Share
  • Link copied

في المغرب.. لا يمكن إيقاف فيروس كورونا، لكننا نستطيع إنقاذ الأرواح

أعلنت منظمة الصحة العالمية (OMS) أن وباء Covid-19 أصبح وباء. حتى كتابة هذه السطور، تم تسجيل أكثر من 138 ألف حالة إصابة وأكثر من 5000 حالة وفاة في 131 دولة. في المغرب، تم الإبلاغ عن 28 حالات حتى الآن. ومن المحتمل جدًا أن يكون العدد الفعلي للحالات أعلى من 10 إلى 100 مرة، نظرًا لأن عدد الحالات المكتشفة يعكس عدد الاختبارات التي أجرتها السلطات العامة وليس عدد انتقال الفيروس حقيقة  في الميدان. ما هو مؤكد هو أن هناك بالفعل عمليات انتقال جماعية للفيروس، وأن عدد الحالات سوف يرتفع في الأسابيع القادمة. فالهدف لم يعد هو احتواء الفيروس، ولكن تأجيل انتقاله.

لماذا Covid-19 أكثر خطورة من الأنفلونزا الموسمية؟

تشكل كورونا فيروس أو SARS-CoV-2 خطرًا وشيكًا على المغرب ونظامه الصحي الهش. الكثير من الناس يقارنون هذا الفيروس بالإنفلونزا. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عدد حالات الإنفلونزا ينتشر على مدى ثمانية أشهر أو أكثر، في حين أن حالات Covid-19 تزداد بشكل أكبر في بضعة أسابيع، كما نلاحظ حاليًا.

ينبغي أن نتوقع ظهور عشرات الآلاف من الحالات في المغرب في الأسابيع المقبلة. تشير أكثر التوقعات تشاؤماً إلى أن المرض يمكن أن ينتقل إلى أكثر من نصف السكان إذا لم يتم اتخاذ تدابير وقائية جدية على الفور. هذه الأرقام ليست مبالغ فيها، وتستند إلى معدل التكاثر الأساسي “R_0” من 2 إلى 3. وبعبارة أخرى، الافتراض هو أن كل شخص مصاب سينقل الفيروس إلى شخصين أو 3 أشخاص آخرين في المتوسط ​​، مقابل 1.3 للإنفلونزا. في مثل هذا التكوين، سيتضاعف عدد الحالات كل يومين إلى 3 أيام. حقيقة أخرى مثيرة للقلق، أن فترة حضانة الفيروس هي  حوالي 5 أيام في المتوسط، ولكن يمكن أن تأخذ هذه الفترة (حضانة الفيروس) من 2 إلى 14 يومًا، مع فترة الكمون (التي لا تظهر فيها أعراض المرض) حوالي يومين إلى 4 أيام. هذا يعني أنه يمكن أن لا ظهر أعراض المرض على المريض، لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، ولكنه يمكن أن ينقل الفيروس. يعد هذا اختلافًا مهمًا عن الإنفلونزا الموسمية، وهو ما يفسر جزئيًا التحدي الإضافي الذي تواجهه السلطات العمومية.

وأخيرًا، يشكل Covid-19 تحديًا كبيرا حيث يحتاج ما يقرب من 10 إلى 20 بالمئة من الأشخاص المصابين إلى المستشفى، وفقًا لأحدث الأرقام من الصين وإيطاليا. ويتطلب جزء كبير منهم العناية المركزة. كذلك  من المهم ملاحظة أن ما بين 60 بالمئة و 80 بالمئة من المصابين بالفيروس سيكون لديهم أعراض تُشبه أعراض الأنفلونزا وبالتالي سيتم تقدير أنهم لا يحتاجون إلى دخول المستشفى. 

COVID-19،  تحدي حقيقي للنظام الصحي خصوصا في بلدان الجنوب

سيواجه المغرب حالة صحية حرجة في إدارة Covid-19 لأن قدرته الاستشفائية محدودة للغاية. يوجد في المغرب 1.1 سرير لكل 1000 نسمة، وقد انخفضت هذه القدرة بشكل مطرد منذ الستينيات. 

