تابع الرأي العام المغربي باهتمام كبير حلقة أمس (الأربعاء: 01/11/2023) من برنامج “مباشرة معكم”، الذي تناول موضوع “جدل النظام الأساسي بالمغرب”. وبقدر ما يثمن الجمهور جرأة القناة الرسمية الثانية على تناول هذا الموضوع الحساس، من أجل الكشف عن الحقيقة وتصحيح كثير من المغالطات التي تروج حول مستقبل المدرسة العمومية؛ بقدر ما يُصاب هذا الجمهور بعمى الألوان، ويصعب عليه التمييز بين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب. فكل ما تراه الوزارة الوصية على الورق: “en couleur” يراه رجال ونساء التعليم في الواقع وفي الميدان “blanc noir”.
ودون خوض في تفاصيل الحلقة شكلا (توزيع الوقت على المتدخلين؛ صفات المدعوين وهيئاتهم؛ مقاربة النوع…)؛ ومضمونا (منهجية الاشتغال في الإصلاح؛ السياق الدولي والوطني؛ ملف التعاقد؛ المهام الجديدة؛ التعويضات؛ العقوبات…)، يمكن الخروج بأربع خلاصات كبرى تؤكد كلها عدم وجود أية نية لدى الوزارة الوصية في التراجع عن نظام المآسي ومُضيها قُدُمًا في تطبيقه، حتى قبل تجويده:
1 ـ الإشادة بجرأة هذه الوزارة (ومن خلفها الحكومة) في الاشتغال لأول مرة في تاريخ الإصلاح بالمغرب على مدخل الموارد البشرية، عوض الاشتغال على البرامج والمناهج فقط، كما دأبت على ذلك كل الوزارات السابقة؛
2 ـ التمسك بمعاكسة أسرة التعليم (والنقابات) في تصور إصلاح منظومة التعليم وكيفية تنزيله؛ فلسان حال الوزارة يقول: “لا يمكننا أن ننظر إلى النظام الأساسي بمعزل عن الإصلاح”، ولسان حال الأساتذة يقول: “لا يمكن الحديث عن أي إصلاح بمعزل عن النظام الأساسي ومدى انعكاسه الإيجابي على الأستاذ ماديا ومعنويا”. فالوزارة من هذا المنطلق تؤمن بأن هذه الاحتجاجات ليست مجرد اختلاف في وجهات النظر بين وزارة التربية وبين هيئة التدريس، بل هي قصور من رجال ونساء التعليم عن فهم النظام الأساسي في أبعاده الإصلاحية الشاملة، والتي سهر عليها خبراء ومختصون في الوزارة جَلَّ أن يُخطئوا؛
2 ـ تبخيس الوزارة لنضالات الشغيلة التعليمية، التي يشهد القاصي والداني على أنها غير معهودة في تاريخ النضال بالمغرب، سواء من خلال تقزيم نسبة الإضراب في 30 إلى 40 % زورا وبهتانا، أو من خلال إظهار عدم الانزعاج من الحراك المجتمعي الموازي الذي تقوده بعض فعاليات المجتمع المدني، احتجاجا على ضياع الزمن المدرسي؛
3 ـ تكريس ثقافة تبرير الخطأ وإلقاء اللوم على الآخر (تبادل الاتهام بين ممثل الوزارة وممثل النقابات الموقعة بخصوص احترام المنهجية التشاركية)، بدل النزوع نحو الاعتذار عن سوء التقدير أمام الرأي العام والتعلم من الأخطاء السابقة؛
إجمالا يمكن القول إن النقاش بين ممثل الوزارة وبقية المتدخلين في البلاطو لأكثر من ساعة، بقي وفيا لعنوان الحلقة: “جدال حول النظام الأساسي”. والجدال ـ في مفهومه ـ لا يكون “من أجل إظهار الحق، بل يكون من أجل إجبار الطرف الآخر على التنازل عن رأيه وقناعاته، وأن يرضى بالرأي الآخر؛ ومن سمات الجدل العناد والتمسك بالرأي والتعصب له”؛ بخلاف الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تنوير المتدخلين للرأي العام، ويكون مناسبة لمراجعة المواقف والقناعات الفكرية وتصويب قواعد السلوك، وغرس القيم التي من شأنها تشكيل وعي مجتمعي حقيقي.
إن التعنت والتمسك بالرأي الواحد والأحد من لدن ممثلي الوزارة المركزيين، يوحي بأن الوزارة ليست مستعدة للتنازل عن النظام الأساسي المعوَّق، وليست لها رغبة حقيقية في تجويد هذا النظام بوصفه الحد الأدنى من الإصلاح. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى خسارة الحوار وحسن الجوار مع أسرة التعليم، كما يؤدي إلى هدر الوقت والجهد والمال؛ ولن يعيد الهيبة للأستاذ على حد زعمها، بل يعيد هَبَّةَ الأستاذ إلى الشارع. فالحذر الحذر.
تعليقات الزوار ( 0 )