كلما ذَكَّرْناهم بالطفرة غير المسبوقة التي عرفتها كرة القدم بمدينة بركان، في عهد ابنها البار السيد فوزي لقجع، إلا ويصر البعض إصرارا على تذكيرنا بخدام الدولة في عهد الملك الراحل، إدريس البصري ومحمد المديوري وأحمد الدليمي، وبأن مآل النهضة في مرحلة ما بعد فوزي لقجع، لن يختلف عن مآل نهضة سطات بعد الرجل القوي في عهد الحسن الثاني ووزير داخليته إدريس البصري، ومآل اتحاد سيدي قاسم بعد الجنرال أحمد الدليمي الذي كان لفترة ما ثاني رجل في نظام الحسن الثاني، ومآل الكوكب المراكشي بعد الحاج محمد المديوري مدير الأمن الخاص السابق للملك الراحل الحسن الثاني.
الفرق الثلاثة سالفة الذكر، ارتبطت ارتباطا وثيقا بالثلاثي البصري، المديوري والدليمي، وأزهى فتراتها في البطولة كانت عندما كان الثلاثي المذكور أعلاه في مركز القرار، ومن صناعه في المملكة، اتحاد سيدي قاسم من أواسط الستينيات إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ونهضة سطات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والكوكب المراكشي خلال تسعينيات القرن الماضي، وأضيف كذلك فريق شباب الريف الحسيمي خلال العقد الأول من هذا القرن عندما كان إلياس العماري مقربا من أصحاب النفوذ.
والقاسم المشترك بين الفرق الأربعة أنها تبخرت في أقسام المظاليم سنوات قليلة بعد ابتعاد أو إبعاد عرابيها عن الجهات النافذة.
قصة فوزي لقجع مع نهضة بركان استثناء
الدليمي أو البصري أو المديوري، كلهم لم يلتفتوا لفرق مدنهم إلا بعد أن وصلوا إلى مربع الكبار في الدولة، وحاولوا قيادتها نحو الألقاب، بعدة طرق، منها التأثير على الحكام، الاستعانة برجال السلطة، استقطاب النجوم لفرقهم بكل الطرق، توظيف اللاعبين في القطاعات التابعة لهم، وكلهم كان يسعى لتحقيق إنجازات آنية، وبدون أي مشروع، ورغم ذلك ممكن لنا أن نقول بأنهم فشلوا في تحقيق مرادهم.
عكس هؤلاء جميعا، فوزي لقجع قبل أن يكون عاشقا لفريقه، كان لاعبا في صفوف فئاته العمرية الصغرى، وتركه في فترة ما من أجل التفرغ للتحصيل العلمي، وبمجرد أن استقر اجتماعيا عاد لمد يد العون لفريقه، يعني لم يكن ذا نفوذ أو سلطة أو شيء من هذا القبيل، حكى لي بعض اللاعبين القدماء، أنه عندما كان الفريق يمارس بالقسم الوطني الثالث بداية هذا القرن، كان لقجع يحضر خفية لمتابعة مباريات الفريق نواحي فاس ومكناس والرباط، عندما كان لقجع موظفا بوزارة المالية، ولم يكتشفوا أمره إلا بعد تدخله لدى مصالح الدرك الملكي بمنطقة هامشية، ذات ليلة بعد نهاية “دموية” لإحدى المباريات انتهت بهم في مخفر الدرك من أجل إنجاز محاضر استماع لبعض أفراد الفريق، حيث تفاجأ اللاعبون بشاب مؤازر لهم، قدم نفسه لهم بأنه من أصول بركانية، ويقطن بالرباط، وبعد ذلك وفي مباراة للنهضة البركانية ضد وداد صفرو بالبهاليل حضر فوزي لقجع رفقة الحارس الدولي السابق عبد القادر البرازي رحمه الله، وبادر هذا الأخير إلى تقديمه للاعبي الفريق كواحد من أبناء بركان المقيمين بالرباط، كل هذا حدث خلال موسم 2001/ 2002، ومن ثم انطلق دعمه للفريق وتشجيعه له، وكان يرافق الفريق في كل تنقلاته، وأول منحة قدمها لقجع للاعبي الفريق قدرت بـ300 درهم لكل فرد من أفراد النهضة، وفي المباريات الأخيرة من ذلك الموسم، كان يتكلف بمصاريف التنقل كما أنه أهدى للاعبي الفريق بذلة رياضية كاملة، وتلك الصورة الشهيرة لفوزي لقجع مع فريق النهضة على ملعب بأرضية متربة (الحمري)، كانت ببنسودة باسم الجولة الأخيرة من بطولة ذلك الموسم، حيث كان الفريق قد ضمن سلفا تأهله للعب مقابلات السد، وفي مباراتي السد ضد اتحاد تواركة، لقجع هو الذي أشرف على الفريق تقنيا، رغم حضور المدرب محمد كريمي، ليحقق رفقة الفريق الصعود للقسم الوطني الثاني، منذ ذلك الوقت الذي كان لقجع يبلغ فيه من العمر 31 سنة فقط، وكان مجرد موظف بسيط بوزارة المالية، وهو بجانب الفريق سواء داخل التسيير أوخارجه، ولم يبخل بدعمه المادي والمعنوي للفريق بغض النظر عمن كان يترأسه.
