شارك المقال
  • تم النسخ

“غساسة”.. معلمةٌ تاريخيةٌ بإقليم الناظور تسائلُ وزارةَ الثقافةِ المغربيةِ

حاضرة أبادها الزمان، وخربها النسيان، صارت مرمية على بعد حوالي 20 كيلومترا غرب مدينة الناظور، الواقعة شمال المملكة المغربية، وبالضبط بمنطقة “بويافر”، هي “غساسة” التي لم يبق منها الكثير، مجرد جدار بني على طول مئتي متر، وأحجار قديمة كانت تستخدم للبناء، موزعة على سفح الجبل المطل على الساحل المتوسطي، هكذا صارت إحدى أهم مدن شمال إفريقيا في أحد الأزمان.

تشير المراجع التاريخية إلى أن غساسة، تعود إلى أول دولة مستقلة في المغرب الأقصى، حيث يعتبر أبو عبيد البكري، أن هذه الحاضرة، كانت تابعة لإمارة النكور، التي أسست عقب ثورة المغاربة على حكم الدولة الأموية، فيما تحدث عنها ابن خلدون، على أساس أنها مدينة، كما أن هناك العديد من المؤرخين الذين كشفوا أن هذه البقعة الجغرافية في الريف، كانت حاضرة مزدهرة اقتصاديا وتضم مناء مهما للغاية في المنطقة.

الإهمال الذي طالها، جعل العديد من الباحثين والفاعلين الجمعويين يطالبون بضرورة الالتفات إليها، ومنحها العناية اللازمة، والعمل على إقامتها، ولو جزئيا، مع تشييد إشارات ترمز إلى اسمها، ونبذة عن تاريخها، وتاريخ المجاهدين الذين مروا من هنا، ودافعوا بشراسة عن المنطقة ضد كل الغزاة، عبر مختلف المراحل التاريخية.

وفي هذا السياق، سبق للباحث في تاريخ المنطقة، خالد البوطيبي، أن قال إن “وزارة الثقافة مطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بإيلاء ما يكفي من العناية لهذه المعلمة التاريخية المنسية وإقامة حدودها وجعل إشارات ترمز لاسمها وتاريخها وأسماء المجاهدين الذين سقطوا وهم يدافعون عن المدينة وعن الكرامة والحرية والعيش النبيل”، مشددا على ضرورة:”إدراجها ضمن التراث المغربي مع باقي الأماكن الأثرية المتواجدة على أراضي المملكة”.

وأوضح المتحدث أن “مدينة غساسة الآن في وضع يرثى له، بسبب المقالع الرملية المقامة منذ مدة على نطاق واسع حولها، ونهب أحجار الركام الذي تبقى منها، لغرض البناء ومعها كنوزها المنبوشة”، في إشارة إلى ما قام به، سابقا، عدد من الأشخاص المجهولين، بعدما عمدوا لحفر قبر واستخراج ما بداخله، وذلك وفق إفادات لسكان محليين.

واسترسل الباحث في التاريخ، بأن ن مدينة غساسة الأثرية، تعيش مراحلها الأخيرة “قبل الاندثار النهائي بسبب الإهمال الذي طال معالمها وتاريخها، وخاصة تاريخ المنطقة الشمالية مما ساهم في وأد حضارتها العريقة، إذ تحولت إلى أنقاض وأكوام منهارة، رغم أنها تعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المغرب، وتتواجد في قرية بوغافر المعروفة بنشاطها السياحي حيث لا يعلم المار قربها عنها شيئا سوى ما هو مدون في كتب التاريخ”.

وعن تاريخ غساسة يقول البوطيبي:”كانت الحاضرة، في زمنها، مدينة ساحلية من أهم منافذ إقليم كرط، ولم يدر المؤرخون، إلى يومنا هذا، الأسباب التي دفعت سلاطين وأمراء بني مرين إلى صرف النظر عن مليلة بشكل ملحوظ، وتخصيص غساسة بأوفر العناية، إذ أنها كانت المركز البحري المفضل لدى حكام تازوضة، وفضلها المرينيون لموقعها البحري بعد التحول الطارئ على انحراف الطريق التجارية الرابطة بين بلاد القلوع ومملكة فاس”.

وتابع بأن القوافل التجارية فضلت بعد تحويل الطريق “المرور بجبال كزناية والمطالسة والدخول إلى المدينة التجارية غساسة، وهذا تأكيد على زعامة المدينة للشؤون التجارية خلال القرنين 13 و14 للميلادي، وفتح مرساها للتجار القاطالونيين والجنويين المتهافتين الوافدين من الاندلس الى غساسة”.

ويعتبر عدد من المهتمين بهذه المعلمة التاريخية، بأن وزارة الثقافة المغربية، تتحمل كامل المسؤولية عن التهميش الذي تعرضت وتتعرض له، خاصة أنه كان بإمكانها، إدراج غساسة ضمن المآثر التاريخية، وتشييد علامات تدل عليها في منطقة بويافر، التي تعد وجهة سياحية مهمة في الريف، لكن الكثير من المواطنين الذين يقصدونها، لا يعلمون شيئا عن تاريخ المنطقة، مطالبين إياها، بضرورة إصلاح ما أفسده المسؤولون السابقون بها، واعتبار “غساسة” معلمة تاريخية مغربية.

هذا، ويحمل آخرون مسؤولية الإهمال الذي طال غساسة، إلى المسؤولين المحليين والإقليميين، الذين لم يترافعوا عنها، أو على الأقل لم تكن لديهم الإرادة الكافية، وفق تعبيرهم، من أجل أن يستمروا في مساءلة وزارة الثقافة عن الأسباب التي جعلتها، تتغاضى عن المنطقة، وتتفادى تصنيفها معملة تاريخية، علما أن هناك أماكن أخرى، صنفت في خانة الـ”معلمة التاريخية”، بالرغم من وجودها فوق أراضي متنازع عليها، عكس المنطقة المعنية.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي