالة خاصة

على جانب آخر، فإن عددا من المناطق حول العالم تكون نشطة زلزاليا أكثر من مناطق أخرى، وهنا تحديدا تظهر تركيا، فقد سمعنا اسمها في الأخبار أكثر من مرة خلال السنوات الفائتة، مثلا في أكتوبر 2020 ضُربت البلاد بزلزال كان مقياسه 7.0 درجات وتسبب في وفاة نحو 100 شخص، وفي 2011 ضُربت البلاد بزلزال أقوى (7.2 درجات) تسبب في وفاة أكثر من 600 شخص. في الواقع، لقد تعرضت تركيا خلال القرن الماضي لنحو 50 زلزالا فوق مقياس 6 درجات.

لذلك أيضا سبب علمي، فقد أشرنا قبل قليل إلى أن حركة الصفائح التكتونية ترتبط بشكل وثيق بالزلازل، وهنا يمكن أن نستنتج أن الأماكن التي تقع على مقربة من مناطق لقاء الصفائح التكتونية يمكن أن تختبر زلازل قوية، لأن تأثير الزلزال يكون أقوى ما يكون في المنطقة التي تقع أعلى مكان التقاء الصفائح.

في الواقع، تقع كلٌّ من تركيا واليونان في منطقة زلزالية “نشطة للغاية” بسبب الحركات المعقدة بين ثلاث صفائح تكتونية شاءت الأقدار أن توجد تركيا بينها، حيث تتحرك الصفيحتان الأوراسية من الشرق والعربية من الجنوب باتجاه بعضهما بعضا، فتدفعان الصفيحة التركية الصغيرة باتجاه الغرب. ويضاف إلى ذلك تأثير حركة الصفيحة الأفريقية باتجاه الشمال. وفقا لعلماء الزلازل، يظل احتمال حدوث زلازل كبيرة في المنطقة مرتفعا جدا بسبب مستويات الضغط بين الصفائح التكتونية.

خرافات الزلازل

لطالما ارتبطت الزلازل بالخرافات، في الواقع تُعَدُّ خرافة أن العالم يواجه عددا أكبر من الزلازل واحدة فقط من مجموعة كبيرة من الخرافات المنتشرة عالميا حول الزلازل، أشهرها يتعلق بمواعيد الزلازل، حيث يظن الناس أنها تميل للحدوث في الصباح، لكن بحسب الدراسات الإحصائية في هذا النطاق، من الممكن أن تحدث الزلازل في الصباح أو في المساء بالقدر نفسه من الاحتمال. قد يكون التأثير هنا نفسيا، حيث يكون الناس أكثر انتباها لأخبار الزلازل التي تحدث في وقت مبكر بينما كانوا نائمين.

لم يُعثر كذلك على أي ارتباط بين أوقات حدوث الزلازل وبين الطقس، تحدث الزلازل في الطقس البارد كما تحدث في الجو الحار، يظن الناس أن الطقس الحار الجاف أو الطقس الغائم يرتبط بحدوث الزلازل، وهذا اعتقاد خاطئ.

ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة كذلك أن حفرة أو صدعا قد ينفتح في الأرض أثناء الزلزال لابتلاع المنازل والناس، وعلى الأغلب فإن الأفلام الأميركية هي المسؤولة عن ترويج ذلك الخطأ في الفهم. لكن في الحقيقة لا توجد أية حالة مسجلة لزلزال تسبب في حدوث تصدعات تبتلع المدن. يمكن أن تسبب الزلازل تشققات في الأرض، ومع ذلك فإن هذه الشقوق عموما صغيرة جدا ونادرا جدا ما يتجاوز عرضها مترا أو مترين، كما أن هذه الشقوق عادة ما تكون ضحلة.

في النهاية، فإن الزلازل تحدث طوال الوقت، وتقتل سنويا آلاف الأشخاص، لكن ضخامة الحدث وكارثيته عادة ما تدفعنا للظن بأن هناك شيئا ما غير مألوف يحدث، وهو ضخم بضخامة الحدث ذاته، يسمى ذلك بـ”تحيّز التناسب” (Proportionality bias)، ويعني أننا نحن البشر نميل إلى إرجاع الأحداث الكبيرة إلى أسباب استثنائية، وخرافية في بعض الأحيان.

(الجزيرة)

Share
  • Link copied
المقال التالي