قالت المجلة النسوية الأمريكية “Ms. Magazine” إنه بينما تزيد الحكومة المغربية من التضييق على الصحافيين والنشطاء والفنانين، تظهر المصورة المغربية فاطمة زهرة سري أجساد النساء وتجاربهن من الحيض إلى الزواج إلى ظاهرة التحرش في الشوارع.
وذكرت المجلة النسوية في تقرير لها، أنه وقبل بداية جائحة الفيروس التاجي وما تلاها من أوامر البقاء في المنزل، كانت المصورة المغربية فاطمة زهرة سري تستكشف بالفعل معنى صنع الفن في الأماكن الضيقة ثقافيا وماديا.
وفي هذا الإطار قالت سيري، 25 سنة، عن مدينتها المحافظة بالناظور الواقعة على الساحل الشمالي للمغرب إنها “لا يمكنها التقاط الصور بحرية في المدينة، خاصة في الشوارع”، ولذلك تم إطلاق إحدى أحدث منشوراتها على منصة “إنستغرام”
وتُظهر إحدى صورها الفوتوغرافية من الداخل مُقابل جدار فارغ، امرأة توازن كرة أرضية قابلة للنفخ أسفل قدمها المنثنية، وتتقاطع ساقها مع خيوط شباك صيد سوداء تتجه صوب السماء بشكل مكشوف.
وتحجب ثنايا البرقع جسدها وشعرها ووجهها، إلا من عينيها، وهي تثبت نظرها على الكاميرا، وكأنها هي من تدير هذه الأرض بساقها.
ومن خلال التنقل في مجتمع غالبًا ما يتحدى مطالب النساء في الفضاء العام، تعلمت سري كيفية التكيف والاندماج، فهي واحدة من 14 مصورا مغربيا قاموا مؤخرا بتشكيل مجموعة نورسين.
يقولون إنّ المجموعة الجماعية هي محاولة لاستعادة الوكالة في التمثيل وربط مجتمع ناشئ من المبدعين معا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالنسبة لسري، كانت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة للتفكير الإبداعي النقدي ومنصة لبث صورها، لكن عملها لا يقتصر بأي حال من الأحوال على منصة “إنستغرام” لتبادل الصور.
فمنذ عام 2016، عُرضت أعمالها في القدس ومرسيليا وهلسنكي وفيينا ومراكش، واعتبارا من هذا العام في الرباط كجزء من المعرض الافتتاحي للمتحف الوطني للتصوير الفوتوغرافي.
الفوطة الصحية: الدماء لا تخرج من مكان واحد فقط
واشتهرت سري في إحدى صورها بوضع فوطة صحية عليها دماء، أرادت من خلالها التطرق إلى موضوع الفوط الصحية والعادة الشهرية اللتان لا تزالان تعتبران من التابوهات و”العيب” في المجتمع، وهي تغييرات طبيعية ويجب على الناس تقبلها، وفق تعبيرها
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه وعلى الرغم من الإشادة بالمغرب في كثير من الأحيان باعتباره البلد الأكثر تقدمًا في مجال حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال المرأة المغربية تواجه عدم المساواة الاقتصادية والقوانين الأبوية والمحرمات فيما يتعلق بجسدها وحياتها الجنسية.
وفي هذا الصدد قالت سري، إنه على الرغم من اعترافها بعصبية: “نحن من مجتمع محافظ للغاية، خاصة في مدينتي، لذا فإن هذه الأشياء حساسة للغاية”، و”في المغرب، يطلق عليها اسم “حشومة”، بمعنى أمر مخزي.
وتحولت سري أولاً إلى التصوير الفوتوغرافي كمتنفس لاكتئابها بعد أن بدأت وظيفة بدوام كامل كمحاسبة، وكانت حياتها اليومية تتألف من التماثل، والعزلة، والشعور بصوت الصمت، لذا فقد أثبت الفن بالنسبة لها أنه وسيلة للتواصل، قائلة: “لا أعرف كيف أتواصل بشكل صحيح، أو كيف أعبر عن مشاعري وأفكاري”.
وبدأت بالتصوير في الشوارع والتقاط الصور الشخصية لها باستخدام هاتفها الذكي، وكان ذلك قبل بضع سنوات، ثم اشترت منذ ذلك الحين كاميرا رقمية متواضعة، وهي كاميرا “كانون” تستطيع تحمل تكلفتها.
