Share
  • Link copied

عودة حركة طالبان يُسائل السياسة الأمريكية في نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب

المتغطي بالأمريكان عريان، هذه مقولة تنسب للرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي كان ضحية للسلوك الأمريكي الانتهازي، عندما خرج أحد موظفي البيت الأبيض ليبلغ العالم بنهاية صلاحية نظام مبارك، ويقدم الأمريكيون دليلاً جديداً على صحة هذه العبارة، بعد مباشرة انسحابهم من أفغانستان، ليتركوا البلد هدفاً سهلاً أمام حركة طالبان، التي بدأت بالاستيلاء على العديد من المناطق شمال البلاد.

في قاعدة باغرام كان الانسحاب الأمريكي يتسربل بعتمة الليل، بدون أن يكلف الأمريكيون أنفسهم إخبار شركائهم في الحكومة الأفغانية بانسحابهم، وما تركوه وراءهم من مركباتهم وأسلحتهم وعتادهم، وأتى التبرير الأمريكي مثيراً، في حد ذاته، لكثير من التساؤلات، فما الذي كانت تفعله قواتهم لعشرين سنة، طالما أنها تنسحب خائفة، وتخفي تفاصيل الانسحاب، خشية هجمات حركة طالبان على قواتها.

يفكك الفصل الأخير من قصة الانتشار الأمريكي في العالم بعضاً من الأساطير التي ترتبط بالدعاوى الأمريكية للتدخل في البلدان الأخرى، ومع طالبان واحتمالات عودة “القاعدة”، يظهر واضحاً الفشل الأمريكي في محاربة الإرهاب، ويترافق ذلك مع هجمات متفرقة ومستمرة على المصالح الأمريكية في العراق.

قصة الفشل الأمريكي طويلة، وحتى بعد إرهاق “القاعدة” في مواقع مختلفة، لم يتمكن الأمريكيون من مواجهة أو تتبع التيارات المتطرفة التي ظهرت في العراق وسوريا ومنها، تنظيم الدولة (داعش)، وتحييد “داعش”، المؤقت على ما يبدو، مرتبط بالتدخل الروسي في سوريا، وأزمة كورونا التي وسعت من الإجراءات الأمنية في العديد من البلدان.

هل تنفجر قنبلة الإرهاب من جديد؟

هذا احتمال قائم دائماً، ولكن القنبلة التي ستنفجر لا محالة تتمثل في صراع دولي جديد أمام المشكلة التي تركها الأمريكيون وراءهم، في دولة فاشلة على حدود الصين وباكستان وإيران، وعلى تماس مع الحديقة الخلفية لروسيا، دولة تشكل مطمعاً لتصفية الحسابات وممارسة الضغوطات على الدول الأخرى. دولة فاشلة هو الوصف الذي يمكن أن ينطبق على أفغانستان، التي تبدو مفتوحة أمام تمدد طالبان من جديد، وتكاد تكون كابول في حالة انتظار لدخول مسلحي الجماعة، ومعهم المشاهد نفسها التي أثارت قلق العالم واستياءه قبل عقود من الزمن، من إعدامات ميدانية لمخالفات سلوكية لا يقبلها النهج المتشدد للجماعة. الطرح بتسييس الجماعة وإدخالها في عملية التفاوض، وما إلى ذلك، لا يمكن أن يشكل أي عائق أمام عودتها لانتهاك منهجي ومتواصل وواسع لحقوق الإنسان والحريات، ففي الجماعات التي يقوم فكرها على التطرف يستطيع الأكثر تطرفاً السيطرة على القرار، فالمعتدلون يحملون وصمة الميوعة، ويفقدون مواقعهم القيادية أمام الأتباع الذين يتعطشون لتطبيق رؤيتهم وترجمة عقيدتهم المتطرفة على أرض الواقع، الحياة الدنيا المحتقرة من وجهة نظرهم.

الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي الذي حمله الأمريكيون معهم إلى كابول يعلن فشل المهمة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، ويؤكد أن الأمريكيين لم يحاربوا بأمانة، ويعلن أنه يقف ضد عودة محتملة لمحاربة التطرف، ولكن يبدو أنه متفائل للغاية في قدرة كابول على الصمود أمام زحف طالبان، الذي لم يكتسب زخمه الكامل بعد، بل ويعتقد أن حرباً أهلية يمكن أن تعرقل طالبان أو تدفعها للتباطؤ، أو تدفعها للدخول في حلقة تفاوض من أجل الحصول على حصة كبيرة في السلطة، بدون أن تلتهمها بالكامل، وهذه الحصة ستكون كافية من أجل إخضاع الشعب الأفغاني وتخويفه، خاصة أن الجارة باكستان بكل إمكانياتها ومع مختلف منجزات الرئيس عمران خان، تواجه صحوة مقلقة لتيارات التطرف وسلوكياتها الاجتماعية، التي تسعى لخنق مساعي تحديث المجتمع، وسطوة الجماعات الدينية على الأفراد وحرياتهم الشخصية. بينما يستغرق المحللون والمختصون في الاشتباك السياسي وتفاعلات لقاء الرئيس الإفغاني أشرف غني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي شهدت تأكيداً أمريكياً على شراكة مستدامة وغير منتهية، فإن طالبان تتقدم على الأرض وتتوسع ميدانياً، وربما هي أسابيع التي تفصل عن عودة مشاهد نساء الشادور راكعات أمام رشاشات الجماعة في حفلات الإعدام. تتساقط مع أوهام الحرب على الإرهاب أسطورة الحرية وحقوق الإنسان التي تتخذها واشنطن مبرراً جاهزاً للتدخل والضغط على الدول الأخرى، في نموذج صارخ لازدواجية المعايير والعماء الفكري الذي تنتهجه مع هذه القضايا، ومن قال إن الولايات المتحدة مهتمة أصلاً بحقوق الإنسان والحرية والعدالة؟ ألم تكن هي الداعم الرئيسي لانقلابات أمريكا اللاتينية العسكرية؟ ألا تضم قائمة اللاشرف الأمريكية طغاة مثل أوغستو بينوشيه في تشيلي وكارلوس أرماس ورفائيل مولينا في الدومينيكان؟ وإذا كانت أمريكا انتهجت في الستينيات والسبعينيات تأسيس ديكتاتوريات قوية لرعاية مصالحها، فإنها قامت بإطلاق دول فاشلة مؤخراً، وفي الحالتين تستطيع الشركات الأمريكية أن تحصل على الصفقات الكبرى، وأن تعمل بحرية في الدول، وهذه الشركات يمكن أن تعمل مع أي أنظمة، وضمن أي ترتيبات إلا التعامل مع حكومات وطنية، تبحث عن حماية حقوق مواطنيها في ثرواتهم الطبيعية، والأمريكيون لا يستثمرون استراتيجياً من غير وجود قائمة بالعوائد المتوقعة، أو المكاسب المباشرة وغير المباشرة، وفي اللحظة التي تختل فيها الموازنة، أو يجف الضرع الذي تتلقمه، فإنها تنسحب وتترك وراءها الطوفان.

ليست المشكلة في أن الأمريكيين لم يعملوا بأمانة، فهم لا يعملون بأمانة في أي مكان، ولكن المشكلة في أن يصدق كرزاي أنهم كانوا يمتلكون النية للعمل بأمانة.

Share
  • Link copied
المقال التالي