الشكل 1: تطور عدد أسرة المستشفيات لكل 1000 نسمة (1960-2015)

وهذا أقل بكثير من إيطاليا (3.2)، والصين (4.2)، والجزائر (1.9)، وكوريا الجنوبية (12.3)، التي واجهت جميعها صعوبات. كما أن المعلومات الأساسية عن السعة القصوى من حيث أسرة العناية المركزة ومعدات التهوية المتاحة فهي غائبة.

واستنادًا إلى الحد الأدنى من التقديرات الحالية التي اقترحها جميع علماء الأوبئة في حالة غياب تدابير وقائية مناسبة، فلنفترض أن 20 بالمئة  فقط من السكان البالغين يحملون الفيروس (تتراوح التقديرات من 20 إلى 60 بالمئة). فمن المرجح أن لا يتم تشخيص غالبية الحالات، وأن هذه الأرقام لن تنشر إلا على مدى عدة أشهر. 

تبعا لهذه الفرضية، سيكون لدى المغرب ما يقرب من 4 ملايين حالة (مرة أخرى ولكي لا يكون المعطى مقلقا فإن ذلك في حالة عدم وجود تدابير وقائية مناسبة)، منها حوالي 10 بالمئة تتطلب حالتها الدخول إلى المستشفى. لذلك سوف نحتاج إلى 400.000 سرير في المستشفيات، ويحتاج جزء كبير منها إلى العناية المركزة والتهوية. ومع ذلك، لا يوجد في المغرب حاليًا سوى 30.000 إلى 40.000 سرير، أي أقل بعشر مرات من الضرورة، بالإضافة إلى نقص الأطباء والعاملين في المستشفى. ففي هذه الحالة، ما سنفعل؟ 

التدابير الوقائية توجد من أجل توزيع انتشار الحالات وتأخير انتقال الفيروس وليس توقيفه

لقد فات الأوان لاحتواء الفيروس، ولكن هناك العديد من الإجراءات الوقائية التي أثبتت فعاليتها من أجل تبطيء انتشار الوباء. 

تجارب الوباء التاريخية، كالحالة الأخيرة لكوريا الجنوبية، تُعلمنا أن إبطاء انتشار الوباء هو أفضل استراتيجية في هذه المرحلة. وفقًا لخبراء منظمة الصحة العالمية ، من الضروري اختبار الحد الأقصى لعدد الأشخاص، لتتبع أصل الانتقال إلى عزل جميع المصابين. يساعد الاختبار المكثف والتحقيق والحجر الصحي على إبطاء انتشار الوباء، وهو فعال لثلاثة أسباب:

  1. وباء بطيئ سيصيب عدد أقل من الناس. 
  2. سيتم توزيع العدد الإجمالي للحالات على مدى فترة زمنية أطول، وهو ما سيسمح  بتخفيف العبء على النظام الصحي. 
  3. كما يسمح توزيع الحالات، مع مرور الوقت، لموظفي المستشفى بتعلم كيفية علاج المرض، وكذلك تطوير لقاح للفيروس.

مثال تاريخي مهم في هذا الباب هو المتعلق بأنفلونزا 1918 – 1919، حيث كان هذا الوباء هو الأكثر فتكًا في التاريخ الحديث. توفي حوالي 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. في الولايات المتحدة  توفي 550.000 شخص، لكن مع وجود تفاوتات كبيرة حسب المدينة. كان الفرق يرجع إلى التدابير الوقائية المطبقة وفي أي وقت. في المثال أدناه ، احتوت مدينة سان لويس قبل ستة أيام من بيتسبرغ. الفرق من حيث الوفيات هو 358 لكل 100.000 نسمة في سان لويس، مقارنة بـ 807 حالة وفاة لكل 100.000 نسمة في بيتسبرغ. بشكل عام، المدن التي قامت بتدخلات استباقية لها ارتباط بارتفاع ذروة الوفاة pic de mortalité، وبالتالي عرفت انخفاضات في ذروة معدل الوفيات وانخفاض في عبء الوفيات الإجمالي.

