Share
  • Link copied

في الحاجة إلى علم كلام جديد

خلال قراءاتي للمذاهب والملل والفرق والنحل من كتاب الشهرستاني وابن حزم ،وعبد القاهر البغدادي ، وكتب أحمد أمين ومذاهب الإسلاميين لعبد الرحمان بدوي ومن العقيدة الى الثورة لحسن حنفي ونقد تكوين العقل العربي ونقد العقل السياسي والأخلاقي للجابري ، خلصت الى أن مدار الكلام طيلة قرون بدءا من القرن الثالث الهجري الى الآن كان حول الخالق وليس حول المخلوق ،حول الإله وليس حول الانسان ،وحول السماء وليس حول الأرض، وأن العقل الاسلامي أشتبك مع نفسه قرونا عديدة في محاولة مستحيلة لمعرفة الذات الإلهية وهل أن وجود الله داخل العالم أم خارجه ؟ وهل المكان يحتويه في جهة أو حد أم أنه لا يحتويه مكان، وهل وجود هذا العالم وجود حقيقي أم أنه مجرد ظلال وأوهام وأحلام ، فوقع. العقل الاسلامي في تخبط عظيم أنتج تراثا عقليا. كبيرا. من الترف الفكري ووقع في صراعات دموية انتهت أحيانا. الى مجازر ، وإعدامات. من أجل مجرد آراء.

 تختلف في الشكل وليس في المضمون فهذا والي الكوفة في عهد هشام بن عبد الملك الأموي خالد بن عبد الله القسري يقبض على الجعد ابن درهم، في أول يوم من أيام عيد الأضحى فقام في الناس وخطب خطبة العيد وقال :

( أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، ) فسالت الدماء ، وانصراف المؤمنون فرحين غير آبهين ولا مهتمين ,لماذا لم يتسع أفقهم الى تقبل الرأي والرأي الآخر ، ولماذا احتكار الحقيقة ، وهي ظنية وليست يقينية .ولماذا هذا التعسف والكراهية والحقد. في نفي الآخر).

ونشأت حوارات ومناظرات وجدالات ، عقيمة بين الفرقاء لا زالت قائمة. الى الآن ،وهذه الجدالات. تحكمت فيها السياسة وتدخل فيها السلطان ، فلم تفض إلى الحقيقة لأنها كانت تنصب على محل مستحيل أن يقع تحت الإدراك، والنظر العقلي ، إلا وهو الذات الإلهية ، فامتحن علماء. وفقهاء وفلاسفة ، وقتل آخرون ، فاشتط بعضهم فقالوا بالتجسيم، وغالى آخرون فقالوا بالتنزيه ، فآداهم النظر الى التعطيل واختار.

آخرون فقالوا موقفا وسطا بين التجسيم والتنزيه، فانتهى المعتزلة الى أن جعلوا النص في خدمة العقل في محاولة يائسة لنصرة حرية الإرادة الإنسانية انتهت إلى الفشل وانتهى الأمر. بأهل الحديث من المنتسبين للسلف الى أن جعلوا. النص في خدمة النص ، فلم يهتموا للمفارقات العقلية ،لبعض أقوالهم ، بقدر ما هتموا بأتباعه النصوص حرفيا دون زيادة. أو نقصان ، فأصبح الله في رأيهم متصفا. بصفات بشرية يجلس على العرش ويقوم وينزل ويضحك، وهو فوق السماء في مكان دون آخر، وانتهى الأشاعرة مع الامام أبي الحسن الأشعري وتلاميذه الباقلاني. والاسفراييني وابن فورك بعدة فتنة خلق القرآن ومحنة ابن حنبل وانهزام المعتزلة، الى أن جعلوا العقل في خدمة النص ، فكانوا وسطا بين تشبيه وتنزيه فأثبتوا اليد والوجه. والعين دون اعتبارها جوارح أو أعضاء ، دون ان أن يذهبوا الى التأويل، فذهب بعضهم إلى اعتبار قليل من التأويل كما فسر عبد القاهر. البغدادي الاستواء على العرش بمعنى أن الملك ما استوى لغير الله، وكذلك كان الشأن بالنسبة.

الماتريدية الأحناف في حين ذهب الفلاسفة الى خدمة العقل للعقل ، من البداهات المنطقية التجريبية والتجريدية والرياضية ، لقد حاول الجميع معرفة الشيء في ذاته وكنهه وذلك كان أمرا مستحيلا لأنه لا يقع تحت إمكان. الإثبات أو النفي واعتقدت كل فرقة. أن الحق معها والى جانبها وأنها هي الفرقة الناجية،  لقد كانت محاولات واصل بن عطاء مؤسس الاعتزال الانتصار للحرية والاختيار ،وخلق العباد للأفعال في مقابل نفي الجبرية الأموية التي أشاعت أنه لا يقع في ملك الله إلا ما يشاء لتثبيت حكمهم الفردي المطلق ، باعتباره قدرا الاهيا ، فناضل المعتزلة. في بدياتهم، من القول بحرية الإرادة الإنسانية في فعل الخير أو الشر لتحقيق العدل الإلهي بتنزيه الله عن الجور ، والظلم، ويشهد على هذا ما ذكره السبكي في طبقات الشافعية أن القاضي عبد الجبار المعتزلي قال في بداية جلوسع للمناظرة مع الاسفراييني سبحان من تنزيه عن الفحشاء فقال له سبحان من لا يقع في ملكه ما لا يشاء فرد عليه أيشاء ربنا أن يعصى ،فعقب عليه ،أيعصى ربنا قهرا ، فقال عبد الجبار ،أرأيت إن منعني الله الهدى وقضى علي بالردى أأحسن إلي أم أساء ؟! فقال الاسفراييني إن كان منعك ما هو لك فقد أساء ،وإنوكان منعك ما هو له له فيختص برحمته من يشاء ، ويبدو من طريقة نهاية المناظرة أنها مجرد مماحكة لفظية تهتم بالقافية ،ويبدو موقف. الاسفراييني غير منطقي وان حاول السبكي أن يظهر انتصاره، بسكوت القاضي عبد الجبار المعتزلي .

