في إطار التدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة المغربية للحد من تفشي فيروس كورونا كوفيد 19، أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ لها بتاريخ 19 مارس 2020، عن إعلان حالة الطوارئ الصحية وتقييد الحركة في البلاد، كتدبير استثنائي، ابتداءا من يوم الجمعة 20 مارس 2020، على الساعة السادسة مساءا، كوسيلة لا محيد عنها لمحاصرة الفيروس، والسيطرة عليه. وقد حدد البلاغ معنى حالة الطوارئ الصحية في اتخاذ تدابير استثنائية تستوجب الحد من حركة المواطنين من خلال اشتراط مغادرة مقرات السكن باستصدار وثيقة رسمية لدى رجال وأعوان السلطة وفق حالات محددة، تشمل التنقل للعمل، وللتبضع، وللتطبيب. وبتاريخ 24 مارس 2020، صدر مرسومان بالجريدة الرسمية حول حالة الطوارئ الصحية، مرسوم قانون رقم 2.20.292، صادر في 28 رجب 1441(23 مارس 2020)، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، إلى جانب مرسوم رقم 2.20.293، صادر في 29 من رجب 1441(24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19.
لقد أثار هذا القرار لدى البعض نوعا من التساؤل حول مدى دستوريته، باعتبار أن الدستور المغربي حدد طرق التعامل مع الأزمة في ثلاثة تدابير، تتحدد في الإعلان عن حالة الاستثناء، الحصار، ثم إشهار الحرب، ولم يتطرق إلى حالة الطوارئ الصحية بنص واضح.
لا بد من أن نوضح، استنادا إلى أدبيات الفقه الدستوري، أن الوباء هو فعل استثنائي يندرج في إطار الآفات والكوارث الطبيعية، مما يتطلب وجود وسائل وأحكام استثنائية لتدبيره، تسمى في الأدبيات الدستورية بالسلطات الاستثنائية، وهي مجموعة من الأحكام التي تمنح للسلطات العمومية لتدبير الأوضاع الاستثنائية، على خلاف سلطات الأزمة التي تكون في حالة تدبير أزمة ناتجة عن عوامل سياسية. وصحيح أن الدستور المغربي لم يتطرق بشكل كاف إلى تدبير الكوارث الطبيعية، لكنه أجملها في الفصل 40 من الدستور الذي يلزم الجميع بالتضامن في حالة الآفات والكوارث الطبيعية، كما منح أحكام استثنائية لتدبير أزمة الآفات للسلطات العمومية، استنادا إلى الفصل 21 من الدستور الذي ينص على حق كل فرد في سلامة شخصه، وأقربائه، وحماية ممتلكاته، وتضمن السلطات العمومية سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. وهو فصل يحدد بشكل عام كل ما يمكن أن يؤثر على النظام العام، ويكون مستقلا عن العامل السياسي، مثل النظام الصحي العام. وقد اعترف الدستور المغربي بهذه السلطات الاستثنائية لجميع السلطات العامة في البلاد، من مجموعة أجهزة الدولة، وجميع الذين بإمكانهم اتخاذ قرار سياسي، إلى المؤسسات السياسية العليا التي يؤهلها الدستور.
لتفصيل هذا الموضوع نوضح استنادا إلى الفقه الدستوري، أولا، الفرق بين تدبير أزمة سياسية وبين تدبير كارثة طبيعية من خلال توضيح الفرق بين السلطات الاستثنائية وسلطات الأزمة، وثانيا، توضيح دستورية حالة الطوارئ الصحية في المغرب.
أولا: الفرق بين تدبير أزمة سياسية وتدبير كارثة طبيعية في الفقه الدستوري: السلطات الاستثنائية وسلطات الأزمة
يوجد في الأدبيات الدستورية فرق بين تدبير أزمة سياسية وبين تدبير وضع استثنائي مستقل عن أي عامل سياسي مثل الآفات أو الكوارث الطبيعية. تسمى الحالة الأولى بسلطات الأزمة، في حين تسمى الحالة الثانية بالسلطات الاستثنائية. تدل سلطات الأزمة على أحكام معدة لمواجهة أوضاع استثنائية ذات طبيعة سياسية مثل الحرب والانقلاب والتدمير، في حين أن السلطات الاستثنائية هي مفهوم واسع، فإلى جانب أنه يضم الأحكام التي تهدف إلى تدبير أزمة سياسية، فإنه يضم أيضا، الأحكام التي تهدف إلى التجاوب مع أوضاع استثنائية مستقلة عن أي عامل سياسي أي كوارث طبيعية. إذ يمكن إدخال سلطات الأزمة في مفهوم عام أوسع، هو مفهوم السلطات الاستثنائية. وبحسب نظرية الظروف الاستثنائية، يمكن أن تكون الظروف الاستثنائية من أي طبيعة كانت(حرب، وخراب وكذلك كارثة طبيعية وإضراب إلخ.
