احترام المقدسات والرموز والشعائر الدينية للبشر جميعا والامتناع عن ازدرائها هو أمر ضروري لإنسانية معاصرة تعيش في سلام وتسامح.
أمر ضروري ثاني ولا بديل له في المجتمعات المعاصرة هو حرية التعبير عن الرأي على نحو فردي أو جماعي دون قيود من أي نوع كان.
هنا، وفي بعض المجتمعات الغربية التي مر تعاملها مع الدين عبر مراحل متعددة تضمنت نزعا للقداسة في إطار فلسفة علمانية وتبلور رؤى نقدية للمسرود الديني وللرموز الدينية، تسفر حرية التعبير عن الرأي عن ممارسات تحمل إساءة وازدراء للأديان، تخرج علينا تارة في شكل صور كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد وتارة أخرى في أفلام تسجيلية أو روائية أو أعمال أدبية تشوه سيرة السيد المسيح أو كتابات تتناول بالنقد اللاذع المقدسات والمعتقدات الدينية.
في بعض الأحيان، تكون الإساءة للمقدسات الدينية هي صنيعة فكر متطرف يرفض الآخر الديني ويعمل بعنف على إقصائه.
وليس منتجو الأفلام المسيئة للرسول محمد ولا أشباه الدعاة في بعض المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة الذين يهددون بحرق الإنجيل ويسبون أتباع الديانة المسيحية أو يشككون في معتقدات اليهود ببعيدين عن هذه الخانة المريضة في حياتنا المعاصرة.
نحن إذا أمام معضلة تتمثل في التناقض بين فرض ضرورة أول هو احترام المقدسات الدينية، وفرض ضرورة ثاني هو حرية التعبير عن الرأي التي قد ترتب تورط البعض ولأسباب مختلفة في المساس بالمقدسات وازدراء الأديان.
هنا لا تستطيع المجتمعات الغربية ذات التنظيم الديمقراطي ولا تستطيع حكوماتها عملا، وقوانينها تحمي الحريات الشخصية وتحظر معاقبة المواطن على رأي عبر عنه، إلا أن تسعى لنشر ثقافة التسامح واحترام الآخر الديني والتشجيع على الابتعاد عن الإساءة حين التعبير عن رأي نقدي بشأن المقدسات والمعتقدات والرموز الدينية.
لا تملك الحكومات الغربية مثلا الشرعية القانونية لتعقب رسامي الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول، ولا يحق لها منع إنتاج أو نشر أو ترويج أفلام سير الرسل والأنبياء.
تلك مجتمعات اعتادت على حرية التعبير عن الرأي ولا نستطيع أن نطالب حكومات هذه المجتمعات بتعقب ومعاقبة مزدري الأديان.
فتلك مجتمعات لا تعرف القيود على الحرية وتعاملها مع الإساءة للأديان يعول على نشر ثقافة التسامح ومواجهة التطرف بالعقل وليس العنف أو تقييد الحرية.
وبالقطع ليس البديل أمامنا هو أن يمارس في بلاد الشرق العنف ضد السفارات والمصالح الغربية أو أن يقتل دبلوماسيون بهمجية وإجرام كما حدث قبل سنوات في بعض المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في آسيا.
ليس بالعنف الرمزي أو المادي إذن، بل المتاح لنا هو مواجهة ازدراء الأديان بالحجة والبرهان بتنوير العالم بشأن الرسول والسيد المسيح والنبي موسى وضرورة احترام حرية العقيدة والمقدسات الدينية للجميع، مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وغيرهم. وقطعا تحضر في الولايات المتحدة الأمريكية والدانمارك وهولندا وغيرها أغلبية واضحة ترفض المساس بالمقدسات الدينية وتقبل ذهنيا ومشاعريا بطاقة حقيقية على الأعمال التنويرية بشأن أديان ربما مازالت تجهلها، تماما كما تقدس الحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي.
أما في مجتمعاتنا نحن، وهي في المجمل ترفض المساس بالمقدسات الدينية ولم تمر بخبرة نزع القداسة التي مرت بها المجتمعات الغربية، فازدراء الأديان مجرم.
النواقص التي نعاني منها هنا ترتبط بالتطبيق العادل لتجريم الازدراء بحيث يطال المسيئين لديانة الأغلبية وديانة الأقلية، للإسلام والمسيحية ولبقية الأديان في إطار احترام حرية العقيدة وبحيث لا نميز بين إساءة للرسول الكريم والسيد المسيح عليهما السلام. بعض القنوات التليفزيونية المتطرفة الناطقة باللغة العربية من يسب ويزدري ويسفه من الديانة المسيحية ويمر كل ذلك دون تجريم.
تعليقات الزوار ( 0 )