وهكذا فقد تقرر عند المعتزلة أن أهم الركائز التي ترتكز عليها المعتزلة هي الأصول الخمسة. يذكر أبو الحسين الخياط -أحد أئمة المعتزلة- أنه لا يستحق اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفروع أخرى كنبفي الرؤية يوم القيامة ونفي الصفات الزائدة عن الذات، والا تعددت القدماء ،وخلق القرآن ،ونفي العلو ، لكن هذه المحاولة العقلية فشلت لأنها بدأت. بداية خاطئة ،عندما حاولوا فرضها بقوة السلطان وبالاكراه والاجبار في عهد المأمون ، فانتهى الوضع بالعقل العربي الاسلامي الى انتصار. الحنابلة الذين غالوا وتشددوا بل وتطرفوا. في الحرفية والنصية الى حد. الصننية ، ومارسوا ما وقع عليهم. من ظلم ضد. جميع خصومهم من المعتزلة الذين طاردوهم ، ونفوهم. وغيرهم، من باقي أصحاب المذاهب الأخرى، ولهذا فقد استهلك تاريخ طويل لم يكن كله ترفا فكريا لكن مآلاته كانت مخيبة للآمال في أن ينتقل العقل الاسلامي من النظر في الذات والصفات الى النظر في أجساد العباد، ومن النظر الى العدل الإلهي الى النظر في محاولة تحقيق العدل الانساني ومحاربة الاستبداد، وأن يتطور البحث من النظر في علم اللاهوت الى النظر في علم الناسوت، وأن يظهر علم كلام جديد، فالله لا يحتاجنا فهو الموجود. الحق الذي نعرفه. ونحسه بقلوبنا. في أثاره وأسمائه ، لكننا لا يمكن أن نعرف كنه ذاته. بعقولنا، فهو الغني ونحن الفقراء ، ولذلك كانت طريقة المتصوفة الكبار. هو. السلوك إليه بالتأمل والعرفان والكشف والتجارب. الإيمانية ومن ذلك رسالة بديعة من الشيخ الأكبر. محيي الدين ابن عربي الى الإنام الأصولي المفسر ،الفخر الرازي جاء. في بعض أجزاءها:

فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الفكر إذا أراد معرفة الله من حيث المشاهدة وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون تلقيه عند هذا من عالم الخيال، وهي الأنوار المتجسدة الدالة على معان وراءها، فإن الخيال ينزل المعاني العقلية في القوالب الحسية كالعلم في صورة اللبن، والقرآن في صورة الحبل، والدين في صورة القبة. وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون معلمه مؤنثاً كما لا ينبغي أن يأخذ من فقير أصلاً، وكل ما لا كمال له إلا بغيره فهو فقير. وهذا حال كل ما سوى الله تعالى . فارفع الهمة في أن لا تأخذ علماً إلا من الله سبحانه على الكشف واليقين. واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه الغاية القصوى أداهم فكرهم إلى حال المقلد المصمم، فإن الأمر أجل وأعظم من أن يقف فيه الفكر، فما دام الفكر موجوداً فمن المحال أن يطمئن العقل ويسكن، وللعقول حد تقف عنده من حيث قوتها في التصرف الفكري ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى ، فإذن ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود ولا يبغي ماسوراً في تقييد نظره وكسبه، وإنه على شبهة في ذلك. ولقد أخبرني من ألفت به من إخوانك من له فيك نية حسنة. أنه رآك وقد بكيت يوماً فسألك هو ومن حضر عن بكاءك؟ فقلت مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاح لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي، فبكيت وقلت، لعل الذي لاح لي أيضاً يكون مثل الأول، فهذا قولك. ومن المحال على الواقف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح، ولاسيما في معرفة الله تعالى . فما لك يا أخي تبقى في هذه الورطة ولا تدخل طريق الرياضيات والمكاشفات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه وتعالى: ” عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً ” ومثلك من يتعرض لهذه الخطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة مفاد النص أن الله في قلوب المؤمنين ولا يحتاج وجوده الى دليل فهذه قضية محسوم فيها ، تسليما وكشفا فطريا، بالإيمان الطبيعي، فيكون الأولى توجيه وتركيز البحث في علم الكلام. الجديد على الانسان.

Share
  • Link copied
المقال التالي