إذن انطلاقة لقجع مع النهضة البركانية، لا تشبه البتة انطلاقة البصري مع سطات ولا المديوري مع الكوكب ولا الدليمي مع سيدي قاسم، فوزي لقجع ترعرع مع فريقه الأم، الذي أصلا كان كبيرا، وله تاريخ تليد قبل مجيء لقجع وقد تأسس سنة 1938، وإن تحت اسم آخر، وسبق له أن نافس على اللقب إلى آخر رمق موسم 1982/ 1983، عندما احتل الوصافة، كما لعب نهاية كأس العرش سنة 1987.
النهضة هي التي صنعت لقجع قبل أن يصنعها
عكس خدام الدولة الآخرين، بعد انتخاب لقجع رئيسا للنهضة البركانية شهر شتنبر من سنة 2009، حقق معها الصعود للقسم الثاني، وفي موسم واحد فقط قاده للبطولة الاحترافية الأولى، وبسبب هذا الإنجاز، وخبرته وكفاءته في التدبير والتسيير، وكذلك بسبب الوضعية التي كانت عليها الكرة المغربية خلال تلك الفترة بعد تراكم النتائج السلبية، والإخفاقات المتتالية، وعلى جميع الأصعدة، رُشِّح فوزي لقجع لرئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ليتم انتخابه يوم 11 نوفمبر 2013 رئيسا لها خلفا لعلي الفاسي الفهري.
وفي ظرف أقل من 10 سنوات انتشل الكرة المغربية مما كانت عليه إلى ما عليه الآن، يكفي أن نذكر بأن المنتخب المغربي احتل المركز الرابع عالميا في كأس العالم الأخير.
فضلا عن شقه الطريق نحو مراكز نافذة داخل أجهزة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، والاتحاد العربي لكرة القدم، ونال عن جدارة واستحقاق عضوية مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”.
لقجع لم يستعجل قطف الثمار
بعد صعود نهضة بركان للقسم الوطني الأول موسم 2011/ 2012، لم يستعجل الفريق تحقيق الألقاب أو حتى المنافسة عليها، ومنذ البداية كان لفوزي لقجع مشروع واضح، بمعالم معينة، أولها بناء ملعب في المستوى يليق بمكانة فريق يلعب مع الكبار، وهذا هو الورش الذي بدأ الاشتغال عليه، وفي ظرف سنتين أصبح للنهضة القادمة من “الحمري” ملعبا يعتبر من بين الأجمل على الصعيد الوطني.
الورش الثاني هو هيكلة الفريق، بعد الموسمين الأولين، وهما اللذان لعبهما الفريق بمدينة وجدة، بدأ فوزي لقجع بتطهير محيط الفريق، وبعد ذلك استقطب مجموعة من الشباب، من خيرة شباب المدينة، وجلهم من أبناء الشعب، وقام بتأطيرهم وصقل مواهبهم، إلى أن شبوا عن الطوق، وأصبحوا أهلا لتحمل المسؤولية ترك لهم الفريق، سنة 2019 تحت رئاسة الشاب الكفء حكيم بن عبد الله.
الورش الثالث الذي اشتغل عليه فوزي لقجع هو تشييد مركز تكوين خاص بالفريق، وهذا المشروع ورغم ضخامته وتكاليفه المادية الباهضة، نجح في إخراجه للوجود، فبعد سنوات قليلة أصبح للنهضة البركانية أكاديمية خاصة بها تعتبر من بين الأحسن في القارة الإفريقية.
الورش الرابع الذي اشتغل عليه فوزي لقجع، هو ضمان مداخيل قارة للفريق، الحمد لله، الآن الفريق يُسير بملايير السنتيمات، ولديه موارد مالية قارة، لتجعل منه النادي الأكثر استقرارا من الناحية المادية على الصعيد الوطني.
الحصاد الفعلي للثمار لم يكن في عهد لقجع
بعد عشر سنوات من رئاسته للنادي، وبعد أن اطمأن على مستقبله، وبأنه سيبقى في أيادي أمينة، انسحب فوزي لقجع من رئاسة الفريق، فاسحا المجال لنائبه حكيم بن عبد الله لتولي الرئاسة، وقتئذ كان يملك الفريق لقبا واحدا فقط، وهو كأس العرش الذي أحرزه سنة 2018، أما بقية الألقاب الأربعة فقد كانت في عهد نائبه حكيم بن عبدالله، بداية بكأس الكونفدرالية الإفريقية سنة 2020، وثلاثية، كأس العرش وكأس الكونفدرالية الإفريقية، وكأس السوبر، التي نالها الفريق السنة الماضية 2022، وفي عهده كذلك حقق الفريق أحسن رتبة في البطولة منذ صعوده الأخير، باحتلاله للمركز الثالث.
من خلال هذا الجرد، أعتقد بأنه لا مجال للمقارنة بين فوزي لقجع من جهة، والبصري والمديوري والدليمي، من جهة أخرى، فوزي لقجع جاء بمشروع واضح المعالم، اشتغل على تحقيقه لسنوات، والفريق بات مؤسسة ولم يعد مرتبطا بشخص لقجع، رغم الأفضال الكثيرة لهذا الرجل عليه، كما أن فوزي لقجع كَبُرَ مع الفريق، الذي بدأ معه لاعبا في صفوف فئاته العمرية الصغرى، مرورا بدعمه وتشجيعه وهو موظف بسيط، وحتى عندما قاده لتحقيق الصعود للقسم الأول لم يكن لقجع بهذه القوة وهذا القرب من دائرة صناع القرار.
تعليقات الزوار ( 0 )