ولا تملك سري تكوينا في مجال التصوير الفوتوغرافي، وقد اختارت عدم البحث عنه على الإنترنت، قائلة “أركز على الأفكار أكثر من التقنيات أو الكاميرا”.
وقد يكون التعليق الهجومي الذي تم سماعه هو الشرارة التي أشعلت النيران في طاقة سري الإبداعية، لتروي قصصها، كما تعتمد الفنانة أيضا على تجارب صديقاتها وأقارباتها وزملائها.
وأضافت الفنانة “كلنا نسويات”، وهو منظور شكلته هؤلاء النساء وعمل عالمة الاجتماع النسوية الراحلة فاطمة المرنيسي،”إذا لم يكن شخص ما نسويًا، أو إذا لم تكن المرأة نسوية، فهذا هو الشيء الغريب، وليس النسوي هو أن تكون جميع النساء نسويات”.
“الحبس” الصحي.. تحديات وقيود إبداعية
لم ترحب بها شوارع الناظور ولا بفلسفتها، لذلك كلما كان ذلك ممكنًا، كانت سري تغادر المدينة للعمل في الطبيعة، وكانت تلتقط الصور في الأماكن الوعرة لمدينتها، وهوامشها، والتلال العشبية التي ترتفع حولها، أو في الصيف، في قرية جدتها في الجبال خارج فاس حيث ولدت سري.
ولكن مع قوانين الحجر الصحي منذ أواخر مارس، فإن مثل هذا التنقل هو مجرد ذكرى دافئة، ولحسن الحظ، اعتادت سري على العمل بالداخل أيضا، وغالبا ما تلتقط الصور داخل منزلها، وتحول بسلاسة ما هو عادي، منزلي إلى تربة خصبة لمشاهدها التخريبية.
بالنسبة لها، هذا “الحبس” يمثل تحديا إبداعيا وقيودا، قائلة: “أحتاج إلى مساحة أكبر، أنا بحاجة للذهاب إلى الخارج، لقد سئمت من أربعة جدران”.
وبمجرد دخول المتحف، يفتح ممر مضاء بشكل خافت على غرفة واسعة ذات سقف مقنطر، تحيط صور النساء بالغرفة المصممة لتبدو وكأنها غرفة معيشة مع وسائد وسجادة تقليدية.
وجدت شيئًا يمثلني، فلماذا أهتم بما يعتقده الناس
وفي الصور، المرأة تنزف وتنظف وتقرأ وتجلس وتستعد لمباراة ملاكمة، بينما يشاهد المرء النار مشتعلة، امرأة ترشف من علبة عصير من الورق المقوى مكتوب عليها حلال 100 في المائة من خلال شفاه مرسوم عليها نظارة شمسية وفمها مخفي ببرقعها.
وفي صورة أخرى، تجلس سري نصف مغمورة بالمياه، وساقاها وذراعاها ملفوفتان على حافة حوض يضيء بنفس لون أحمر الكرز مثل شفتيها، تماما مثل حاملة الكرة الأرضية، وترتدي لباس ضيق شبكي تحت فستانها المتواضع، بينما تحمل كوب من الحليب في يدها.
وواجهت سري مقاومة شرسة من عائلتها عندما بدأت في مشاركة أولى أعمالها، وهو ما عبرت عليه بالقول: “أولاً، لم يقبلوا ما أقوم به” و”الفتيات هنا لا يفعلن ذلك، خاصة هذا النوع من الفن الذي أشتغل عليه”، لكن منذ نجاحها في المعارض في الداخل والخارج، تطورت آراء عائلتها إلى دعم، على حد قولها. حتى أنهم يتابعونها على “إنستغرام”.
وأوضحت سري: أن “هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يحبون فني، ولا يحبونني، ولا أعرف السبب، لكن على الرغم من ذلك، أشعر بالحرية”، وأردفت: “وجدت شيئًا يمثلني، فلماذا أهتم بما يعتقده الناس؟”.
وأضافت “يجب أن أقوم بتمكين النساء من حولي، ويجب أن أشعر بهم، لأتحدث عنهم، ولمساعدتهم على الكفاح من أجل المساواة”.
تعليقات الزوار ( 0 )