الشكل 2: فعالية التدابير الوقائية على مستوى السكان خلال وباء عام 1918 في الولايات المتحدة ، مقارنة بين سان لويس الذي نفذ التدابير بسرعة وبيتسبرغ التي انتظرت أسبوعين. المصدر: Markel H et al. Nonpharmaceutical Interventions Implemented by US Cities During the 1918-1919 Influenza Pandemic. JAMA. 2007;298(6):644–654. doi:10.1001/jama.298.6.644

اليوم، يجب توجيه الجهود نحو إبطاء انتشار الفيروس، من أجل تسطيح “منحنى الوباء” (الشكل 3). فكل إجراء لإبطاء الفيروس يوفر لنا الوقت ويقلل على الأرجح من الحجم الكلي للوباء. من بين أكثر التدابير فعالية الابتعاد الاجتماعي: 

  1. إنشاء مسطرة لاختبار مكثف يركز على جيوب العدوى، تحديد المرضى، إختبار أقاربهم ووضع تدابير الحجر الصحي. 
  2. يجب على جميع الشركات التي يمكنها العمل عن بعد القيام بذلك على الفور. 
  3. الحد من انتقال الفيروس من خلال حظر التجمعات البشرية. وهذا يشمل ألعاب كرة القدم وحفلات الزفاف وغيرها من الاحتفالات والمواسم وصلاة الجمعة. وفي الأيام الأخرى، يجب إقامة مسافة مترين بين المصلين في المساجد.
  4. إنشاء نظام فرز في المستشفيات، وتدريب أكبر عدد من الموظفين على الإجراءات الواجب اتباعها، وتعبئة طلبة الطب. 
  5. تخزين المعدات الطبية: الأقنعة، المراوح الطبية ventilateurs  ومنتجات النظافة. 
  6. محاولة توسيع القدرة الاستيعابية للمستشفيات عن طريق تأجير الفنادق، أو إنشاء مستشفيات متنقلة. 
  7. إنشاء خطوط ساخنة لإبلاغ الناس، وتوقع عددًا كبيرًا من المكالمات من الأشخاص الذين يشتبهون في وجود عدوى. وهذا يفرض التدريب السريع لوكلاء مراكز الاتصال على إجراءات النظافة والوقاية الضرورية.
الشكل 3: تسطيح المنحنى (المصدر: CDC و La tribune.ca.). توضيح أهمية إبطاء انتشار الفيروس من خلال القياسات السكانية بحيث لا يتجاوز معدل الإصابة في أي وقت القدرة القصوى للنظام الصحي.

وأيضا على المستوى الفردي ، يجب اتخاذ التدابير التالية:

  1. في حالة الشك، اعزل نفسك عن بقية أفراد الأسرة، واتصل بالرقم الهاتفي (الساخن)  دون الذهاب إلى المستشفى، ما لم تسوء الحالة. 
  2. تجنب المقاهي والأسواق والأماكن ذات الكثافة البشرية العالية. 
  3. تطبيق تدابير النظافة المعتادة: 
  • اغسل يديك بانتظام بالصابون.
  • تغطية العطس والسعال. 
  • افتح النوافذ للتهوية.
  • اغسل مقابض الباب يوميًا. 
  • عزل الأشخاص المعرضين للإصابة، بما في ذلك كبار السن ومرضى السكر والأوعية الدموية والرئة والسرطان والأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة. 

4. التطوع: إذا كنت تستطيع المساعدة، فافعل ذلك. ضع خطة بين الجيران لمساعدة بعضكم البعض، كتبادل الأدوار للتسوق، إلخ.

وأخيرا في هذه الأيام غير المؤكد فيها شيء، أفضل شيء يمكن أن يحدث لنا في النهاية هو أن نقول لأنفسنا أننا بالغنا في رد فعلنا.

يوسف أولحوت

دكتور في علم الأوبئة وعلم إحصاء الأحياء، أستاذ باحث بجامعة مانشستر وبمدرسة الصحة العامة بجامعة هارفارد (أمريكا).

Share
  • Link copied
المقال التالي