لم يكن يتوقع الجنرال الإسباني القوي، مانويل فيرنانديز سيلفيستري، أن ثلة صغيرة من المقاومين الريفيين في شمال المغرب، لا يتجاوز عددها الـ 4000، ولا تملك أي أسلحة قوية، ستتمكن من الانتصار على جيشه المكون من أزيد من 24 ألف جندي على الأقل، والذي يمتلك أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية وقتها، غير أن الواقع بعد ذلك، كان عكس ما اعتقده.
ثقة سيلفيستري في إمكانيات جيشه، تحولت إلى غرور، فكان من المستحيل حسبه، أن يستطيع الريفيون الضعفاء الانتصار، لذا، فقد واصل تطبيق مخططات المحتل الإسباني التوسعية، على أرض الواقع، عبر إضافة مناطق جديدة لنفوذه في شمال المغرب، غير أنه اصطدم بمقاومة، رغم تواضع أسلحتها، إلا أنها كانت شرسة، اعتمدت على عنصر المباغتة، بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي.
واصل الريفيون بقيادة الخطابي، هجماتهم المفاجئة على نقط تواجد الإسبان، حيث عملوا على الظفر بعدة غنائم، على رأسها أسلحة حديثة، بهدف استخدامها في الحرب الضروس المقبلة ضد الاحتلال. بالموازاة مع سعيه للسطو على العتاد، كان محمد بن عبد الكريم، يحاول إقناع أبناء قبيلة بني ورياغل، وبقيوة، وأيث توزين وتمسمان، للتصدي للغزو الأوروبي.
تمكن الخطابي، الذي كان قد تولى منصب قاضي قضاة مدينة مليلية المحتلة، من جمع مئات الجنود، غير أن ذلك، لا يمكن مقارنته بالجيش “العرمرم” الذي تمتلكه إسبانيا، لكن، ولأن العداء للغزاة، كان سمة بارزة لدى أغلب مغاربة الشمال، فقد لاقت دعوة محمد بن عبد الكريم، أبناء بلده، للجهاد، استجابة واسعة في مختلف مناطق الريف، ليواصل عدد المصطفين جنبه الارتفاع.
ومع تواصل غارات المجاهدين الريفيين على المحتل الإسباني، قررت مدريد، تكليف الجنرال المحنك، مانويل فرنانديز سيلفيستري، مدعما بـ 24 ألف جندي، من أجل وضع حد للمقاومة، فحرك جيشه من مليلية صوب تطوان، مرورا بأجدير، ولم يلقَ أي محاولات للتصدي له، ليعتقد بأن الطريق سالك أمامه، وأن مجموعة الخطابي، لا تقوى على مواجهة “آلافه المؤلفة”.
المفاجأة التي لم يكن يتوقعها “المغتر” سيفليستري، كانت في انتظاره في الـ 21 من يوليوز، بأنوال، نواحي تمسمان، الواقعة حاليا بإقليم الدريوش، حين باغتت المقاومة المغربية بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، على القوات الإسبانية، من جميع الاتجاهات، ليرتبك الإسبان، ويتبعثروا في كل المسالك والطرقات، فارين من أرض المعركة.
الارتباك الذي حصل لجنود سيلفيستري، ومحاولة فرارهم اصطدمت بخطة أخرى للمقاومة الريفية، التي زرعت عناصرها في كل المسالك التي يمكن أن يهرب منها المحتلون، لتحقق انتصار سجله التاريخ بحروف من دم، بعدما اعترفت مدريد بأنها خسرت أزيد من 15 ألف جندي بين قتيل وأسير، إلى جانب العشرات من الأسلحة والمعدات.
وعقب ما شاهده سيلفيستري من تساقط لجنوده الواحدة تلوى الآخر، حمل مسدسه وأطلقه على رأسه، واضعا حدا للغرور الذي دمره، ومعلنا عن انتصار كاسح للمقاومة الريفية التي لم يتجاوز عدد جنودها الـ 4000، مقابل ما يزيد عن 24 ألف إسباني، قتل منهم حوالي 15 ألف جندي، وأسر ما يزيد عن 500 شخصا، بالإضافة لمئات القطع من العدة والعتاد.
طردت المقاومة المغربية الاحتلال الإسباني من أجزاء كبيرة من شمال البلاد، وصولا إلى الحدود مع مليلية، التي ارتأى الخطابي عدم تحريرها، والعودة لتنظيم البيت الداخلي، بتأسيس جمهورية الريف، التي لم تدم سوى سنوات قليلة، بعد التحالف الإسباني والفرنسي، ليضطر محمد بن عبد الكريم، للاستسلام حقنا للدماء، ويتم نفيه خارج المغرب، معلنا انتهاء مرحلة حاسمة من التاريخ الحديث، والتي كان لها تأثير هام على مسار المقاومة في مرحلة ما بعد “الخطابي”.
تعليقات الزوار ( 0 )