شارك المقال
  • تم النسخ

فلسفة القيم الإسلامية لدى محمد باقر الصدر “رؤية مختلفة”

يعيش الإنسان منذ بدأت تجاربه الحسية الأولى بين جدلية النجاح والفشل، في قدرته على ملاحقة الضوء تارة، أو العثور على رائحة أمه، أو الوقوف ثابتاً لبضعة ثواني، وفي ذلك يتلخص حال معيشته ونضاله حتى نهاية مرحلة “الحياة”.

وحين كان “الحصاد” هو ما يعلق أبصار الإنسان، ويرنو للاستزادة منه، حملت الشريعة الإسلامية وبحكمة الخالق سبحانه وتعالى العديد من الملامح والأطر التي تقوم على ذات الفكرة، بل أن مبدأ الثواب والعقاب والعمل الطيب من أجل النجاة هو حال يعيشه الإنسان المسلم بشكل مستمر، ولذا فإن “وقود” هذا المحرك السريع من سرعة الأيام يتغذى على النظام الأخلاقي والقيمي المنظم له. وفي هذا السياق يبدو أن الفكرة الأخلاقية اللصيقة بالنظام، أو الفكر، أو العقيدة الإسلامية، شكلت صورة ثابتة عن الأخلاق فلم تنل المزيد من الحركات الفلسفية المنقبة في سياقها، بالرغم من تغير الحال والزمان الذي جلب معه العديد من المظاهر المعاصرة المستحدثة المعوزة ل “ري فلسفي أخلاقي” يوازي طرحها.

إن إدراك الفجوة الفلسفية الأخلاقية مقابل الطرح الثري في مجال القيم الإسلامية، دعا لبروز التحول الفكري هناك، سيما في سياق تناول المشهد الأخلاقي في الزمن المعاصر، وموازاتها الملازمة لمختلف القضايا والتحديات التي يواجهها الإنسان في المجال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وغيرها. سيما في ظل رفض ملازمة العقيدة في سياق الوعظ وبين أمر ونهي، فالأخلاق التي جاءت لتثبتها وتؤكد عليها الشريعة،  تضم في وعائها الكبير جداً  علاقة لا يمكن بترها مع الوجود الإنساني في شتى تفاصيله ونواحيه، وهذا ما نجده ثابتاً لدى العديد من الفلاسفة المسلمين كالفيلسوف محمد  باقر الصدر، الذي قرأ أصول الفقه، وعلم الكلام، والفلسفة ولكن بطرح جديد ورؤية مختلفة اجتمعت رغم اختلاف مشاربها عند الضرورة الأخلاقية، كرد صريح وواضح على “عصرنة العصر”، ومجرياته من جهة، و “التجزيء الإسلامي” ، فالعقيدة لا تؤخذ بجزء وتترك في غيره، بل هي وحدة متحدة متعاضدة ومتناغمة ومنسجمة.

إن وجود المنهج في إيصال رسالة الفكر، يستند عليها الكثير من إثبات الفكر وقبل ذلك القدرة على توضيح فحواه، فحين انقسم منهج الفلسفة الأخلاقية لمنهج مقارن بين الطرح الغربي والإسلامي، وآخر يعرض التركيب القيمي في حلته “الغنية” الموجودة في الفكر الإسلامي ذي العماد على القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد اعتمد الصدر ثانيهما في خطوة ذات تحليل عميق على ثوابت أصيلة، وفي اتجاه مختلف عن كل ما قدم في هذا السياق من إجابات المسألة الأخلاقية من باب “الأخلاق الاجتماعية”، أو “الأخلاق الوجودية”، مما أضاف طرحاً ابستمولوجياً لا يهمل المنشئ الأخلاقي ودوافعه، ولا يبتعد عن الوسط الذي وجد فيه، سيما أنه من غير الدقيق تطبيق “العلوم الجاهزة” والأفكار الناضجة في مجتمع ما على مجتمع يحمل ظروف وخصائص مختلفة، وبالتالي فإن الدراسة الفلسفية الأخلاقية لدى باقر الصدر شكلت بوصلة حاذقة في نظرتها للعالم الإسلامي.

مع تراكم القراءات التي تشبثت بالنطاق الأخلاقي، إلا أن فلسفة  محمد باقر الصدر اختلفت في نوعيتها، مما جعلها محطة انطلاق لمن جاء من بعده،  وقد بدا ذلك في نضوج ما قدم من التنظير العميق لكل من المذهب الاجتماعي والاقتصادي، والمشكلة الأخلاقية التي بدت واضحةً ومفهومة في ومن وإلى الواقع المعاش،  فارتقاءاً على “ملازمة التجزيء”، أو اعتماده في أي من ضروبه انطلق الصدر في تفسيره ” الحكم الشرعي”، ليجعله تعبيراً شرعياً دقيقاً  فيه فحوى فقهية، وأخلاقية، و روحية، ومفاهيمية. وبالتالي “الإقلاع عن التجريد” في القراءة الأخلاقية من القرآن الكريم، بعيداً عن “متلازمة النهي والأمر”. إذ أضاف الكثير في سياق معالجة المشكلة الأخلاقية، من منظور فلسفي ديني متزن، يجمع بين الميتافيزيقا والحضارة والأخلاق، وذلك ابتداءاً من إيلاء الاحترام الكافي لعلاقة الإنسان بال”مثل الأعلى” ، وبالتالي لا ينزعه عن سوية فطرته، ولا ينكر عليه عبوديته الحقه لله عز وجل.

إن في الفلسفة الواسع المتسع من التلاقي الأنيق مع العلوم والفنون التي لا تنفك عن واقع الإنسان، ولا تنافسه، ولا تلغيه، ونحن بحاجة بالفعل لمثل هذا الفيلسوف الكفؤ، من ناحية إيجاد العلاقة المتناسقة الطيبة دون تشويه ولا تمييع، سيما أنه مد ب”يد عقله” للأخلاق منقذاً إياها من الاشتباك مع الثقافة الغربية والبقاء هناك دون حراك، وهذا ليس عداء مع أي علم أو ثقافة، بل توسع وإبحار في بحبوحته العريقة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي