طلع العام الجاري وبالتزامن مع إعلان صفقة القرن، أو ما يسمى “خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط”، كان لـ”فلسطينيي الـ48” نصيبا من بعض البنود، تمثلت أبرزها في: ضم بعض البلدات الفلسطينية المحتلة إلى الدولة المقترحة وفقا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية، إلى جانب تهجير سكانها قسريا، في إشارة إلى تقليل التواجد الفلسطيني العربي داخل المناطق المسيطر عليها إسرائيليا “أمنيا وعسكريا”.
كانت تلك التصريحات قد أثارت غضب الفلسطينيين في الداخل المحتل، وأعادت إلى الأذهان مجددا أصل وحقيقة تواجدهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قبل مجيء الاحتلال الإسرائيلي وجملة السياسات العنصرية قانونيا وسياسيا بحقهم، لاسيما وأنهم يشكلون ما نسبته 20%، من سكان ما يسمى بـ” إسرائيل”.
مواطنون فلسطينيون
المتعارف عليه تاريخيا وجغرافيا، أن “فلسطينيي الـ48″، هم المواطنين الفلسطينيين الذين لم يغادروا قراهم خلال احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، فضلا عن الفلسطينيين الذين عادوا إليها قبل صدور قانون المواطنة في ” إسرائيل” عام 1952؛ فعاشوا ولا يزالون تحت الاحتلال الإسرائيلي وقوانيه، فيما تطلق مؤسسات الاحتلال عليهم مسميات تهدف إلى طمس هويتهم الفلسطينية وحقيقة تواجدهم، مثل: “عرب إسرائيل”، و”عرب 48”.
وينظر قانون الجنسية “المواطنة” الإسرائيلي الصادر عام 1952، والذي أقره الكنيست في 14 شتنبر 1953، إلى “فلسطيني الـ48″، على أنهم مواطنين في “إسرائيل”، ويتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية مثل الانتخاب والترشح وإدارة البلديات والحقوق في التعليم والعمل، في حين يحرم الفلسطينيون الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل العام ،1948 من حقهم في الحصول على الجنسية أو الإقامة في فلسطين المحتلة، بناءً الشروط التي صممت خصيصا لحرمان اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة.
ومنذ ذلك الوقت، وحتى الآن تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلي والأوساط الرسمية والأمنية التقليل من أهمية تواجد “فلسطينيي الـ48″ داخل أراضيهم، بالإشارة إليهم ضمن مصطلحات ” أبناء الأقليات”، ” عرب إسرائيل”، ” الوسط العربي”، بينما في الواقع فإن “عرب الـ48″، و”فلسطينيو الـ48″، هي الشائعة فلسطينيا وعربيا، أي الذين يعيشون ضمن حدود مناطق الخط الأخضر التي تم احتلالها إسرائيليا عام 1948 ويملكون الجنسية الإسرائيلية، وبقوا في مدنهم وأحيائهم وقراهم بعد نكبة عام 1948، رغم تمكن عصابات مسلحة من الجماعات الصهيوينة بدعم بريطاني احتلالها، حيث تتركز معظم إقاماتهم في ثلاث مناطق رئيسية، هي جبال الجليل، ومنطقة المثلث، وشمالي النقب.
فترات الحكم الإسرائيلي
وفيما يتعلق بمسألة الحكم العسكري للفلسطينيين ضمن أراضي الخط الأخضر فقد مرت بثلاث فترات زمنية، الأولى: منذ إقامة دولة الاحنلال عام 1948، وأبرز ما عاشه الفلسطينيون هو التواجد الكثيف للعصابات التي شكلت “الدولة اليهودية”، وما نتج عنها من عزلة كاملة عن المجتمع الفلسطيني والمحيط العربي، ومحاولات حثيثة إسرائيليا وبريطانيا لطمس المعالم الفلسطينية، في حين تميزت المرحلة الثانية بإلغاء الحكم العسكري لمناطق العرب عام 1966، وبداية جديدة حذرة وقتها للتنقل بين القرى العربية، خاصة بعد نكسة حزيران عام 1967، وإعادة الاتصال مع المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع.
فيما المرحلة الأخيرة تمثلت في رفع الروح المعنوية لدى الفلسطينيين بعد حرب عام 1973، وفتح المعابر والطرق التجارية والحدودية بين أراضي الضفة و” مناطق الـ48″، للتبادل التجاري والاقتصادي، بيد أن هذه الروح المعنوية سرعان ما تبددت، وأصبحت ضمن قبضة أمنية مشددة بفعل العديد من اتفاقات السلام الدولية بين الاحتلال ودول عربية برعاية أمريكية، ما فتح الطريق واسعا أمام الكنيست الإسرائيلي بإصدار العشرات من القوانين العنصرية بحق “فلسطيني الـ48″، حيث لا تزال آثارها حاضرة في قرى ومدن ومناطق الخط الأخضر المحتل.
محاولات الهيمنة
تحاول السياسات الإسرائيلية، التقليل من التواجد الفلسطيني داخل مناطق الخط الأخضر، عبر مجموعة من القرارات العنصرية لتضييق الخناق عليهم، وإجبارهم على ترك قراهم ومدنهم مقابل مبلغ من المال، أو مصادرة الأراضي بحجة عدم الترخيص في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة دون ذريعة تذكر، يقابلها الفلسطينيون إما بالاحتجاج أو الانتفاض، أمام السياسات كما جرى في شهر مارس عام 1976 وسميت آنذاك بانتفاضة يوم الأرض، وأصبحت ذكرى خالدة يحتفل بها الفلسطيني من كل عام تأكيدا على حقه في أرضه، ورفضه للقرارات الإسرائيلية.
ومن بين السياسات العنصرية التي يواجهها “فلسطينيو الـ48″، التمييز في العمل والتعليم والصحة، حيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة داخل المناطق الفلسطينية ضمن الخط الأخضر، إلا أن انطلاق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، شكلت نقطة تحول من خلال الاحتجاجات والمظاهرات التي عمت مناطق “الـ48″، وتواجد الأحزاب العربية التي كانت دعمت الاحتجاجات، عبر رفع شعارات تطالب بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية، والمساواة في العمل والدخل والموازنات التي تخصص للمدن والقرى الفلسطينية المحتلة.
وتسعى حكومات الاحتلال إلى منع تواجد الأحزاب العربية داخل الكنيست الإسرائيلي، ويستهدف الاحتلال رموز “فلسطينيي الـ48″، مثلما جرى مؤخرا مع رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، الشيخ رائد صلاح، ويعمل الاحتلال على إخماد أي حراكات فلسطينية ترفض السياسات الإسرائيلية، بالإضافة إلى إقامة مشاريع استيطانية في مناطق المثلث والجليل، من “شأنها تهويد الأراضي وإجبار السكان على تركها بالقوة”.
تعليقات الزوار ( 0 )