اختار العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي اللجوء الى سلاح السخرية في التعاطي مع انتشار فيروس كورونا، من خلال تعليقات ذات حمولة سياسية سلبية ، ينتقد من خلالها هؤلاء كيفية تعاطي الدولة مع الفيروس .
حجم التعليقات و حجم السخرية كان كثيفا و متضخما , تكشف حجم اللاثقة في مؤسسات الدولة لاسيما وزارة الصحة في التعامل مع الوضع و توفير الحماية للمواطنين بدءا من حماية الحدود , الى توفير العلاجات و الخطط الاستباقية و توفير البنيات التحتية للاستقبال , و جاهزية المؤسسات الصحية و العلاجية للتعمل مع الوضع , لاشئ استثني من السخرية السوداء .
مئات التدوينات تكشف حجم اللاثقة و السخرية من الدولة و مؤسساتها , وهي رسائل مهمة يجب الانتباه اليها , غير ان واقعة حضيت بالكثير من المتابعة يتعلق الامر بفيديو مسجل بايران يؤثق مشهد شاب في الشارع العام يصبح بأعلى صوته انه مصاب بالفيروس , و يطلب نجدة من رجل دين شيعي معمم قابله بالشارع العام , الاخير يغير الاتجاه و يسرع هاربا خوفا ان يلحقه الشاب أمام اندهاش المارة , و الذين بقوا يتابعون بسخرية الموقف , كيف يهرب رجل دين كان متخصصا في الدعوة الى الموت من اجل ملاقاة الحسين و علي في الجنة ؟
و اقعة هروب رجل الدين المعمم تكشف منطق تفكير رجال الدين اثناء الازمات , و في اوقات الشدة أي حين يقفون امام الموت وجها لوجه . و هم المتخصصون في الدعوة الى الله و الدعوة الى للموت و الترحيب به و مواجهته بشجاعة , اعتبارا ان تجربة الحياة الدنيوية مجرد قنطرة مرور نحو العالم الحقيقي و الخالد , و ان السعادة لا تقيم هنا , و لكن هناك قرب الحسين والحسن و اللقاء معهما .
الحكاية , بسيطة لكنها عميقة تكشف كيف يتعامل اصحاب النصائح في اوقات الشدة , أي حين يكون امامهم فرصة لاختباراقوالهم , من خلال القدرة على مواجهة الموت باعتباره الحقيقة الاخيرة في عالم الحياة , لان الهروب يعني انهيار منظومة القيم التي ينادون بها .
المشهد له دلالات كثيفة , كيف ان مواطنا عاديا استطاع الاستهزاء برجل دين يقدم نفسه انه المالك الوحيد للحقيقة, و انه الوحيد الذي يعرف طريق الجنة و كيفية الوصول اليها , مواطن عادي جعل رجل الدين مجرد نكثة و هو يتظاهر انه مصاب , و يطلب نجدة ممن يعتقدون انهم يملكون قوارب نجاة في اوقات الشدة .
بلا شك اصبح الدين وسيلة من اجل السلطة و المال و ليس طريقا الى الله , والى مملكة الرب كما كتب عنها القديس او غسطين .
نحن امام تابث سلوكي , يتقاسمه كل التجار انهم يخافون الموت , بما في ذلك تجار الدين , بقدر حبهم للحياة و المال يخشون الموت , بقدر اصرارهم على الحياة و الاستفادة من نعمها . هو تصرف مخالف و معاكس كلية للقيم الدينية المؤسسة على الفدائية و التضحية و مساعدة الاخرين
ما وقع يكشف أننا أمام فكر زائف و انتهازي يبحث عن الحياة و الجاه و السلطة و المال , فينتج الكثير من الاوهام الخطابات المخادعة و التي تنهار اما الحقيقة و الواقع.
الهروب هو عدم القدرة على مواجهة الحقيقة و الخوف منها , المعمم يفر هاربا , لدرجة انه رفع جلبابه الى الاعلى حتى تزداد سرعته , لانه يدرك ان شرط البقاء مرتبط بالقدرة على الابتعاد باكبر مسافة ممكنة مع شاب, وهي مفارقة تستعصي على الفهم كيف لعجوز ان يكون أكثر سرعة من شاب . ربما الجواب يكمن في الحافزية و الرغبة في الحياة.فالسرعة في الهروب تعني السرعة في التخلي عن الافكار و القيم المحمولة حول الدنيا و الاخرة و الجنة و الموت .
الترحيب بالموت يعني استقبال الحقيقة , و عدم الرهبة امامه و انما التعامل معه كمعطى طبيعي مثل كل الأفعال اليومية و الاعتيادية للإنسان , عدم الخوف من الموت معناه التحرر من سلطة الجسد و غواية الجسد , و هو امر موكول للعظماء فقط و ليس للتجار .
التاريخ الانساني يحتفظ بالكثير من الشواهد , أهمها حكاية سقراط حين حكم عليه بالإعدام بشرب السم , بعد الحكم يتدخل اصد قاء ه لإخراجه من السجن بعد تقديم رشوة لحارس السجن .
المفارقة ان السجان قبل الرشوة, و لكن السجين سقراط رفض الخروج , مؤكدا لتلاميذته انه يرفض ان يهرب كي يعيش الجسد ؟ فقرر البقاء حتى يموت الجسد ليبقى الفكر خالدا , وحتى لا يقال ان سقراط قد تخلى عن افكاره في اوقت الشدة ؟
الفضيلة تبنى في الداخل و عبر الانسجام مع الذات من خلال التحكم و
الانتصار على الجسد , و ليس الفرار من اجل البقاء على قيد الحياة كما فعل المعمم
امام شاب يتسلى به .
بناء الفضيلة لا يتحقق بالدروس و المواعيض و الفتاوي و الخطب الباردة
لكن من خلال الانسجام بين القول والفعل عبر تحويل المعتقدات الى سلوك . و ليس
التخلي عن كل القيم من اجل الحيياة و التشبث بها .
فيروس لاكرونا كشف و مازال يكشف الكثير من الحقائق الصادمة منها :
التوظيف السياسي للفيروس كما وقع بالجزائر من اجل ايقاف زخم الاحتجاج بدعوى منع انتشار الفيروس اثناء التظاهرات .
و كيف ان شركات حولت الفيروس الى وسيلة لجني الاموال .
و كيف ان الصين استطاعت شراء اسهم الشركات الكبيرة بعد انهيار اسهمها .
كما كشف ارتفاع منسوب اللاتقة المرتفع بين الدولة و المواطن المغربي .
كما كشف ان رجال الدين الذين كانوا يصرون ان مهمتهم هي اعداد الناس للموت و استقبال الموت كانوا اول من فر حفاظا على حياته تاركا وراءه كل الخطب و الوصايا حول الموت والاستعداد للموت من اجل الجنة واللقاء مع الحسين.
تعليقات الزوار ( 0 )