وفي حين أنه غالبا ما تنظم سلطات الأزمة مسبقا بموجب الدستور والقانون والمرسوم، فإن السلطات الاستثنائية تخضع لتليين منتظم للشرعية يصبح ضروريا بسبب ضرورة الوضع، أي سن سلطات خاصة أو أحكام خاصة يمنحها القانون للحكومة.
تجد سلطات الأزمة أساسها في فكرة أنه قد تكون هناك ضرورة في بعض الظروف إلى تعليق الشرعية القائمة في الأزمنة العادية، و أنه من الواجب تقديم أمن الدولة على الحريات الفردية، وأن حماية هذه الحريات تقضي بوضعها بين قوسين لوقت طويل إلى حد ما. وهناك دائما مكان لغير المتوقع، والتوقع المسبق لمجموعة سلطات أزمة لا يمنع، عند حدوث أزمة جديدة، وجوب تصور سلطات استثنائية جديدة خلال الأزمة.
لا يتوخى التمييز بين السلطات الاستثنائية وسلطات الأزمة الدقة العلمية، باعتبار أن بعض الأحكام القانونية تتيح مواجهة أوضاع استثنائية ذات مصدر سياسي أو ناجمة عن كوارث طبيعية في آن معا. فمثلا، الكوارث الطبيعية هي أوضاع استثنائية بدون طابع سياسي قابلة لتسويغ استخدام سلطات الأزمة. يندرج في هذا الإطار، إعلان حالة الطوارئ، التي يمكن إعلانها إما في حالة الخطر المداهم الناجم عن الإضرار الخطير بالنظام العام، وإما في حالة أحداث تمثل في طبيعتها وخطورتها طابع الكوارث العامة.
الملاحظ أن الدستور المغربي في فلسفته ونظريته العامة المتعلقة بهذا الجانب، ميز بدوره بين سلطات الأزمة الناتجة عن العوامل السياسية، والتي حددها في الفصول 59 المتعلق بالإعلان عن حالة الاستثناء، والفصلين 49 و 74، الإعلان عن حالة الحصار، ثم الفصل 49 المتعلق بإشهار الحرب، وبين تدبير الحالات الاستثنائية الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية، والتي ينص عليها الفصل 40 من الدستور، وكذلك على الفصل 21، الذي ينص على سلامة الأشخاص والسكان.
والملاحظ أن طريقة تدبير هذه الأزمة، بإدراجها في إطار الفصل 21، والفصل 40، والفقرة الرابعة من الفصل 24 من الدستور، أي في إطار الحقوق الأساسية التي تكفلها السلطات لجميع المواطنين، تكون قد أعطت أهمية للجانب الإنساني والأخلاقي للسياسة باعتبارها وسيلة وهدفا لخدمة المجتمع، بعدما ساد لوقت طويل المنظور الواقعي للسياسة.
الملاحظ كذلك، أن القرار ركز على الحقوق الأساسية التي تدخل في مجال الحقوق التي يحميها القانون، وتلك التي تضمنها السلطات العامة، وليس في إطار الحقوق الأساسية التي تضمنها السلطة التنفيذية مع استمرارية مؤسسة البرلمان، مثل حالة الاستثناء، وحالة الحصار التي تدخل دستوريا ضمن سلطات البرلمان، ومجال السلطة التنفيذية. وهو ما معناه رغبة القرار في تدبير الأزمة بشكل جماعي وتشاركي، وهو ما يجد فلسفته في الفصل 40 من الدستور الذي يلزم جميع المغاربة أن يتحملوا بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد. وهو النص الوحيد في الدستور الذي تطرق إلى الأوضاع الاستثنائية المستقلة عن العوامل السياسية والتي تندرج ضمن الآفات والكوارث الطبيعية.
ثانيا: المرجعية الدستورية لحالة الطوارئ الصحية
استنادا إلى الدستور المغربي، وبعد صدور المراسيم المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، تُعتبر هذه الأخيرة حقا أساسيا تضمنه السلطات العمومية، ويندرج في إطار الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور في الباب الثاني من الفصل 19 إلى الفصل 59، ومنها الحق في الحياة، وفي الصحة، والحق في السلامة، وضمان السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.
يندرج هذا الحق أيضا في إطار الفصل 40 من الدستور، والذي ينص على واجب جميع المغاربة بشكل تضامني، تحمل التكاليف الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد.
وهو ما تبينه مراسيم حالة الطوارئ الصادرة بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 مارس 2020، بحيث تم إصدار مرسوم قانون رقم 2.20.292، صادر في 28 رجب 1441(23 مارس 2020)، يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، بناءا على الفصل 21 من الدستور الذي ينص على حق كل فرد في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته، وعلى ضمان السلطات العمومية لسلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. استند المرسوم قانون أيضا على الفقرة الرابعة من الفصل 24 من الدستور والتي تضمن للجميع حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، وذلك وفق القانون، أي وفق مرسوم القانون الجديد المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
وفي هذا الإطار، ينص هذا المرسوم قانون، في مادته الأولى، على أنه: “يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بأي جهة أو عمالة أو إقليم أو جماعة أو أكثر، أو بمجموع أرجاء التراب الوطني عند الاقتضاء، كلما كانت حياة الأشخاص وسلامتهم مهددة من جراء انتشار أمراض معدية أو وبائية، واقتضت الضرورة اتخاذ تدابير استعجالية لحمايتهم من هذه الأمراض، والحد من انتشارها، تفاديا للأخطار التي يمكن أن تنتج عنها. كما منحت المادة 3 من نفس المرسوم قانون، سلطات استثنائية للحكومة المغربية من اجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وسلامتهم.
وقد نص مرسوم رقم 2.20.293، صادر في 29 من رجب 1441(24 مارس 2020) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19، في مادته الأولى على أنه: “(…) يعلن عن حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساءا، وذك من أجل مواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19. كما منح المرسوم سلطات استثنائية للسلطات العمومية في اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة وتقييد حركة المواطنين، في حدود ما ينص عليه المرسوم الذي حدد حالات التنقل للضرورة القصوى، في التنقل للعمل، ومن أجل اقتناء المنتجات الضرورية، والتطبيب، ثم التنقل لأسباب عائلية ملحة، ومن أجل مساعدة الأشخاص الموجودين في وضعية صعبة، أو في حاجة إلى الإغاثة، كما منح أيضا سلطات استثنائية للسلطات المحلية باتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام الصحي في حالة الطوارئ المعلنة، وللسلطات الصحية اتخاذ أي قرار أو إصدار أي أمر تستلزمه حالة الطوارئ الصحية كل في حدود اختصاصاته.
خلاصة
نستنتج أن إعلان حالة الطوارئ الصحية، رغم أنها أتت في ظروف استثنائية، وتنتمي إلى فئة السلطات الاستثنائية التي يمكن معها تجاوز الشرعية بموجب القانون، والتي تضمنها الفقه الدستوري، فإن اتخاذ هذا القرار قد استند على أسس دستورية تنتمي إلى فئة الحقوق الأساسية التي نص عليها الدستور المغربي، أخذ فيها المشرع بعين الاعتبار التوفيق بين الحفاظ على سلامة المواطنين بأحكام تقيد جزئيا حرياتهم العامة، ومنح السلطات العمومية أحكام خاصة، واستثنائية لضبط هذا الجانب، مع ضمان هذه الحريات في حدود ما ينص عليه القانون، وإعلان حالة الطوارئ. وبالتالي، فهذا القرار هو متطور مقارنة مع ما تضمنه الفقه الدستوري في جانب السلطات الاستثنائية.
نستنتج أيضا، أن ميل السلطات العمومية إلى حالة الطوارئ الصحية باعتبارها كارثة طبيعية، وإسنادها إلى نظرية الظروف الاستثنائية، وعدم تدبيرها كما تدبر الأزمات السياسية، قد يجد تفسيره في الرغبة في تدبير الأزمة بشكل جماعي بإسنادها إلى جميع السلطات العمومية والاعتراف لها بأحكام وسلطات استثنائية للتصدي للوباء، ومن المؤكد أن السلطات عندما اتخذت القرار راعت الجانب الإنساني والأخلاقي في ضبط الأمن الصحي للمغاربة، وهو ما يشكل تطورا في التدبير السياسي، عبر جعل هدف السياسة هو خدمة المجتمع .
نستنتج أخيرا، أنه باعتبار أن الدستور المغربي يتوفر على أحكام عديدة لتدبير الأزمات السياسية مقابل عدم تطرقه بشكل كاف لتدبير أوضاع استثنائية ناجمة عن الآفات والكوارث، فمن شأن تجربة الطوارئ الصحية المفروضة حاليا، أن تساهم في تطوير وإغناء الأحكام الاستثنائية الممنوحة حاليا للسلطات لضبط الأمن الصحي للمغاربة.
** باحثة في العلوم السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )